ما سبب "المد الأخضر" على شاطئ لبنان؟

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Sunday, August 6, 2017

الباحثة في العلوم البحرية ماري أبي صعب: ظاهرة غير طبيعية

"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو

      

شهد الشاطىء اللبناني غير بعيد عن صخرة الروشة في بيروت، وتحديدا عند المسبح الشعبي في منطقة الرملة البيضاء ظاهرة انتشار الطحالب التي صبغت ليومين متتاليين المياه باللون الأخضر، وبدت شبيهة بـ "المد الأحمر" الذي غالبا ما نشهده في العديد من دول العالم، منها اليابان وبعض دول الخليج العربي.

وقد أثار "الشاطىء الأخضر" في بيروت وما يزال الكثير من التساؤلات، وصخبا إعلاميا مع تباين وجهات النظر حيال الظاهرة المستجدة، وبعيدا من السجال المستمر، وبعد أن استعادت مياه البحر صفاءها، تواصلنا في هذا المجال مع الباحثة في العلوم البحرية والإنتاج الأولي الدكتورة ماري عبود أبي صعب، وهي المختصة بهذا النوع من الظواهر، في محاولة للإحاطة بهذه الظاهرة من وجهة نظر أكاديمية علمية، والوقوف على أسبابها، لا سيما وأنه سادت مخاوف من أن تكون الطحالب المنتشرة سامة، أو أن لها تأثيرات سلبية على النظم الإيكولوجية البحرية.

 

الإنتاج الأولي

 

       وقالت أبي صعب لـ "ghadinews.net": "في البداية أود التوضيح بأن الإنتاج الأولي هو أساس السلسلة الغذائية Food Chain في البحار، وهو مؤشر لغنى المياه، فإذا كانت المياه غنية بها فكل السلسلة الغذائية بالبحر تكون غنية، فمثلا البحار التي تتكاثر فيها النباتات الهائمة أو العوالق النباتية Phytoplankton بأعداد كبيرة مثل البيرو والمغرب تحتوي كميات كبيرة من الأسماك".

وأضافت: "يعتمد الإنتاج الأولي على النباتات الهائمة بشكل رئيسي وتقوم هذه النباتات بعملية التمثيل الضوئي (الكلوروفيلي)، وهي تحتاج لعوامل عدة، منها أشعة الشمس وهي متوفرة في طبقات البحر السطحية، وثاني أوكسيد الكربون، وهو متوفر في المياه، وثالثها المغذيات كالنيترات والفوسفات، وحرارة البحر المتوسط معتدلة بشكل عام، لكن في الشتاء ونظرا للطقس البارد وقصر النهار، تبرد المياه وتختلط طبقات المياه بعضها ببعض، وتتأثر هذه العوالق بدورة المياه السنوية، ويحصل نوع من التخزين لهذه العوالق، كون التكاثر النباتي في هذه الفترة بطيء ومحدود بساعات النهار الضوئية، ومع ارتفاع درجات حرارة الجو وطول النهار، ترتفع درجة حرارة المياه، وتبدأ هذه النباتات بالتكاثر، خصوصا لتوفر العناصر السابق ذكرها، وهذا ما يسمى "بلوم" Bloom، أو بالمعنى الحرفي للكلمة الإزدهار، وخصوصا لجهة توفر المغذيات من الأملاح المعدنية كالنيترات والفوسفات وغيرها".

 

ظواهر مماثلة

 

وأشارت أبي صعب إلى أن "أبحاثنا دلت على أنه قد يحصل هذا الأمر بصورة سنوية، وأن هناك عادة تتابع بالأنواع المكونة لهذه العوالق، بدءا من شهر آذار (مارس) وتصل ذروتها في شهري حزيران (يونيو) وتموز (يوليو)، ولا يتغير لون المياه عادة، أما الألوان فتظهر كالبني والأخضر والأصفر والتي برزت لدينا فهي ظاهرة غير طبيعية، وهي تدل على خلل في تتابع الأنواع وفي النظام البيئي، ولا يمكن التكهن بأنواعها، ما لم تؤخذ عينات وتفحص تحت المجهر".

ولفتت أبي صعب إلى "ظواهر مماثلة حدثت في ربيع 2008، ظهرت بقعة بنية اللون قرب منطقة الزوق ونهر الكلب (شرق بيروت)، وكانت ناتجة عن نوع سام من الطحالب أثر على الكائنات الحية وخصوصا الأسماك، وفي العامين 2015 و2016، ظهرت بقع في عدة شواطئ في منطقة الشمال، وكانت ناتجة عن نوع من الطحالب المجهرية السامة، وقد شهدنا على شواطئ أنطلياس (شرق بيروت) حدوث نفوق عدد من الأصداف البحرية، وهذا الأمر يحدث ويتكرر في المناطق الشاطئية، وهو ناتج عن تكاثر أنواع تكون أحيانا سامة للأسماك وفي حالات أخرى للإنسان والحيوانات البحرية".

وأضافت: "في معظم الدول الأوروبية يقوم الباحثون بأخذ عينات دورية، خصوصا في فصلي الربيع والصيف وخلال ارتياد الناس الشواطئ، ليعرفوا ويحددوا الأنواع الموجودة في أماكن تربية الأسماك، وإن كانت سامة يتوقفون عن استخراج المنتجات البحرية (أسماك وقشريات وغيرها)".

 

خلل بتوازن الأملاح

 

أما عن أسباب حدوث عملية الـ "بلوم"، فقالت أبي صعب: "لا بد من توفر الظروف المؤاتية مجتمعة، وهي أولا الحر الشديد، وثانيا البحر الهادئ وحالة الركود في سطح المياه، والأمر الثالث وجود المغذيات بكثرة، ويكون هذا الـ Bloom ناتجا عن تكاثر نوع أو نوعين من الأنواع الطاغية، ويكون الخلل بتوازن الأملاح، ويحصل في المياه الشاطئية القريبة من مياه الصرف الصحي، والمعامل وحتى الأنهر الملوّثة، وإن استمرت حالة الركود هذه لأيام، فستتكاثر الطحالب، ولكن حالما تبدأ الأمواج تخف حدة "البلوم" نظرا لاختلاط المياه السطحية بالطبقات السفلى Water Mixing وتختفي الظاهرة".

وأردفت: "يمكن أن تتكرر هذه الظاهرة بصورة سنوية، وإن كانت الأنواع سامة فسنشهد نفوقا للأسماك والحيوانات البحرية قرب هذه المناطق، وقد عزا البعض اختفاء حيوان التوتياء (من أنواع القنفذ البحري Sea Urchin)  واسمه العلمي Echnoidea من مياهنا، إلى تكاثر أنواع سامة من الطحالب، قرب الشاطئ كون هذا الحيوان يتغذى على الأعشاب والنباتات".

 

إعادة التوازن إلى المحيط البحري

 

وأشارت أبي صعب إلى أنه "خلال أبحاثنا تمكنا من التعرف على أكثر من 15 نوعا ساما من الطحالب في مياه لبنان، منها سام للإنسان، ومنها ما هو سام للحيوانات البحرية والبعض سام للأسماك، ولحسن الحظ أننا لا نتناول الكثير من المأكولات البحرية النيئة Raw، مثل السوشي، فنحن نشوي المأكولات البحرية أو نقليها، وهذا يخفف لحد ما من مخاطر هذه الطحالب، أما عن المخاطر المحتملة فكما قلت سابقا، إن كانت هذه الأنواع سامة فهي تؤثر على الأسماك، والحيوانات البحرية، وكذلك على الإنسان إن سبح ولم يبتلع هذه الطحالب فلا خوف عليه، ولكن ثمة أنواعا خطرة موجودة في مياهنا وحتى ولو لم ينزل الشخص إلى المياه، فهي تفرز سموما تتجمع بزبد البحر، وهذا الأمر قد يؤدي إلى تنشقها من قبل الإنسان ما يتسبب بظهور عوارض تنفسية وحساسية، ويجدر الذكر أن هذا النوع الذي ظهر في مياهنا ليس من النوع السام".

وقالت أبي صعب: "في كل الأحوال، كان من الضروري أخذ عينات، لأن هذا النوع لا يختفي مع ارتفاع درجات الحرارة، خصوصا على الشواطئ الرملية، فهو ينتج (كيس)  cyst ليحميه ويبقى في الرمل، ليعيد تكاثره السنة التالية مع توافر الظروف المؤاتية لذلك، كما ذكرنا، لذا من الواجب متابعة ومراقبة هذه الحالة، وعلينا أخذ احتياطات لجهة منع مياه الصرف الصحي من التدفق إلى البحر، لإعادة التوازن إلى المحيط البحري، فيجب أن تكون الأملاح بنسب معينة حتى لا تظهر هذه الأنواع الطاغية، خصوصا مع وجود كميات من النيترات والفوسفات، وهنا تكمن الخطورة".

 

الأنواع السامة

 

أما عن الأنواع السامة الموجودة في مياه لبنان، فقالت أبي صعب: "تنتمي هذه الكائنات إلى أربع مجموعات رئيسية، هي:  diatoms، cyanobacteria، dinoflagellatesو coccolithophores، وتنتمي الأنواع السامة إلى مجموعة الـ dinoflagellates، وبعض الأنواع السامة التي ظهرت في البحر اللبناني منها: Amphidinium carterae وهو نوع سام وقوي قادر على البقاء على قيد الحياة في كافة الظروف والبيئات البحرية، وAlexandrium minutum وهو نوع سام يعيش في المياه المعتدلة والحارة، وفي المناطق الساحلية ومصبات الأنهار والخلجان والموانئ، ويتحمل الملوحة المنخفضة وارتفاع المغذيات في البحار، وKarenia brevis ويفرز مادة سامة جدا للإنسان من نوع brevetoxins وOstreopsis spp ويفرز مادة باليتوكسين Palytoxin، وتعتبر هذه المادة من بين المركبات الأكثر سمية من منشأ طبيعي وتنتج السموم في المياه الدافئة السطحية، واسم الإصابة بالتسمم من هذا النوع من الطحالب "التسمم العصبي من القشريات" Neurologic Shellfish Poisoning (NSP)، Ostreopsis fattorussoi sp. nov. (Dinophyceae) وهي نوع من العوالق القاعية تنتج لونا بنيا، وقد شهدنا منها على الشواطئ الساحلية الشرقية للبحر الأبيض المتوسط ومنها لبنان، كما أنها تنتج نوعا من السموم يسمى BENTHIC (قاعي)، و Heterosigma akashiwoوهو نوع من العوالق السامة للأسماك Ichtyotoxic، ويأتي اسم akashiwo من اليابانية بمعنى المد الأحمر red tide وغيرها.

 

الفحص المجهري ضروري

 

ولفتت أبي صعب إلى أن "هذا النوع من النباتات عمره قصير، وتنقسم الخلايا خلال النهار مرات عدة، ولكن بعد موتها تتحلل وترجع للعناصر الأولية المكونة لها، وثمة أمر علينا معرفته وهو لحسن حظنا في لبنان أن الشاطئ خط مستقيم، وهو يساعد على اختلاط المياه بشكل مستمر، وحتى الملوثات التي رميت في البحر تأخر تأثيرها بسبب هذا الأمر، فالمياه تختلط بسرعة ولا تتركز في مكان واحد، ولكن مع اجتماع الظروف المناسبة في مكان واحد وبشكل مركز، كما في حالة منطقة الرملة البيضاء، حدثت هذه الظاهرة، حيث ركدت المياه مع إرتفاع درجات الحرارة ووجود المغذيات من مصدرين لمياه الصرف الصحي، وقد تحدث وتختفي بسرعة مع حركة المياه السريعة، لذا يجب مراقبة البحر وأخذ العينات لفحصها مجهريا والتأكد من خلوها من الأنواع السامة، ويمكن للأشخاص العاديين أن يتحلوا بالوعي وأن يأخذوا العينات إلى المراكز البحثية للتأكد منها، خصوصا في حال نفوق الأسماك أو الكائنات البحرية".

وختمت أبي صعب: لدي مقالات عدة في مجال الإنتاج الأولي والثانوي التي تتغذى على هذه الكائنات ونشرت كتابا وهو موجود في أكثر من 100 جامعة في حوض البحر المتوسط، ويمكن الإطلاع على هذه الأبحاث والمنشورات من قبل المهتمين بهذه الظاهرة.

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن