"تقنية تحرير الجينات"... ثورة في علم الجينات

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Wednesday, December 20, 2017

تعديل وإصلاح أحماض نووية لعلاج أمراض وراثية

خاص "غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -

          

       تخضع مجالات إستنساخ الأجنة البشرية، والعمل في مجال الخلايا الجذعية، وإصلاح الخلايا الوراثية وتعديلها، للعديد من النقاشات حيال القيم والاعتبارات الأخلاقية والعلمية والإجتماعية، وتتجه أهداف هذه الأبحاث بين البحث في علاج لحالات مرضية، إلى آخرين يبحثون في مجال تخليق الإنسان الكامل أو جنين حسب الطلب، لديه صفات معينة أو جنس معين تلبية لرغبات أفراد، وبين الأهداف البحثية المختلفة لعلم الجينات والأجنة والجينوم، وفي الوقت عينه الحيلولة دون الإصابة بأمراض وراثية قاتلة، أو تحد من الحياة الطبيعية للأفراد، هدفا مأمولا وساميا في تحسين نوعية الحياة للأجيال المقبلة ليكونوا منتجين في كافة المجالات، رغم التناقضات والعقبات التي تعترض هذا الأمر.

 

دراسات

 

       بالمجمل تم نشر ثماني دراسات عن مجال "تكنولوجيا تحرير الجينات" في الأجنة البشرية، من مناطق عدة حول العالم، وهي نطاق بحث هذا المقال، خمس منها خلال شهري آب (أغسطس) وأيلول (سبتمبر)، ثلاث دراسات منها تعتبر الأحدث في هذا المجال، إحداها في مجلة Nature ، بتاريخ 23 تشرين الأول (نوفمبر) و Science ، بتاريخ 24 تشرين الأول (نوفمبر)، والثالثة بتاريخ 23 أيلول (سبتمبر) في دورية "بروتين آند سل" Protein & Cell ونشرت في دورية تشرين الأول (نوفمبر) من مجلة Nature، ضمن سلسلة من الأبحاث المتعلقة بتحوير وتعديل جينات الأجنة البشرية، والجدير بالذكر أن الباحثين لم يسمحوا للأجنة بالنمو أكثر من أسبوعين، وقد استخدمت لأغراض معينة، منها لاختبار "تكنولوجيا تحرير الجينات"، ودراسات أخرى بهدف استخدام التقنية لجينات مرتبطة بأمراض معينة، بينما اتخذت الدراسات المتبقية لدراسة آليات مراحل النمو الجنيني المبكر.  

       أما الدراسة الأولى في مجلة Nature  فتتمحور حول تعديل وإصلاح قواعد جينية معينة، والمسؤولة عن التحول إلى الطفرات، ويمكن لهذه الطريقة إصلاح 50 بالمئة من الطفرات، بينما الدراسة الثانية في مجلة Science، فتتخذ منحى آخر، باستخدام تقنية خاصة بالمادة الوراثية تصلح الأخطاء، فتحول القواعد إلى أخرى على مستوى البروتينات عن طريق الحمض النووي الريبيRNA  المسؤول عن فك الشيفرات الوراثية وترجمتها إلى بروتينات باستخدام CRISPR-Cas13، وهذه الخاصية يمكنها أن تصلح حوالي 32 ألف طفرة مرضية في الإنسان، مثل "داء ترسب الأصبغة الدموي الوراثي" hereditary hemochromatosis المتعلق بترسب الحديد وعلاج  "فقر الدم المنجلي" Sickle cell anemia الوراثي.

أما الدراسة الأخيرة في مجلة Nature أيضا، فهي تتمثل في تطبيق آليات التعديل والتصحيح على قواعد خاصة في المادة الوراثية لأجنة مستنسخة، وذلك باستخدام طريقة "تكنولوجيا تحرير الجينات" الدقيقة المصممة في الولايات المتحدة الأميركية Genome editing أو CRISPR-Cas9.

 

إصلاح قواعد تتسبب بمرض في الدم

      

وفي هذه الدراسة الأخيرة اتبع فريق من الباحثين في الصين نهجا جديدا لإصلاح الجينات المرتبطة بأمراض في الأجنة البشرية، فقد قاموا بعد استحداثهم أجنة مستنسخة باستهداف تصحيح أحماض نووية معينة فيها بدقة، دون تغيير جينات كاملة، ولدى هذه الأحماض طفرة جينية تتسبب في أحد أمراض الدم "بيتا ثلاسيميا" beta thalassemia الذي قد يؤدي إلى الوفاة، ما أمكنهم منع حدوث الحالة المرضية، وذلك في المراحل الأولى من نمو الجنين.

       وأكد الفريق العلمي برئاسة البروفسور جونجيو هوانغ Junjiu Huang من جامعة "صن يات–سن" Sun Yat-sen  في مدينة غوانغجاو Guangzhou في الصين، إن "المنهج المتبع يستخدم مجموعة كبيرة من الابتكارات"، وقد تمكنوا من تعديل حروف أو قواعد مفردة من الحمض النووي باستخدام "تكنولوجيا تحرير الجينات"، بدلا من استبدال أقسام كاملة من الجينات.

 

أبحاث عديدة

 

       وكان أول بحث قام به فريق هوانغ في نيسان (أبريل) عام 2015، واستخدم فيه الباحثون المركب الإنزيمي "كريسبر-كاس9"  CRISPR-Cas9، لقص الكروموسومات في مواقع معينة، واقتطاع الحمض النووي، واستبداله بمواد وراثية أخرى.

       كما كان هذا الفريق أول من استطاع تعديل الطفرة المسؤولة عن حدوث مرض من نوع الصفة الوراثية النادرة، وهي حالة "بيتا ثلاسيميا" وهذه الطفرة يتسبب فيها وجود نسختين مختلتين من أحد الجينات، ولندرة هذه الحالات، تمكنوا من ذلك بتخليق هذه الطفرات النادرة باستنساخ أجنة من خلايا جلد المريض.

       وقد تساءل المختص في علم الأحياء الإنجابي والرائد في مجال استنساخ البشر  human cloningشوكرات ميتاليبوف Shoukhrat Mitalipov في جامعة "أوريغون للصحة والعلوم" Oregon Health & Science University في ولاية بورتلاند الأميركية، عن "سبب قيامهم باستنساخ الأجنة"، وأضاف: "ولكن بعد قراءة الدراسة، قلت في نفسي إنه أمر رائع، ومدهش، لم أكن لأفكر في فعل ذلك مطلقا".

 

التعديل الدقيق لتحرير القواعد الوراثية

 

       وفي بحثهم الأخير، استخدم فريق هوانغ عملية "تحرير القواعد " base editing الجينية ، وهو تعديل يستخدم تقنية CRISPR-، باستخدام إنزيم معين يستهدف أكثر من تتابع جيني محدد  specific gene sequences لكنه لا يقوم بتشذيب أو المس بالحمض النووي، وذلك بإبطال عمل إنزيم Cas9، واستخدام إنزيم آخر يحول أزواج قاعدية منفردة في الحمض النووي إلى أزواج أخرى، مسؤولة عن الطفرة الجينية، وتبين أن هذه التقنية يمكن أن تعدل قواعد الغوانين النووية (G) Guanine، وتحولها إلى أدينين (A) Adenine، وقواعد السيتوزين (C) Cytosine إلى ثيامين (T) Thymine، مع العلم أن مئات الأمراض الوراثية سببها طفرات في هذه القواعد النووية nucleobases المفردة single-base changes، أو ما يطلق عليه بـ"طفرات نقطية"  Point mutation، ومن ثم فإن استخدام "تكنولوجيا تحرير الجينات" في المرحلة الجنينية يمكنهم من أن يحولوا دون الإصابة بهذه الأمراض.

       ودرس فريق هوانغ إحدى الطفرات الشائعة بين السكان في الصين، وتطاول تحول قاعدة الأدينين إلى غوانين في منطقة معينة من الجين HBB، ويؤدي هذا الخلل إلى الإصابة بمرض "بيتا ثلاسيميا"  beta thalassemia، وهو أحد أمراض الدم التي تتطلب صفتين متنحيتين على الجين ومرتبط بالإصابة بدرجة خطيرة ومميتة من فقر الدم.

       وعادة يعمد الباحثون للحصول على الأجنة من عيادات التلقيح الصناعي In vitro fertilization أو (IVF) ، لكن من النادر وجود أجنة تحمل هذه الطفرة النادرة لدى هذه العيادات، لذا أخذ فريق البحث خلايا جلد شخص مصاب بمرض "بيتا ثلاسيميا"، واستخلصوا بعضا من خلايا جلده، واستنسخوا أجنة تحمل هذا التركيب الوراثي.

 

 معدل إصلاح واعد

 

       وتمكن الفريق في ثمانية أجنة من أصل عشرين جنينا مستنسخا من تحويل قاعدة الغوانين إلى أدينين في إحدى نسختي الجين، أو في النسختين، فإصلاح نسخة واحدة فقط كافٍ لعلاج مرض ينطوي على صفة متنحية، ولكنه معدل أقل مما يسمح باستخدام هذه التقنية عياديا Clinically، إلا أنه بالمقارنة مع دراسات أخرى في "تقنية تحرير الجينات" يعتبر ذات كفاءة عالية، وقال المختص في علم الوراثة من الجامعة الوطنية الأسترالية في كانبرا جايتان بورجيو Gaetan Burgio: "إن معدل التعديل جيد للغاية، وواعد بالكثير بكل تأكيد"، ولفت هوانغ إلى أنه "تفتح دراستنا مجالات جديدة لعلاج مرض بيتا ثلاسيميا، وأمراض وراثية أخرى".

       وأشار الفريق إلى أنه لم يتم إصلاح كافة الخلايا في الأجنة الثمانية، وهذه الأجنة أجنة "فسيفسائية"  mosaic، أي أنها تحتوي مزيجا من خلايا ذات تركيبات جينية متنوعة.

       وعلق عالم الأحياء المختص في الخلايا الجذعية والمسؤول في "مؤسسة الخلايا الجذعية" New York Stem Cell Foundation من جامعة كولومبيا في مدينة نيويورك ديتر إغلي Dieter Egli: "يبدو هذا عملا متقنا، إلا أنه يظهر أن الفسيفسائية تظل تحديا قائما أمام أي مجال من مجالات (تقنية تحرير الجينات) في الأجنة البشرية".

 

آفاق مستقبلية

 

       وتساءل علماء آخرون عن بحث فريق هوانغ عن تغيرات جينية غير مرغوبة يطلق عليها "الآثار غير المستهدفة" off-target effects، التي ربما قد حدثت نتيجة عملية تحرير قواعد الحمض النووي، رغم تأكيد الباحثين عدم عثورهم على أي منها، وأكد هوانغ أنها "الدراسة الأولى وكانت ناجحة من ناحية المبدأ بأن تقنية تحرير القواعد يمكن استخدامها لتصحيح طفرة المرض في جنين بشري"، وأضاف أن "الدراسات المستقبلية ستكون أكثر شمولية".

       وقال هوانغ أنه يعتزم في المستقبل طلب البويضات والحيوانات المنوية من مانحين لديهم نسخة محورة واحدة من الجين، وهكذا لا يتأثر المانح بالحالة المرضية، ولكنه يكون ناقلا للمرض، وينوي استخدام البويضات والحيوانات المنوية لإنتاج أجنة، وسيحتوي بعض هذه الأجنة على اثنتين من نسخ المرض المتنحية، وبعضها على نسخة واحدة، ولكن هوانغ ينوي استخدام تقنية تحرير الجينات على كلا النوعين، وهذا يثير الفكرة المثيرة للجدل بأن تحرير الجينات يمكن أن يستخدم ليس فقط للوقاية من الأمراض الشديدة، ولكن أيضا للقضاء على فرصة أن يصبح الناس ناقلين لهذا المرض، وقال "يمكن تحرير قاعدة متحورة وإصلاحها ومنعها بالتالي من تمريرها إلى الجيل التالي".

      

       المصادر: Wired، Nature وScience.

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن