الانتخاب الطبيعي

Ghadi news

Tuesday, February 5, 2013

*حبيب معلوف

كان يفترض الاستعانة بعلماء البيئة او البيولوجيا لوضع قانون للانتخابات في لبنان بدل الاستعانة بخبراء في القوانين. فأول من طرح مسألة الانتخاب الطبيعي في الطبيعة هم علماء البيولوجيا. صحيح أن نظريات داروين حول "الصراع من أجل البقاء" و"الانتخاب الطبيعي" و"بقاء الأفضل"، هي التي سيطرت على التفكير واحتلت المركز الأفضل في الاختيار... إلا أن كثيرين من علماء البيولوجيا الذين راقبوا دورة حياة الكائنات التي درسوها، مروا بشكل أو بآخر على هذه المسائل. وقد تعدّدت النظريات بتعدد القراءات لآليات اشتغال الطبيعة وأنواعها المتعددة. صحيح أن علماء البيولوجيا لم يدرسوا (تاريخياً) إلا الجزء اليسير من ملايين الأنواع الطبيعية، وأن كل النظريات لم تكتمل، إلا أنها كان يمكن أن تكون مفيدة، في تعدّديتها، لإنتاج أنظمة متعددة في طبيعتها أيضاً. فالتعددية، بشكل أو بآخر، يمكن أن تكون القاسم المشترك بين كل النظريات البيولوجية، ويمكن أن تكون هي نفسها النظرية الشارحة والناظمة للمجتمعات البشرية المتعددة أيضاً.
في الحصيلة، ومن دون الدخول في تفاصيل النظريات البيولوجية المتعددة، فإن قانونا للانتخاب يقوم على التعددية والنسبية هو الأقرب الى الطبيعة البيولوجية والى طبيعة المجتمعات اللبنانية أيضاً. وأن كل فكرة او اقتراح فيه شيء واحد او محاولة "توحيد"، يعتبر شيئاً قسرياً وضد الطبيعة ويمكن أن يؤدي إلى نتائج معاكسة... فننتهي إلى تشرذم وفوضى بدل إدارة التعددية.
المشكلة في لبنان لا تختصر بطريقة الانتخاب والاختيار، ولا نعرف إذا كان صحيحاً اعتبار هذه العملية، إذا تم التوافق على طبيعتها، يمكن أن تشكل المفتاح لحل باقي المشاكل التي تواجهها المجتمعات ويمكن أن تسهل شؤون الإدارة للمجتمع ومتطلبات العيش فيه.
صحيح أن ما من شيء في المجتمعات البشرية الحديثة لا يزال على طبيعته، وان ما من احد يريد ان يعود الى الطبيعة، وان هذه العودة بحد ذاتها باتت مستحيلة، وان كل شيء تقريباً بات مركباً ومعقداً... إلا ان المشكلة الرئيسية ليست في كيفية اختيار الممثلين، بل في عدم وجود نظام شبه واحد او شامل يمكن ان ينظم العلاقات. لعل المشكلة الرئيسية عندنا، ان فكرة الدولة لم تتحقق بعد، لا بل ان الأخطر في لبنان هي حالة الانفصال في الشخصية الوطنية. حالة الـ"ما بين بين". حالة اختلاط أنماط وأنظمة متعددة. فنحن لا نزال نحافظ على روح او بنية القبيلة في المعاملات وعلى روابط عائلية او طائفية او مذهبية... مما قبل الدولة، بمفهومها المركب القائم على المواطنية وعلى قوانين وضعية، وضعها الإنسان نفسه ضمن آليات محددة، وتسمح هذه الآليات نفسها بالتغيير والمحاسبة من دون عنف.
لا نعرف ما هو المقصود بالضبط، حين نتحدث أو نبحث عن نظام انتخابي وحياتي يراعي مصالح وحقوق ما يسمّى "المجموعات التاريخية"؟ فهل المقصود فيها نوع من أنواع المجموعات الإنسانية التي لديها مميزات خاصة، تماماً كما للأنواع البيولوجية مميزاتها الخاصة؟ هل لان لها دورة حياة مختلفة عن غيرها من الأنواع؟ هل نميّز هنا بين الطوائف كما نميّز بين البطيخ والفجل؟ أم هو مجرد تمييز بين البطيخ الأحمر والبطيخ الأصفر او الأبيض... أي بين أنواع مختلفة من البطيخ؟
فإذا كانت المجموعات، في التصنيفات الأساسية، كلها "بطيخ"، فما معنى كل هذه التقسيمات الانتخابية؟ ولا يفترض بالتالي ان يكون هناك هم يتعلق بالبقاء لا سيما مع تطور علم الجينات الذي يفترض ان يقلب نظرية "التاريخي" رأساً على عقب.
في البيولوجيا فإن التعددية بين الأنواع ودورات الحياة هي الظاهر، وان هناك شبكة من العلاقات تربط كل الكائنات ببعضها البعض، لا بل تظهر ان كل كائن يعيش مع ومن الآخر بطريقة جد فعالة ومعقدة. إلا أن عمليات الانتخاب هي جزء من دورة الحياة وليست كل شيء فيها. وهي في الجوهر ليست "انتخاباً" بقدر ما هي طرق حياة متقاطعة ومتكاملة.
صحيح ان نظرية الصراع من اجل البقاء والانتخاب الطبيعي تقول ببقاء الأفضل او الأكثر تكيفاً او الأكثر عنفاً، إلا ان أسمى مهمة لما يسمى "الحضارة البشرية"، او ما يسمى "التطور" او "التقدم"، كان يفترض ان تعني وقف هذا الصراع او تهذيبه وعقلنته الى ابعد الحدود، وهو المقياس الأساسي لمدى التقدم.
وعلى هذا الأساس يمكن قياس أي قانون انتخابي، يستطيع أن يحفظ التنوع الطبيعي ويضبط الصراع ويحمي الأضعف، بدل أن يقوم على تحكم الأقوى، ان بالعدد او بالمال او السلاح او في السيطرة على الموارد المادية والمعنوية.

*رئيس "حزب البيئة اللبناني

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن