مؤتمر الدوحة حول تغير المناخ يكرر إخفاقات دوربان قبل عام

Ghadi news

Tuesday, December 11, 2012

مؤتمر الدوحة حول تغير المناخ يكرر إخفاقات دوربان قبل عام
الاقتصاد العالمي لا يمكن أن يحل قضية تتطلب التعاون

الدوحة - *حبيب معلوف

بالرغم من تمديد اعمال المؤتمر يوماً اضافياً، لم يخرج اجتماع الدوحة الـ18 للدول الأطراف في الاتفاقية الاطارية لتغير المناخ الذي استمر اسبوعين، بأية نتيجة جديدة وجدية.
وقد اكد ما كان مؤكداً في الاجتماع الأخير في دوربان، تمديد كيوتو (الذي لم يعد ينفع قضية تغير المناخ كون الملتزمين به يشكلون اقل من 15بالمئة من الانبعاثات العالمية) والتحضير لاتفاق جديد العام2015، ولكي لا يظهر الوضع على هذا النحو من القتامة، وصف عبد الله بن حمد العطية رئيس المؤتمر الاتفاق الذي تم التوصل اليه في ختام أعمال المؤتمر بأنه "بوابة نحو المستقبل"، معتبراً انه يشكل بداية المحادثات حول اتفاقية دولية عالمية جديدة تكون بديلا عن كيوتو وملزمة قانونياً للدول كافة، التي يفترض أن تقرّها الأطراف العام 2015 (في باريس) على ان تدخل حيّز التنفيذ العام 2020. وهي النتيجة نفسها التي كانت قد توصلت اليها الدول الاطراف العام الماضي في دوربان!
ومن جهتها، وصفت كريستيانا فيغيرس، الأمين العام التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيّر المناخي (UNFCCC)، خلال المؤتمر الصحافي الختامي، اتفاق الدوحة بـ "الجسر" بين بروتوكول كيوتو الأصلي، الذي أقرّ العام 1997 وتنتهي صلاحيته في نهاية هذا العام، وبين البروتوكول التالي، الذي اتّفقت عليه الأطراف بالمبدأ في دوربان العام الماضي على أن يوقّع عليه الأطراف العام 2015.
واذ اصرت على التفاؤل بأن جميع الدول اتفقت في الدوحة على أن تأتي بوثيقة تفصّل تخفيضاتها من انبعاثات الكربون قبل 6 اشهر من مؤتمر التغير المناخي العام 2015، اعترفت "أن التعهدات الحالية لا تكفي لضمان بقاء معدل ارتفاع درجة حرارة الكوكب دون درجتين مئويتين".
وكان رئيس الوفد الروسي قد اشتكى خلال الجلسة الختامية من عدم إعطاء تحفظات بلاده الاهتمام اللازم، واشتكى أيضا من منهجية ادارة الجلسات وصوت العطية الذي وصفه بالمرتفع وطريقة استخدامه للمطرقة أثناء إنهائه أعمال المؤتمر.
بدا اجتماع قطر مملاً هذا العام. لا صخب ولا حركة غير اعتيادية. لم نشاهد اي مفاوض يركض في الممرات، كما في الجولات السابقة من المفاوضات، ولا رأينا ولا سمعنا أصواتاً مرتفعة خارج الاجتماعات الرسمية. ولا نقاشات حامية. الكل مسترخٍ ومستسلمٌ لفكرة ان لا شيء سيتحقق من اجتماعات كهذه. حتى الاعداد والارقام المعلن عنها من قبل الامم المتحدة والدولة المضيفة (194 دولة شاركت في المؤتمر، وتقدير عدد المشاركين بـ 16 ألف مشارك منهم 6,868 مندوباً و5,829 مراقباً. و861 عضواً من وسائل الإعلام الإقليمية والعالمية و 10,900 موظّف تقني وحجز 70 ألف غرفة في فنادق الدوحة طوال فترة انعقاد المؤتمر) يمكن التشكيك فيها بمجرد النظر وبالمقارنة مع اجتماعات أخرى شبيهة. لا يمكن القياس على كوبنهاغن العام 2009، حين احتشدت الصحافة وتدافعت من اجل الوصول الى القاعة التي قيل ان الرئيس الاميركي سيعقد مؤتمره الصحافي فيها. لعل اجتماع كوبنهاغن هو الذي سبب كل هذا الاحباط اليوم. ففي كوبنهاغن احتشد رؤساء الدول بشكل غير مسبوق وتوقع كثيرون (غير المتعّمقين بدراسة السياسات الحقيقية للدول واقتصاد السوق ومتطلباته) ان تخرج القمة بتعهدات واتفاقيات ملزمة... الا ان "الاعلان السياسي" الذي صدر عن ذاك الاجتماع الشهير، والذي خرج عن اطر التفاوض المعتمدة في الامم المتحدة، هو الذي قوض عملية التفاوض بأسرها. صحيح أن أي تقدم مهم لم يتم احرازه قبل كوبنهاغن ايضاً، الا ان الاطار بقي صالحاً، نظراً لعدم وجود البديل.
كل هذه الإخفاقات دفعت بالبعض الى التفكير في ضرورة إيجاد اطر جديدة وبديلة لمقاربة قضية تغير المناخ. غير الأطر التي تجمع فيها الامم المتحدة كل سنة ممثلي الدول (الحكومات)والمجتمع المدني والإعلام والمستثمرين وقطاع الشباب. هذا الإطار الذي بات مملاً ودخل في نفق مسدود. فممثلو الحكومات الجديون يشكون من غياب القرار السياسي في بلدانهم (في الكواليس) وممثلو المجتمع المدني تراجع بريقهم حتى تمت الاستعاضة عن دورهم الضاغط خارج قاعات الاجتماعات الرسمية، الى تمثيل رمزي داخل الأروقة، كفولكلور وكتغطية للإخفاقات الرسمية، لا يقدم ولا يؤخر. وقد بقي بعض المستثمرين الذين يبحثون عن مشاريع صغيرة للاستثمار في المشكلة من هنا او من هناك، واعلام (المحترف والمتابع) فقد حماسه بعد متابعته للمواقف المتكررة والتعثرات الدائمة.
في ظل هذه الاجواء، علم في اجتماع الدوحة الأخير عن بروز تطور جديد وبديل تمثل في تداعي برلمانيين من عشر دول في العالم لعقد اجتماعات موازية بعد انتهاء اعمال المؤتمر الرسمية للتفكير في ايجاد تحالف برلماني عالمي لدفع هذه القضية الى الامام بعد ان ظهر فشل الحكومات في التقدم في اي من الملفات المطروحة.
الا ان المعادلة في مؤتمرات تغير المناخ باتت واضحة: ان العالم الخاضع لسيطرة اقتصاد السوق القائم على "المنافسة" لا يستطيع ان يحل قضية عالمية تحتاج الى "التعاون". ولذلك تظهر سنة بعد اخرى استحالة التوصل الى اتفاقات ملزمة وجدية. حتى التعهدات السنوية التي تقدمها كل من البلدان المتقدمة والنامية، لا قيمة لها ويمكن ان تتنصل منها ساعة تشاء. حتى البروتوكول (كبروتوكول كيوتو) الذي اعتبر ملزماً، يمكن الانسحاب منه من دون اي اثر او عقوبة، وهذا ما ثبت فعلاً العام الماضي حين انسحبت كندا من البروتوكول من دون اي حرج ولا اية ضجة تذكر. وفي وقت استمرت التقارير المتشائمة بالصدور عن ارتفاعات قياسية في درجات الحرارة والتسبب بكوارث مناخية متعددة الأوجه، كان لا بد من التأكيد مرة اخرى ان المطلوب تغيير في السياسات لا المزيد من التعهدات الفارغة.
فما الذي حصل في هذا المؤتمر وما هي النتائج التي توصل اليها؟

مقترحات أكثر البلدان تضرراً

قدم ممثل ناورو، نيابة عن تحالف الدول الجزرية الصغيرة، خلال اجتماع المائدة المستديرة المعني بمسار العمل مسودتين لنص قرار حول "تعزيز طموحات التخفيف خلال مرحلة ما قبل العام 2020"، ملقيا الضوء على أنها تتضمن خطة العمل التفصيلية للفريق العامل المخصص المعني بمنهاج دوربان للعمل المعزّز للعام 2013. ويؤكد النص، ضرورة سد الفجوة الحالية المتعلقة بتدابير التخفيف من حدة تغير المناخ، ويقترح تنظيم العديد من حلقات العمل على مدار العام2013 حول مجالات موضوعية متعددة. ويدعو النص الأطراف أيضاً إلى تقديم مقترحات حول: تدابير تعزيز طموحات التخفيف خلال مرحلة ما قبل العام 2020، والتقدير الكمي لمثل هذه التدابير، وإمكانية الحد من غاز الدفيئة، والعقبات التي تحول دون التنفيذ، والتمويل والتكنولوجيا وبناء القدرة اللازمة للتنفيذ.
رحبت أطراف عدة بالنص المقدم من قبل تحالف الدول الجزرية الصغيرة باعتباره مقترحاً مفيداً للتقدم في المناقشات.
حث ممثل جزر مارشال على دراسة الأهداف والتعهدات الكامنة وراء إمكانات التخفيف والنظر فيها؛ وأكد أن النهج المواضيعي يحظى بإمكانات تخفيف أكبر من إمكانات التخفيف التي تحظى بها المبادرات التعاونية الدولية.
كما عقد الفريق العامل المخصص المعني بمنهاج ديربان للعمل المعزّز مشاورات غير رسمية حول مقترح تحالف الدول الجزرية الصغيرة وحول مسودة النص المنقح من قبل الرؤساء المشاركين للفريق العامل المخصص المعني بمنهاج ديربان للعمل المعزّز، الذي يسعى إلى أن يعكس التداخلات والوثائق التي قدمتها الأطراف خلال العام 2012.
وذكرت أطراف عدة أنه يمكن تعزيز النص مع اشارتهم إلى الافتقار للتفاصيل بشأن العمل المستقبلي والمواضيع المستقبلية، داعية إلى الإشارة لقضايا تتضمن: المبادرات التعاونية الدولية، وتقديم التعهدات، والتزام قيادة البلدان المدرجة بالمرفق الأول، والتكيف، وسبل التنفيذ، والعناصر الرئيسية لخطة عمل بالي. وأيدت أطراف عدة مطالبة الأطراف بتقديم وثائق حول مواضيع عدة. ومع ذلك، أعربت بعض الأطراف عن عدم الارتياح عن النهج القطاعي لزيادة الطموحات، رغم عدم استبعاد المناقشات الموضوعية.

طلب "التعويض" بدلاً من المساعدات والتمويل

تعتـبر مسـألة التمويل واحـدة من أهم القـضايا الـعالقة من المؤتمرات السابقة. كان من المفترض أن تقدم الدول المتقدمة مساعدات طارئة تصل إلى 30 مليار دولار فى الفترة ما بين 2010 و2012 وان تنفذ وعودها بشأن توفير مساعدات تقدر بـ 100 مليار دولار سنويا حتى العام 2020 . وتتشدد الدول النامية (خاصة تحالف الدول الجزرية الصغيرة) بضرورة الحصول على المساعدات التي التزمت بها الدول المقدمة وتوفير 60 مليار دولار من المساعدات بحلول العام 2015 .
وأشار باسـكال كانـفان وزير التنمـية الفرنـسي إلى أن الدول الرئيسية المانحة ترفض الالتزام بهذا المبلغ الكبير وان المفاوضين يسعون لإيجاد "صيغة" تساعد على "رسم" مسار لتوفير مساعدات تصل إلى 100 مليار دولار.
مع العلم أن الولايات المتحدة ظلت تعارض حتى نهـاية المؤتمر الحديث عن اي "مسار" يلزمها بصرف مساعدات في هذا الصدد مشترطة وجود آليـات للقياس والتحـقق مـن قيـام البلدان بتخفيض الانبعاثات، وهذا ما ترفضه البلدان النامية.
ولعل المفاجأة الكبرى التي تميزت بها اجتـماعات الدوحة هي طلب الدول النامية الجنوبية "تعويضات" من الدول الصناعية الكبرى في الشمال بسبب "الخسائر والأضرار" المتعلقة بالتغيرات المناخية، وذلك بدل طلب المساعدات كالمعتاد وإزاء تعنت الولايات المتحدة تجاه تقديم المساعدات للدول الفقيرة.
وأكد أحد المراقبين للـمداولات أن الدول النامية ترغب فى وضـع آلـية واضـحة لتوفـير المساعـدات الماليـة لــها لمواجهة التغـيرات المناخـية.. بينـما أعـرب الـوفد الأميركي عن مخـاوفه من أن ينتهي هذا الأمـر ذات يوم بـدعاوى قضائية.
ومن الأفكار المبتكرة التي طرحت للتمويل:فرض ضرائب على النقل الجوي والبحري الدوليين.بالإضافة الى فرض ضريبة على المعاملات المالية.

تقارير متشائمة عن "فجوة الانبعاثات"

تقــارير ودراسـات عـدة نشـرت قبـل اجـتماع الدوحـة واثـناءه اكـدت أن درجة حـرارة الجو في العالم سترتفع ما بين 3 درجات مئوية الى خمس درجات وليس درجتين فقط، مما قد يؤدى إلى مخاطر انهيار النظام المناخي ككل.
ابرز هذه التقارير ما بينه تقرير "فجوة الانبعاثات"، الذي أعده برنامج الأمم المتحدة للبيـئة (اليونـيب) بالتنسـيق مع مؤسـسة المنـاخ الأوروبـية، والذي صـدر قبـل أيـام من عقد مؤتمر الدول الأطراف بشـأن تغـير المـناخ في الدوحة، مؤكدا أن مسـتويات انبـعاثات غازات الدفيئة تبلغ الآن أعلى بنحو 14 بالمئةمن المستويات التي يجب أن تكون عليها في العام 2020.
وبدلاً من الانخفاض، فإن مستويات تركيز الغازات المسببة لارتفاع درجات الحرارة مثل ثاني أكسيد الكربون (CO2) في الغلاف الجوي ترتفع واقعيًا، وقد ارتفعت بنحو20 بالمئة منذ العام 2000.
ويقـول التـقرير الـذي شارك فـيه 55 عـالمـاً من أكـثر من 20 دولـة، أنـه من المتوقـع أنه إذا لم تتخذ الدول أي إجراء سريع ستصل الانبعاثات إلى 58 غيغا طن في غضون ثماني سنوات.
وسـوف يـترك هذا فجـوة تفـوق الآن تــقديرات برنامـج الأمم المتـحدة للبـيئة لـعامي 2010 و2011 وهـو ما يعزى جزئـيًا للنمو الاقتـصادي المـتوقع في الاقتـصاديات النامية الرئيـسية وهـي ظاهرة تعرف "بالإحصاء المزدوج" لتغيرات الانبعاث.
وقد أبرزت تقارير التقديرات السابقة أن الانبـعاثات ينبـغي أن تبـلغ 44 غيـغـا طــن في المتوســط أو أقـل من ذلـك فــي الـعام 2020 حتى تمهد الطريق إلى تحقيق الانخفاضات الأكبر المطلوبة بتكـلفة يمكن تحملها.
ويبين تقرير "فجـوة الانبـعاثات" للـعام 2012 أنه حتى إذا طبقت أكثر مستويات التعهـدات والالتزامـات طــموحًا في جـميع الدول (وطبـقًا لأشـد القــواعـد صرامـة) ســوف تبلــغ الفجـوة حيـنئذ 8 غـيغا طـن من مـكافــئ ثاني أوكسـيد الكربـون بحـلول العام 2020.
وهذا التقييم أكبر بمقدار 2 غيغا طن من تقييم العام الماضي مع مرور عام آخر.
وتقدر التقييمات الاقتصادية الأولية التي يبرزها التقرير الجديد أن عدم اتخاذ أية إجراءات سوف يتسبب في تكـاليف أعـلى بنسـبة 10 إلى 15 في المئة بعـد الـعام 2020 إذا تأجلت الانخفاضات المطلوبة إلى العقود التالية.
ويقـدر التقـرير أن هنـاك انخـفاضات كبـيرة في الانبعاثات يمـكن تحقيـقها (التي تتراوح حول متوسـط قدره 17 غيـغا طن مـن مكافئ ثاني أكسيد الكربــون) في قـطاعات مثل المنشـآت والابنـية وتوليـد الطـاقة والنـقل وتجــنب ازالـة الغـابات... يمكـن لهـا أن تـؤدي إلى ما هو أكثر من سـد الفجوة بحـلول عام 2020.
وفي الوقت ذاته، هناك أمثلة وفيرة على الإجراءات التي يمكن أن تسـاعد ويمـكن اتـخاذها على المستوى القومي في مجـالات تتراوح بين تحسين قواعد تصميم المنشآت ومعايير وقود السيارات ويمكن التوسع فيها وتكرارها.

*رئيس "حزب البيئة اللبناني"
"السفير" اللبنانية 11-12-2012

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن