أشجار باولينيا تغزو أحراج لبنان وتهدد تنوعها!

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Tuesday, July 3, 2012

غريبة عن البيئة وتحتاج إلى الكثير من المياه
... أشجار باولينيا تغزو أحراج لبنان وتهدد تنوعها!


"غدي نيوز" – تحقيق أنور عقل ضـو

تخطت زراعة أشجار الـ "باولينيا" الصينية المنشأ في عاليه والمتن الاعلى ومناطق لبنانية عدة، دائرة التنويع الزراعي كنوع من أشجار الزينة، إلى ما يشبه "الغزو" لبيئة لبنان وخصائصه الطبيعية المتجذرة منذ آلاف السنين – إذا استثنينا أشجار الصنوبر التي استقدمها الأمير فخر الدين الثاني من توسكانا الايطالية، وإن كانت المقارنة ترجح كفة الصنوبر على الـ "باولينا" كونها أشجار ملائمة لبيئة لبنان ومحيطه المتوسطي، فضلاً عن أنها إلى أهميتها في تلطيف المناخ وتنقية الهواء بأوراقها الإبرية تعتبر ثروة اقتصادية للبنان، تعتبر مورد الرزق الاول لأكثر من خمسين ألف عائلة لبنانية – حسب إحصاءات نقابة عمال ومزارعي الصنوبر في لبنان، فالصنوبر بيئة ومناخ وإنتاج زراعي ومردود اقتصادي.
لا شك أن الـ "باولينيا" شجرة لها أهمية اقتصادية ايضا، وإنما في بيئة مختلفة عن بيئة لبنان من حيث الجبال والمنحدرات وندرة المساحات المسطحة، وقد انتشرت زراعتها على نطاق واسع في التسعينيات من القرن الماضي في كثير من دول العالم،  فسرعة نموها تجعلها ذات قيمة اقتصادية في إنتاج الخشب، وإنما لا فائدة مرجوة من تعميم زراعتها في لبنان، إضافة إلى أنها باتت تهدد "الهوية" الزراعية لجبال لبنان وهي موئل الأرز واللزاب والسنديان والسرو والشوح والقطلب وأنواع كثيرة تمثل غنى حقيقيا لبيئة لبنان ومناخه.
وما يستدعي التنبه لهذه الظاهرة هو اندفاع المواطنين لزراعتها، لا بل اعتمادها أيضا في حملات تشجير استهدفت الاحراج ومساحات شاسعة تعرضت للحرائق والقطع الجائر، بمعنى استبدال الاشجار البرية اللبنانية بالـ "باولينيا" دون رؤية بيئية مستشرفة لهذا النوع من الزراعة، إن على صعيد المناخ وإن على صعيد الجدوى الاقتصادية، دون إسقاط مسألة مهمة، وهي أن هذه الشجرة نمت بسرعة في مناطق ولم تنجح زراعتها في مناطق اخرى لاسباب تقنية مرتبطة بالمناخ ونوع التربة وندرة المياه.
تجدر الإشارة الاشارة إلى أن "السفير" كانت أول من واكب التجربة الأولى لاستنبات الـ "باولينيا" سنة 2003، وسلطت الضوء على تجربة قام بها عدد من ذوي الاختصاص من مهندسين وباحثين استخدموا وسائط بدائية في العام 1999، ومن بينهم الخبير البيئي الدكتور عمر الحلبي، وذلك بعد إحضار بذور الـ "باولينيا" من البرازيل، وهي عبارة عن نثار ورقي يابس لا تتعدى سماكة البذرة الواحدة سماكة ورق الكتابة، ولا يتجاوز حجمها حجم بذرة الخيار، مع الإشارة إلى أن بذور الـ "باولينيا" وزنها لا يتعدى الغرام الواحدة، وتتطاير مع هبوب نسمة ريح خفيفة، حتى أنه في البداية لا يتوقع أحد أن هذه البذرة يمكن أن تتحول في عامين أو ثلاثة إلى شجرة مكتملة، وأول غرسة زرعت في لبنان كانت بلدة فالوغا في المتن الأعلى عام 2004.
في تلك الفترة كان الهدف من هذه التجربة البحث العلمي وإضافة الـ "باولينيا" على قائمة أشجار الزينة ليس أكثر، إلا أنه بعد رواجها عالميا وجدت طريقها إلى لبنان عبر تجار ومواطنين ومؤسسات، ولا سيما خلال السنوات الخمس الماضية، وما يثير القلق أن تجربة زراعتها مغرية لسرعة نموها من جهة ولجمال أزهارها وهي تتدلى عناقيد ملونة باللونين الزهري والبنفسجي من جهة ثانية، وبذلك تحولت زراعتها إلى ظاهرة، فهي تغطي الآن مساحات من الاراضي في ترشيش وكفرسلوان وقرنايل وجوار الحوز فضلا عن بلدات اخرى في عاليه والمتن الاعلى، إضافة إلى زراعتها في سائر المناطق من الشمال الى الجنوب فالساحل والبقاع.

الـ "باولينيا" خارج السيطرة
 


"السفير" استطلعت آراء بعض الخبراء والعاملين في القطاع الزراعي للوقوف على آرائهم، حيال "غزو" هذه الشجرة وتمدد رقعة زراعتها، خصوصا وأنها باتت الآن خارج السيطرة، فهي تنمو الآن تلقائيا دون الحاجة إلى زراعتها كغرسة مستقلة، فالرياح تنثر بذارها الورقية الصغيرة على امتداد عشرات الكيلومترات، وهي تنمو في كل المواقع إضافة إلى البساتين والأراضي الزراعية.
ويقول عماد نصر أن "شجيرات عدة نمت بالقرب من أشجار الفاكهة قرب المنزل ولم أكن أعلم نوعها وهي غدت كبيرة الآن"، واستغرب كيف "وصلت إلى البستان الذي أملكه"، ولفت إلى أن "هذه الشجرة تصلح للزينة ولست مستعدا لابقائها لكن الفضول دفعني لابقاء ثلاثة منها".
ويبدي رئيس "جمعية غدي" تخوفا من أن "تتسبب الـ (باولينيا) بالاخلال بالنظم البيئية على حساب طبيعة لبنان"، لكنه استدرك "من المهم اعتماد التنويع واستقدام أنواع من أشجار الزينة شرط عدم الاكثار من زراعتها على حساب الارز والصنوبر والسنديان بشكل خاص"، لافتا إلى أن "لكل منطقة في العالم خصائص مناخية وطبيعية ولا مشكلة من زراعتها في الحدائق الخاصة". وقال: "في مشتلنا المدرسي في بلدة بمكين – قضاء عاليه لم نعتمد زراعتها لان خطتنا الراهنة تقضي بالاسهام في تعويض ما خسرناه من جراء الحرائق والتعديات من أشجار صنوبر مثمر، عدا أنواع اخرى من السنديان والجوز والارز والشوح".

الخوف على الثروة المائية

 

وترى الخبيرة في هندسة الحدائق المهندسة جنان أبو سعيد أن الـ "باولينا شجرة جميلة وتنمو بسرعة ويمكن أن تتصدر الحدائق أمام الابنية والقصور"، وقالت: "لانها تنمو بسرعة فهي بحاجة لكميات كبيرة من المياه، وهذا الامر من شأنه أن يؤثر على القطاع الزراعي على حساب أصناف أخرى من الاشجار والنباتات".
وتضيف: "يمكن لهذه الشجرة أن تنمو في الاحراج لكن سرعة نموها تبقى مرتبطة بكميات المياه التي تحصل عليها، ولذلك يضطر المواطنون إلى ريها كأي نوع من الاشجار المثمرة، كما هو الحال في بعض المناطق"، وتلفت إلى أن "شجرة (باولينيا) تطورت زراعتها في بعض دول العالم بهدف الاستفادة من خشبها في مجالات كثيرة، لا سيما أن الغرب يستخدم خشب الباولينيا في صناعة الآلات الموسيقية الوترية والإيقاعية، فضلاً عن صناعة الأثاث، وحدود استثمارها في لبنان في هذه المجالات معدومة وغير واقعية أساسا".

دعوة إلى الحذر
 


فيما رأت الخبيرة في مجال المحاصيل الزراعية المهندسة ديانا أبي سعيد أن "التوازن هو الغاية ولا يمكن تشجيع الاخلال بالنظم البيئة الطبيعية". وقالت: "لست متشددة في عدم زراعة الباولينيا السريعة النمو والجميلة في مرحلة الإزهار في حال اقتصر الامر على مبادرات شخصية، لكن أن تعتمد كشجرة أساسية في بعض عمليات التحريج فهذا أمر ستكون له نتائج كارثية فهي من الانواع الغريبة والوافدة الينا".
وتابعت: "ثمة مخاوف من أن نواجه مشكلات كالتي شهدناها مع زراعة نوع من الصنوبر البري، لجهة انتشار دودة الصندل، واضطرارنا إلى رشها بالمبيدات ما تسبب بأضرار كبيرة لحقت بالنظم البيئية والقضاء على حشرات وحيوانات مفيدة، وهذا ما دفعنا للتشديد على زراعة الصنوبر المثمر المعروف".
وقالت أبو سعيد: "ومن المخاوف أيضا أن تتعرض الباولينيا لمرض معين ليس ثمة عدو له في بيئتنا، ولا شيء يمنع من أن تكون حاملة لامراض معينة، وهذا من شأنه أن يتسبب بأضرار على مستوى القطاع الزراعي من خلال انتقال هذه الامراض الى سائر الاشجار والمزروعات". ودعت إلى "الحذر وعدم الاندفاع في اعتماد زراعات غريبة عن بيئتنا".     

 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن