حرائق بعبدا - اليرزة كمؤشر لصيف أحمر

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Tuesday, May 13, 2014

لا تحقيقات ولا مسؤوليات ولا تحديد للأضرار
حرائق بعبدا - اليرزة كمؤشر لصيف أحمر

"غدي نيوز" – أنور عقل ضو

بعبدا اليوم غيرها بالأمس، ما عاد الأخضرُ عنوان مِطلاتها الأجمل، ومدى الرؤية من على شرفات بيوتها ضاق حد الاختناق، مشاهد ما بعد الكارثة صادمة بنتائجها، ولما تزل بعض بيوتها ملطخة بسخام الحرائق، لم تقوَ عليه "شتوة" أيار (مايو)، وكأننا محكومون بالإهمالِ قدرا لا مفر منه، فيما بعبدا اليوم برمزيتها هي الشاهد والشهيدة، ولا من يتعظ، حتى لتبدو كل بقعة خضراء مشروع حريق، ونضيع بين العبث والفوضى والاهمال وسوء التخطيط، والأهم عدم المحاسبة، والأكثر أهمية عدم القدرة على استشراف المخاطر والإدارة السليمة للأحراج وما بقي من غابات في بلد يعيش الحرائق "موسما" ثماره قاتلة.
لعل مقاربة تفيد في هذا المجال، وتقدم أجوبة عن كثير من الأسئلة، يوم كانت نسبة الغابات والأحراج أكثر من 40 بالمئة كان عدد الحرائق أقل وحتى شبه معدومة، فيما اليوم تدنت النسبة إلى نحو 6 بالمئة والحرائق إلى ازدياد، فقبل أن نلج "عصر الحداثة" كنا أكثر التصاقا بالأرض، كان أجدادنا وآباؤنا وامهاتنا يجمعون مخلفات الغابة من أغصان يابسة ويحتطبون "الوزال" و"الجربان" وغيرها من الشجيرات البرية لتأمين مستلزمات التدفئة، وكان الناطور العين الساهرة وحارس الغلال والأحراج حاضرا دائما قبل أن يقبع في ذاكرتنا الشعبية ويتلطى في أغاني الرحابنة، وأبعد من ذلك، كان دائما ثمة مزارعون في كل بقعة خضراء، يخمدون النار قبل أن تُشق الطرقات، فيما الأحراج مهجورة اليوم تنافس أشجارها النباتات البرية وتكون وقودا لحرائق.

شق الطرق والتقشيش

المشكلة ان شق طريق تحت عنوان مكافحة النيران يعني خسارة الأحراج بفعل التوسع العمراني، تماما كما يتحول مشروع بناء شبكة لتصريف مياه الشتاء إلى "مشروع مجرور"، ما يثير الاهتمام فعلا أن مراكز الدفاع المدني باتت منتشرة في كل بلدة تقريبا، ولم تتراجع نسبة الحرائق، ما يعني أننا بحاجة لإدارة سليمة للأحراج، إلى "التقشيش" والتقليم واستثمار عنوانه الاستدامة، وثمة اجراءات كثيرة يمكن اتخاذها في هذا المجال، ومنها عدم تجديد الأديرة والبلديات والأوقاف وسائر الجهات المالكة لأحراج الصنوبر لمستثمر همه جني الثمار دون إزالة ما يخلفه من أغصان وبقايا ودون أن يعمد إلى تنظيف الحرج المستثمر من الأشجار البرية، وألا يقتصر دور البلديات على "تقشيش" جوانب الطرق فحسب، ورصد موازنات بسيطة لـ "تقشيش" الأحراج، والتنسيق مع الحركات الكشفية والمدارس لتكريس مفهوم التطوع والمساهمة في عمليات ازالة الشجيرات والحشائش اليابسة، ومستقبلا الافادة منها في استخراج الحطب وأنواع من التربة الصناعية يتم استيرادها من دول تحسن إدارة غاباتها.
ويد الإنسان تبقى أهم من طائرات مكافحة الحرائق، على أهميتها، فما معنى أن ينشب حريق قرب مركز للدفاع المدني مجهز بثلاث سيارات إطفاء جميعها معطلة؟ ولعل أكثر ما نحن بحاجة اليه هو تشكيل لجنة طوارئ وإعداد خطة عمل عنوان عملها معالجة سبب الحرائق وليس التصدي للحرائق فحسب.

بلدية بعبدا
 


وفي العودة إلى كارثة بعبدا ومحيطها، نستغرب أن أحدا من الجهات المعنية في الدولة لم يتحرك إلى الآن لرصد الأضرار وحتى فتح تحقيق بما جرى، وحدها جمعية الثروة الحرجية والتنمية (AFDC) حضرت أمس الأول وعاينت تمهيدا لاعداد خطة ومؤازرة بلدية بعبدا، على ما أشار رئيس بلديتها الدكتور هنري كارميلو الحلو، وعلم "غدي نيوز" أن تحرك الـ (AFDC) جاء بتوجيه أو تمنٍ من وزير الزراعة أكرم شهيب.
"نشكر الله أنه لم يكن هناك ضحايا" يقول إيلي كرم، وهذا صحيح إذا ما شاهدنا بيوتا ومنازل طوقتها الحرائق، لكن في المدى الأبعد من حدود الكارثة في مداها الآني، سيكون ثمة ضحايا مع ازدياد رقعة التصحر، ضحايا المرض الذي سينجم عن غياب المساحات الخضراء المكافحة تلقائيا للتلوث. إلا أن كرم أشار مستغربا إلى "توحد اللبنانيين من كل المناطق والطوائف على مواجهة الكوارث ويعجزون عن التوحد في سبيل مستقبل أفضل وبيئة أفضل".  
وأشار الحلو إلى أنه "على مستوى الأضرار حضر أمس وفد من جمعية الثروة الحرجية والتنمية (AFDC) وقمنا بجولة على (خندق الرهبان) وهو أملاك خاصة وسائر المناطق المتضررة"، ولفت إلى أن "الحرائق بدأت من وادي شحرور ومنها انتقلت إلى بطشاي ومن ثم وصلت إلى منطقة (ضهرة بعبدا) وامتدت نزولا حتى (خندق الرهبان) لتصل إلى اليرزة صعودا، ومن ثم راحت النيران تنتقل من منطقة الى اخرى".
وقال: "في (خندق الرهبان) وكونه يعتبر محمية هناك خزان مياه لكن لا يكفي، كان يجب أن تكون هناك خزانات عدة"، إلا أنه لفت إلى أن "لا يمكنني الحديث عن هذا الامر ولا اريد الدخول في تفاصيل أكثر، لكن البعض من ذوي الاختصاص أشاروا إلى أنه كان من المفترض أن تكون هناك نقاط عدة للمياه لان الخندق في أسفل الوادي وبمساحة كبير (100 الف متر)".

ما نفع برج المراقبة؟

وعن دور برج مراقبة النيران في "خندق الرهبان"، أشار الحلو إلى أنه "يبدو مما حصل أنه لم يساعد في تجنب الكارثة، وفي العادة مهمة هذه الأبراج مراقبة بداية الحريق عندما يكون مجرد بقعة صغيرة من الدخان، ومنذ قليل شاهدنا دخانا قريبا فاتصلنا مباشرة ببلديتي وادي شحرور وبليبل خوفا من أن يكون الدخان المتصاعد مقدمة لحريق كبير".
وعن دور البلدية، أشار الحلو إلى أن "ليس للبلدية أملاكا محمية لتقوم بحمايتها وهي غير مؤهلة، أما محمية (خندق الرهبان) فإدارتها خاضة لجمعية الارض ولديها فريق عمل"، لافتا إلى "اننا سنضع يدنا مع الرهبانية الانطونية – ليس لاستثمارها، وإنما لنساعد لاحقا في حمايتها لان البلدية لديها امكانيات أكبر وجهة رسمية لمساعدة الجمعية أيضا كي لا تتكرر الكارثة، خصوصا وأن هناك وجهة نظر تقول أنه لو تمت محاصرة الحرائق في (خندق الرهبان) لما امتدت النيران الى اليرزة"، وأكد "انها كارثة كبيرة ولا ألوم أحدا، لكن نعرف أن هناك وقاية وتجهيز وتدريب"، ونوه الحلو "بجهود الأهالي والدفاع المدني والجيش اللبناني وشرطة البلدية والحراس الذين قطعوا اجازاتهم ولم يقصر أحد"، وشكر "بشكل خاص بلدية الحدث التي ارسلت صهاريح وأبناء الضاحية المتطوعين ما أثلج قلوبنا"، ولفت إلى "وقوع اصابات خفيفة تمت معالجتها بسرعة".
وعما إذا طاولت الأضرار المنازل، قال الحلو: "لا نعرف إلى الآن لكن الجنائن تضررت واحترقت"، وأكد أن "هناك تحركا سيبدأ وسنلتقي أولا وزير الزراعة وهناك مجموعة من أبناء بعبدا المندفعين والمتبرعين، لكن على الارض سنولي اهتماما بالوقاية، وكيفية انشاء برج مراقبة أو استخدام سقف بناء مرتفع ونتحدث وننسق في هذا الامر مع المسؤولين في الجيش"، ولفت الحلو إلى أن "الخطر قد يكون مصدره جيراننا ولذلك سنتعاون مع بلديات الحدث، بطشاي، حارة الست وسائر البلديات في القرى المجاورة".
ولفت إلى "اننا بحاجة الآن إلى آليات وكما تعلمون البلديات محكومة بدفتر شروط مناقصات، لكننا بحاجة إلى آليات لـ (خندق الرهبان) و(حرج اليرزة)، وهي عبارة عن أربعة صهاريج صغيرة يتسع الواحد منها لـ 600 ليتر مياه، لاننا لسنا بحاجة إلى صهاريج كبيرة كالتي يملكها الدفاع المدني فنحن مهمتنا ستكون مقتصرة على اخماد الحرائق فور نشوبها ومنع انتشارها"، وأكد أنه من "الآن فصاعدا ممنوع (الاراغيل) ومواقد الشواء والمفرقعات في محيط الاحراج".
أما الاجراء الأهم الذي اتخذته البلدية بالتنسيق مع نواب المنطقة فيقضي "بمنع البناء في الأماكن المحترقة على مدى سنتين على الأقل، وان كنا نعلم أن مثل هذا القرار قد لا يكون قانونيا ونحن سنحاول أن نجد غطاء سياسيا لتنفيذ القرار وان كان سيظلم البعض، ونقول من الآن ممنوع أن يصدر ترخيص لبناء، وممنوع أن يدخل أي شخص حتى إلى عقاره"، ولفت إلى "اننا سنتخذ هذا القرار لان بعد سنة سنقوم بإعادة تقييم الخسائر لنحدد الاماكن التي سيعاد تشجيرها".
وقال: "عملنا أربع سنوات بلدية بعبدا – اللويزة وأنزلنا عامل الاستثمار في اليرزة من 15 متر ونصف المتر إلى 11 متر ونصف المتر كارتفاع، وبالنسبة لمساحة الاستثمار فتقتصر على مساحة البناء فحسب بمعنى أنه يجب الابقاء على مساحات طبيعية، وإذا جاءتنا من المجلس الأعلى للتنظيم المدني طلبات رخص بناء على أساس أن هذا العقار احترق فلن نرضى، بالرغم من أننا نعرف حرص التنظيم المدني على الابقاء على فسحات خضراء وأهالي اليرزة كرموا بلدية بعبدا ومدير عام التنظيم المدني يومها الياس الطويل لاننا تمكنا من تخفيض عامل الاستثمار واعتماد مخطط توجيهي جديد لتكثيف المساحات الخضراء".

لا تقديرات للخسائر

وعن الخسائر لفت إلى أنه "لا يمكن تقديرها بدقة قبل سنة"، وأشار إلى أن "الحرائق طاولت نحو 200 ألف متر ولكنها موزعة وغير محصورة في منطقة واحدة، علما أن مساحة اليرزة مليون متر، مدرسة الجمهور 200 ألف متر".
ولغاية الان، لم يبدُ أن ثمة تحقيقا بدأ، وعلم "غدي نيوز" أن بعض المواطنين بصدد التقدم بشكوى، وأن هناك تحركا في هذا المجال سيتبلور قريبا.   
وأشار رئيس "جمعية طبيعة بلا حدود" المهندس محمود الاحمدية إلى أن "أكثر الاشجار المتضررة هي من الصنوبر البري"، لافتا إلى أن "خسارة هذه الأشجار ستنعكس على مواسم الصنوبر في عاليه والمتن لان الصنوبر يلعب دورا أساسيا في تلقيح الأشجار المثمرة"، وأكد أن "ظاهرة تراجع انتاج الصنوبر بنسب تخطت الـ 50 بالمئة ربما يكون ناجما عن خسارة الصنوبر البري"، منوها إلى أن "نتائج الكارثة أبعد من نطاق جغرافي بعينه".
أما رئيس "جمعية الارض – لبنان" المشرفة على غابة "خندق الرهبان" بول أبي راشد فأشار إلى أن "الغابة ملك الرهبنة الانطونية ونحن منذ سنة 1995 نحمي هذه الغابة وكافحنا عشرات الحرائق".
ورأى أن "ما حصل يوم الاثنين أن الحريق بدأ السابعة الا ربعا صباحا من وادي شحرور ووصل إلى الغابة الساعة الثامنة وقد أبلغت بلدية بعبدا الثامنة والربع أن الحريق يقترب، وبعد حوالي ساعتين ونصف الساعة اشتعلت حرائق وادي شحرور بطشاي ثم وصلت التاسعة وخمس دقائق وكنا أبلغنا والشباب الذين تركوا اشغالهم للمساهمة في اخماد النيران"، ولفت إلى أن "الغابة تضم 30 نوعا من الاشجار الحرجية، ومنها: صنوبر حلبي، سنديان، قطلب، بطم، قيقب وغيرها"، وقدر عدد الاشجار المحروقة في الغابة بـ "20 ألف شجرة وأن ثمة خطة عمل مع الرهبنة لاعادة تأهيل ما دمرته الحرائق".
وأشار أبي راشد إلى أنه "كان ممكن السيطرة على الحريق من وادي شحرور"، ودعا إلى "إجراء تحقيق"، لافتا إلى أن "لدينا عدة يمكن بواسطتها اخماد نار ودخان بالمحمية"، منوها إلى أن "كل نار تتحظى 20 دقيقة يصعب السيطرة عليها، ورغم ذلك انقذنا المشتل ومنطقة الاستقبال"، وأشار إلى أن "مساحة (خندق الرهبان) 110 آلاف متر مربع، والباقي غير المتضرر منها يقدر بـ 20 بالمئة".
 

 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن