أول مرجع علمي يوثق الفراشات للباحث الدكتور حسين زرقط

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Friday, September 8, 2017

ويصنف الموائل في 28 منطقة إيكولوجية في لبنان والعالم العربي

خاص "غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو

      

يعتبر "تأثير الفراشة" من التعابير الجديدة Neologism التي ابتكرها الرياضي وعالم الطقس الأميركي Edward Lorenz  المتوفي في العام 2008، وهو مفهوم ينص على أن "الأسباب الصغيرة يمكن أن يكون لها آثارا أكبر"، ومشتق من المثال المجازي لتفاصيل إعصار (الوقت المحدد لتشكيله ومساره الدقيق) الذي يتأثر باضطرابات طفيفة مثل رفرفة أجنحة فراشة بعيدة جدا وقبل أسابيع عدة، إلا أنه في حالة الطبيب والباحث حسين زرقط، فإن "تأثير الفراشة"، أدى به لتغيير مسار حياته نحو "إعصار مجازي" بعد أن تحول من تخصص الطب إلى البحث عن الفراشات وتصنيفها وتدوين معلومات شاملة عنها في كتابه الموسوعي "الدليل الحقلي عن الفراشات في لبنان والشرق الأوسط" A Field Guide to the Butterflies of Lebanon and the Middle East، ويعتبر حاليا أحد أهم وأحدث المراجع الشاملة في لبنان والعالم العربي لهذه الكائنات الرقيقة، فضلا عن أنه الأول لكاتب وباجث عربي في هذا المجال.

 

فراشات لبنان والشرق الأوسط

 

       في هذا المرجع القيّم المكون من 607 صفحة من القطع الوسط، وباللغة الإنكليزية، وعلى الرغم من أنه يعتمد على مراجع أقدم في العالم العربي، منها لـ Larsen وPittaway، إلا أن زرقط لم يعد صياغة المحتوى العلمي فحسب، بل وأضاف إلى أعمال الباحثين تحديثات في المعلومات وأنواعا جديدة عديدة، ونباتات مضيفة وحاضنة لهذه الفراشات وبأسلوب علمي دقيق، شاملا الأسماء العلمية وبطريقة منسقة تدفع القارئ العادي والباحث إلى ولوج عالم الفراشات السحري والإستفاضة منه.

       والتقينا زرقط في مكاتب "جمعية حماية الطبيعة في لبنان"Society for the Protection of Nature in Lebanon واختصارا SPNL، وفي حديث لموقعنا ghadinews.net  قال: "لولا التعاون مع SPNL وتشجيع مديرها العام أسعد سرحال، والمساعدة القيمة والدعم من IUCN وMAVA  لما توصلت إلى هذا الكتاب الشامل، ولما رأى هذا الكتاب، وكتب أخرى كثيرة النور، وقد جمعت في كتابي، أبحاثا سابقة واكتشافات حديثة في هذا المجال الذي لم يأخذ الحيز المطلوب من الإهتمام حتى الآن"، وأضاف: "إن هذه الكائنات العديدة في أنواعها يضعها معظم الناس تحت مسمى وحيد، وهو الفراشة، إلا أنه عالم متنوع يشمل آلاف الأنواع حول العالم".

       وقال: "منذ طفولتي، لفتت الطبيعة بكافة مكوناتها نظري واهتمامي، إلا أنني تابعت تخصصي العلمي في مجال الطب في الولايات المتحدة الأميركية، ولكنني لم أمارس مهنة الطب، بل تابعت بعد عودتي إلى لبنان دراستي في الجامعة العربية في بيروت وحصلت على درجة الماجستير في تخصص الكيمياء العضوية Biochemistry، ودأبت على متابعة شغفي بدراسة الفراشات، وآمل متابعة التخصص في مجال الحشرات والحصول على درجة الدكتوراه".

 

165 نوعا من الفراشات في لبنان

 

       ولفت زرقط إلى أن "مقدمة الكتاب تتجاوز المئة صفحة، وهي ليست عن الفراشات وأنواعها فحسب، بل تشمل تصنيفا للموائل الطبيعية الموجودة في 21 بلدا عربيا، ويشمل الدليل 28 منطقة إيكولوجية في العالم العربي، ومنها 142 منطقة حيوية Biomes، تسمح لها باستقطاب كائنات عديدة من النباتات والحيوانات وتحديدا أنواعا كثيرة من الفراشات، كما أن المقدمة تحتوي على تشريح لهيكل الفراشة الخارجي، ليتمكن القارئ من التمييز بينها، فضلا عن سلوكها العام وموائل كل نوع منها، وجغرافية كل بلد عربي وأنواع التربة التي تسمح بنمو نباتات خاصة تتغذى هذه الفراشات واليرقات عليها، وعدد أنواع الفراشات في كل بلد منها، وإن كانت بعض البلاد العربية تفتقد إلى التصنيف الكافي".

       وقال زرقط: "ركزنا في الكتاب على لبنان، كونه يعد من الدول الغنية بالتنوع البيولوجي فلبنان يعتبر بأنه (نقطة ساخنة) Hot spot بالنسبة لمساحته، وفيه 3000 نوعا من النباتات، و4486 نوعا من الحيوانات 40 منها معرض للإنقراض، خصوصا لجهة الفراشات، فلبنان يحتوي على 165 نوعا، منها المستوطنة Endemic، ومثال عليها Polyommatus ellisoni أو "فراشة الأرز الزرقاء"، Polyommatus isauricoides "الفراشة الزرقاء الصغيرة"، P. deebi "فراشة ديب الزرقاء"،P. syriaca  "فراشة أدونيس اللبنانية الزرقاء" وغيرها".

       وأضاف: "للمقارنة في مدى تنوع لبنان بالفراشات، فبينما يحتوي لبنان بمساحته الصغيرة 165 نوعا، فإنه في بلد مثل المغرب على سبيل المثال لا يتجاوز عددها 132نوعا، على الرغم أن مساحته أضعاف مساحة لبنان، لذلك يعتبر لبنان hot spot للتنوع الحيوي".

       وأشار زرقط إلى أن "الدليل الحقلي يشمل الفراشاتbutterflies ، فضلا عن Skippers، وهي مجموعة مختلفة عن الفراشات بعدة نواحٍ، فهي بين الفراشات والعث Moths وإن كانت أقرب للفراشات وفقا للعلماء لذا شملناها بهذا الكتاب، أما العث فلم يشملها الدليل الحقلي، خصوصا وأنها كثيرة للغاية وتستحق بحثا خاصا بها".

 

 مؤشرات حيوية

 

       ولفت زرقط أنه بدأ مشروعا منذ سنة لكتيب عن الطريقة لإنشاء حديقة للفراشات وذلك بزراعة نباتات تجذب الفراشات في كافة الأراضي اللبنانية، وقال: "أعمل على هذا الكتيب منذ بعض الوقت، ونتكلم فيه عن مبادئ حديقة الفراشات وفوائد مثل هذه الحدائق، وسيتضمن الكتيب دراسة للبيئات المختلفة في لبنان وجغرافيته، ودليل للنباتات المضيفة للفراشات، وإن كنا لا نعلم أنواعها كافة، ولكن هناك نباتات خاصة لتغذيتها وأخرى لتكاثرها، لذا إن زرع الأشخاص هذه النباتات فيمكنهم جذب أنواع معينة، فضلا عن العمل على أول دليل حقلي لأنواع الفراشات اللبنانية فقط، وقد بدأت فعلا بالرسوم التوضيحية وغيرها، وسيكون دليل الفراشات اللبناني كتتمة لهذا الكتاب".

       أما عن فوائد هذه الحدائق المتعددة، فقال: "إنها تشجع عملية تلقيح النباتات الموجودة والمحافظة عليها، والوعي البيئي من الأجيال الجديدة، خصوصا وأن الفراشات مرتبطة بالبراءة والطفولة والحب ولها قيمة جمالية وروحية، والعديد من الناس لا تعرف عنها الكثير ولا تقدر تنوعها وأهميتها البيئية، وتعتبر الفراشات مؤشرات حيوية biological indicators لصحة الموائل، فعددها القليل يرتبط بالممارسات الزراعية الجائرة، مثل المبيدات والتحضر urbanization، أما العدد الكثير من العث وبعض أنواع الفراشات لأن بعضها من الآفات الزراعية، فيدل على قلة المفترسين مثل الطيور والخفاش، وهذه المعلومات حول بعض الآفات الزراعية موجودة في الكتاب أيضا، لذا بدأنا في SPNL إنشاء حديقة للفراشات في البقاع الغربي".

 

حديقة الفراشات

 

       وقال زرقط: "قررنا إنشاء متنزه park طبيعي ضمنه حديقة للفراشات في منطقة حماة الحمى في البقاع الغربي، كونه موقعا يحتوي العديد من الموائل الخاصة التي تعيش فيها الفراشات اللبنانية وحيث يمكنها أن تعيش وتتكاثر"، وأضاف: "ستحتوي الحديقة في المتنزه على درب الفراشات butterfly trail بدعم من مؤسسة LUSH التي تصنع مواد التجميل من النباتات العطرية والطبيعية الموجودة في بيئتنا ومعظمها نباتات مضيفة للفراشات Host plants، حيث يمكن للفراشات على هذا الدرب التعرض للشمس Basking، وتناول غذاءها من رحيق النباتات الخاصة التي ستزرع لجذبها بصورة طبيعية، وهو مشروع يتطلب بعض الوقت، ولكن بدأنا بوضع الخطط والدعامات الرئيسية له، وسيكون تركيزنا على الفراشات اللبنانية المقيمة، وليس جلب أنواع غريبة Exotic بهدف المحافظة على أنواع الفراشات الموجودة لدينا، خصوصا الأنواع المعرضة للانقراض والمكتشفة حديثا والموجودة في مناطق خاصة في لبنان، فهناك 165 نوعا في لبنان، وربما في المستقبل قد نعمل على إكثارها".

أما أكثر الفراشات جمالا، فبرأي زرقط أن "كل الفراشات مميزة ولكن الفراشات الزرقاء تظل الأكثر لفتا للإنتباه في لبنان، وعن أكثر الفراشات شيوعا في بلادنا "فهي Painted lady وSwallowtail".

أما عن سبب تنوع ألوانها فقال زرقط أن "الألوان ناجمة عن التطور بالمجمل، وإن كانت الألوان تخدم الفراشات ولديها فوائد لإخافة المفترس، كما أن بعضها يحتوي على ما يشبه قرون الإستشعار Antenna على أطراف أجنحتها، لكي لا يهاجم المفترس رأسها كما أن لديها عدة استراتيجيات لتتمكن من النجاة".

       وقال زرقط أن هناك كتابا خاصا حضرناه للزوار، ليتمكنوا من قراءة ملخص عن الفراشات الموجودة مع صفحات فارغة ليتمكن الطلاب والراغبون من رسمها.

 

مشاريع مستقبلية

 

       وعن مشاريعه المستقبلية، قال زرقط: "أحاول أن أجهز لدليل حقلي عن العث Moths في لبنان، والعث هي مجموعة تشبه الفراشات والعديد يخلط بينها وبين الفراشات، ولكن ثمة اختلافات عديدة في تشريحها وطريقة سلوكها،  behaviorوعادة ما تطير الفراشات نهارا والعث ليلا، أما المجموعة الثالثة فكما سبق وذكرنا فهي Skippers وهي بين العث والفراشات وإن كانت أقرب للفراشات، ويقدر أن عدد أنواع العث في لبنان بين 600 و 800 نوعا، ولكنها لم تنل حصتها من الدراسة والتصنيف، وهي الأكثر شيوعا، ولكن لم يلاحظها الناس كفاية لأنها تطير ليلا".

       كما أن زرقط يأمل ترجمة كتابه للعربية، فضلا عن الكتب الأخرى التي ينوي إنجازها قريبا، وعن التهديدات التي تطاول الفراشات قال أن "التهديدات عديدة ومنها التغير المناخي، والمبيدات، والتحضر والأراضي الزراعية التي تهدد النباتات المضيفة".

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن