"غدي نيوز" – أنور عقل ضو
لا يتورع العابثون بالبيئة عن استغلال حاجة الناس الى لقمة العيش، ويستغلونهم أكثر حين يدفعون بهم للاعتصام بذريعة توفير ديمومة عمل المرامل والكسارات التي تؤمن فرص عمل، بغض النظر عما تلحقه من أضرار تقضي فعليا على الاستثمار المفترض في قطاعي الزراعة والسياحة، وعلى فرص عمل مستدامة لهم ولأبنائهم من بعدهم.
هذا هو حال بلدة عين دارة – قضاء عاليه، وهي تواجه منذ اكثر من عشرين سنة تبعات فوضى المرامل والكسارات، وهي وظفت كثيرا في السياسة المحلية، وفي المال من خلال "تزيين" الواقع رغم بشاعة المشاهد وسط أحراج اجتثت أشجارها المرامل، وكسارات قضمت طولياً جبال ضهر البيدر، بالرغم من أن ليس ثمة تراخيص صادرة عن الجهات المعنية ولا سيما منها المجلس الوطني للمقالع والكسارات.
وفي هذا السياق، ثمة وجهتا نظر، الأولى عبر عنها عدد من اهالي البلدة واصحاب الشاحنات خلال تنفيذهم لاعتصام وقطع الطريق الرئيسية في البلدة لبعض الوقت، والثانية عبر عنها المتضررون من المرامل ومعهم عدد من الناشطين البيئيين.
الاعتصام
جاء الاعتصام "احتجاجا على عدم السماح لاهالي البلدة باستثمار اراضيهم وارزاقهم في منطقة وادي عين دارة - العزونية حيث من المقرر انشاء سد في هذه المنطقة".
ورفعوا لافتات مطالبة بحقهم بالاستثمار في ظل وجود امني لافت في جيش وقوى أمن داخلي.
وتحدث جان يمين وقال: "كل ما نطلبه من خلال هذا التحرك السلمي هو السماح لنا باستثمار اراضينا والتي داخل نطاق السد، وليس هدفنا تشويه البيئة، علما اننا لا نقبل ان تتشوه البيئة. نحن داخل اراضي السد والذي جاء فيه استملاك ويريدون اخذ اراضينا. نحن فقط نطلب استثمار املاكنا قبل ان يأتي الاستملاك وياخذوا اراضينا".
وتحدث ناصر يحي وقال: "انا من ابناء البلدة ولا نريد ان نعيش مهجرين بأرضنا وفي قرانا لا لبيع الاراضي، هذه الارض نريد توريثها لاولادنا. القوانين وضعت لخدمة الانسان وليس العكس، فالقوانين الموضوعة لاستثمار الاراضي في لبنان قوانين جامدة ومجحفة بحق المواطنين مما يضطر المواطنين الالتفاف عليها. لدينا حملة تصعيدية وسوف يتشكل وفد من المتضررين للقاء المسؤولين، واذا لم تستجب مطالبنا خلال اسبوعين، سنلجأ الى قطع طرقات من اجل لقمة عيشنا".
أما ماري وهبي فقالت :"كل ما نطلبه هو السماح لنا باستثمار اراضينا قبل ان يقام السد لكي نستطيع العيش كما يليق بالانسان".
مشروع السد ذريعة
في المقابل أكد الناشط البيئي روجيه حداد لـ "غدي نيوز" أنه "في كل مرة يبتكرون حججا والنتيجة واضحة وسط الخراب والدمار الواضح للعيان"، ولفت إلى "انهم هذه المرة يتحججون بموضوع السد الذي سيقام في منطقة "المارغة" تحت بلدة العزونية وفي خراج عين دارة وهي منطقة زراعية".
وأشار حداد إلى أن "المناطق التي يطالها التخريب بعيدة عن السد واتخذوا من مشروع السد ذريعة". وقال: "رمول عين دارة تسحب وتدمر البيئة بعيدا عن اي قانون، لا بل هناك خرق للقوانين وسط ممارسات مافيوية".
وأضاف: "يوم أمس (أمس الاول) التقينا النائب وليد جنبلاط في كليمنصو وطرحنا معه هذا الموضوع – الحجة، فقال هناك (رئيس بلدية يسمح بهذه الاعمال فعالجوا معه الوضع القائم)، بمعنى ان هناك سلطة محلية"، وأكد حداد "اننا بصدد تحضير دعاوى سترفع الاسبوع المقبل الى الجهات المعنية، فضلا عن وجود شكاوى لدى النيابة العامة لانه لا يحق لرئيس البلدية السماح باستخراج الرمول والاتربة من دون رخص صادرة عن المجلس الوطني للمقالع والكسارات ونجزم بان ليس هناك رخصة واحدة في عين دارة وهذا ما سبق أكده وزير البيئة السابق".
وأشار أحد المتابعين لموضوع السد أنه "لا يوجد توافق على إنجازه بمعنى أن لا مظلة سياسية للشروع في تنفيذه، فضلا عن أن دراسات جديدة أكدت أن المنطقة لا تصلح لاقامة السد"، ورأى أن "ما هو قائم هو اعتصام للابتزاز وتسويغ الاجرام بحق بيئة عين دارة ومستقبل ابنائها".
رد الناشطين البيئيين
وجاء في بيان أرفق بصور تظهر ما أحدثته المرامل من أضرار وخراب، وموقع من بعض الاهالي والناشطين البيئيين أن "الحيّز الطبيعي لعين دارة الضروري للتمدد البشري والعمراني والاقتصادي، ينحسر بشكل خطير. من جهة ضهر البيدر هناك الكسارات العصية على كل قوننة وتنظيم، وأثارها المدمرة على زراعة التفاح والكرز وعلى القيمة الاقتصادية للأرض وعلى القيمة الجمالية للمنطقة وعلى تلوث المياه الجارية والجوفية. تليها من حيث الخطورة محافر الرمل والأتربة التي منعت في نطاقها اي نشاط بشري من زراعة وعمران".
ولفت البيان إلى أنه "نتيجة لهذه الإعمال غير نطاقها اي نشاط بشري من زراعة وعمران".الشرعية اصبحت عين دارة محاطة من ثلاث جهات (ضهر البيدر، الضهر، المارغة والجواب) بأراض فقدت قيمتها الاقتصادية والبيئية والزراعية والعمرانية والجمالية، بالإضافة إلى توازناتها الإنسانية والإيكولوجية".
واضاف البيان: "ان المرامل تفتك بأراضي بلدة عين دارة على ارتفاع 1050 م عن سطح البحر في منطق المارغة، التي هي عبارة عن سهل زراعي خصب يحتوي على ينابيع تروي البساتين على مدار السنة. وهي تقضي على الاف الأمتار من الأراضي الزراعية الخصبة، إذ تقتلع آلاف الأشجار المثمرة وآلاف أشجار الصنوبر، ومن ثم يتم سحب الأتربة والرمول بهدف بيعها بطريقة غير شرعية. ويجب ألا ننسى اقتلاع آلاف الأشجار الحرجية في منطقة الجواب،حيث يتم تدمير بيئة إيكولوجية – زراعية – اقتصادية فريدة من نوعها في البلدة وفي قضاء عاليه، بسبب التدرج الطوبوغرافي الفريد لأراضي عين دارة (من 1000 الى 2000 متر علو عن سطح البحر). ففي حال تصحير المارغة والجواب، ستختفي نباتات وأشجار وزراعات وتضاريس لا يمكن تعويضها".
ولفت البيان إلى ان "هذا الجرف الواسع للغطاء النباتي وللأتربة والرمول سيحد كثيرا وزراعات وتضاريس لا يمكن تعويضها". من التسرب الطبيعي للمتساقطات مما سيؤثر، ليس فقط على ينابيع عين داره، بل على تلك الموجودة في قرى اخرى في قضاء عاليه، كون قريتنا هي الأعلى في المنطقة. كما ان ما تبقى من ينابيع تتم سرقة مياهها من قبل اصحاب الجبالات المنتشرة في عين دارة".
وتابع البيان: "هذا الأعمال وكونها غير شرعية، اذ تتم عبر مخالفة فاضحة لقوانين البيئة والزراعة وحماية الأحراج والبلديات والعقارات ولمراسيم تنظيم المقالع والكسارات وتقييم الأثر البيئي، تتسبب بمشاكل امنية ذات طابع عائلي وطائفي وبمآس اجتماعية. من غير المبالغ فيه القول انها تتم عبر طرق عنيفة تتوسل الترهيب والتهديد والابتزاز والخطف والضرب وقطع الطرق، الخ، وعبر الإفساد المالي والأخلاقي، وعبر إختراع حجج وهميّة كموضوع إنشاء سد مائي.كما ان الدعاوى المرفوعة بين الأهل والأقارب وابناء القرية الواحدة نتيجة لهذه الأعمال، اصبحت لا تعد ولا تحصى".
وخلص البيان إلى:
1-الوقف الفوري لكل اعمال سحب الرمول والأتربة بهدف بيعها، والتي تجري من دون رخص قانونية من المجلس الوطني للمقالع والكسارات.
2-الوقف الفوري لكل عمليات استخراج الرمول والأتربة سرا وتحت جنح الظلام وتجميعها بهدف بيعها لاحقا بحجة الستوكات.
3-الوقف الفوري لكل أعمال سحب الرمول والأتربة بهدف بيعها عبر الإحتيال على القانون والناس، تحت مسميات "استصلاح اراضي" و"رخص بلدية" و"إقامة سد".
4-منع تجار الرمول من عرض خدماتهم على المواطنين، اي استخراج الرمول والأتربة وبيعها، وذلك بطريقة غير شرعية تماما.
5-احصاء المرامل التي انشأت على اراضي خاصة وعامة كانت تضم اشجار مثمرة وصنوبرية وحرجية وارغام "مستثمريها" على ترتيبها وترميمها وتشجيرها على نفقتهم الخاصة، ضمن خطة تخضع لألية ترتيب وتسوية الأراضي كما وردت في مرسوم تنظيم المقالع والكسارات، بإشراف وزارتي الزراعة والبيئة والمجتمع المدني في عين دارة.
6-احصاء المرامل التي انشأت على اراضي خاصة وعامة بعل وارغام "مستثمريها" على ترتيبها وترميمها ومن ثم تشجيرها إن ارادوا على نفقتهم الخاصة، ضمن خطة تخضع لألية ترتيب وتسوية الأراضي كما وردت في مرسوم تنظيم المقالع والكسارات، بإشراف وزارتي الزراعة والبيئة والمجتمع المدني في عين دارة.