نول الحرير في لبنان... ذاكرة من جمالٍ وحنين

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Thursday, December 26, 2013

"غدي نيوز" – أنور عقل ضو

يتحدى "نول الحرير" في بلدة بعذران – الشوف موجات الحداثة ويستمر "وحيدا" بقوة الحنين لزمن مضى، فهو أبعد ما يكون عن آلة حياكة يرقى عمرها الى مئات السنين، إذ تحول جزءاً من ذاكرة وتراث، ينسج مع خيط الحرير والصوف حكايا فيها من الدفء ما يكفي ليبدِّدَ بَــــرْدَ علاقاتنا الانسانية، رغم وسائط الاتصال الحديثة التي ألغت - أو تكاد، حاجز المسافة بين أصقاع الارض البعيدة.
والنول بهذا المعنى أكبر من آلة بدائية، هو بعض تراثنا الإنساني المشرع على الضياع والاندثار، خصوصا إذا علمنا أن ليس هناك إلا "نول" بعذران، أو ربما "أنوال" أخرى منسية أو لا يسمع صدى أخشابها وهي تحيك الخيوطَ نسيجاً من ألقٍ وتعب.
صاحب النول نزيه نبيه باز أشار لـ "غدي نيوز" إلى أن "النول آلة موسيقية لها سحر خاص لا يعرفه الا من يتقن نسج الخيوط، وأشعر بسعادة لا توصف عندما أسمع "رنة" الخشب على الخشب و"رنة" القصب على القماش".
وقال: "للنول حكاية طويلة مذ كنت أراقب جدي لأبي، وقد سحرني هذا العالم لما كنت أرى كيف أنه من خيط الحرير تنسج عباءة بخيوط مقصبة من ذهب، وأذكر أنه كانت هناك ثلاثة أنوال مشهورة في لبنان، واحد للراحل أنطون سعادة من ذوق مكايل، وآخر لشيخ من آل فياض في بلدة بشتفين ونولنا في بعذران الذي ورثته عن جدي".
وأضاف باز الحائز على الجائزة الاولى في "مهرجان البساط" في الاردن سنة 1997 الذي شارك فيه ممثلون عن اربعين دولة في العالم وتسلمها من الملكة نور عن عباءة مصنوعة من حرير بلدي: "أسعار العباءات تتراوح ما بين 1000 و 5000 آلاف دولار ويتطلب انجاز العباءة الواحدة أكثر من شهرين متواصلين من العمل الشاق والمضني، لكن الآن ليس ثمة من يشتري عباءة مشغولة على النول وانما يحضر أنواعا من القماش ويقوم بتفصيلها وخياطتها".
ورأى أن "النول فن ومسؤولية لا بد من تأمين سبل استمراره"، وتمنى أن "يبقى نولنا موجودا لانه وللاسف تحولت اخشاب أنوال كثير حطبا في المواقد، ونحن بذلك كمن يحرق طوعا تاريخا وذاكرة".
وعن كيفية الحصول على خيط الحرير البلدي أشار الى أنه ما تزال لدي كميات منه، فضلا عن أن هناك مصدرا يؤمن لي ما انا بحاجة اليه من خلال الصديق عدنان مومنة، وهو رئيس مكتب الحرير في لبنان".
وروى باز بحزن وخيبة: "قمت بصناعة "نولين" مع مستلزماتهما لصالح مكتب الحرير في لبنان، ذلك أنني أتقن صناعة الأنوال بخبرة اكتسبتها أيضا من جدي، وقمت أيضا بتدريب بعض الاشخاص للعمل عليهما، ومنذ شهرين قاموا بهدم المكتب ما أدى إلى تحطم النولين ولما سألت قيل لي ان مكتب الحرير ما عاد موجودا".
وأشار باز إلى أنه يقوم "بصناعة أغطية للهواتف الخلوية وغيرها كنوع من التحدي وأسعارها بمتناول الجميع وهي تمثل قيمة جمالية وفنية وبعضا من تراثنا".
وعن الاصباغ المستخدمة، قال: "أستعمل ورق الجوز والرمان وأصبغ أيضا بورق البصل الاحمر فضلا عن نبات السماق"، لافتا إلى "انني لا احبذ الصباغة بمواد كيميائية"، وأضاف: "لكن الآن لم يعد هناك خيط حرير لصباغته ولم يعد هناك (صوف مِــرْعِز) أي صوف غنم".
ولكنه أكد أن "النول سيعود ويتربع من جديد على صناعة الملبوسات، وإن بأشكال أخرى"، وقدم مقاربة تقول "اننا نشهد الآن تحولا على صعيد الغذاء من الاطعمة المعلبة والمصنعة الى الاطعمة الصحية الطبيعية، وبرأيي أن الناس سيعودون إلى الخيط الطبيعي والى النسيج المصنع دون مواد تشكل خطرا على البيئة والصحة، وهذا يتطلب المزيد من الوعي".



 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن