من يدعم المشككين بتغير المناخ؟

Ghadi news

Wednesday, June 20, 2012

 حبيب معلوف*

من تابع قضايا تغير المناخ منذ 20 عاما، قد رصد بالتأكيد تلك التقارير التي كانت تظهر في كل مناسبة (مؤتمر دولي يبحث في الظاهرة او يناقش اتفاقية دولية ملزمة للحد منها) لتشكك بالظاهرة وبأنها من صنع الإنسان وحضارته، وناجمة من احتراق الوقود الاحفوري خاصة.
التشكيك كان واجبا بداية، الا ان ما شكل قناعة راسخة بالظاهرة، هو صدور التقارير الأولى لخبراء الأمم المتحدة غير المرتبطين بمصالح شركات او أنظمة بعينها، والذين اختيروا وفقا لكفاءتهم العلمية ومن جنسيات مختلفة. وقد زاد اليقين عن صحة هذه الظاهرة، ظهورها في الواقع عبر ذوبان الجليد وحصول كوارث مناخية متطرفة... وعبر تطور أدوات القياس وتطور التقارير المؤكدة التي تجاوز عددها الأربعة، شارك في إعدادها آلاف الخبراء من حول العالم... التي أقرت نتائجها معظم الدوائر العلمية العالمية.
كان لموضوع الشك والتشكيك طابعا فكريا، لطالما حفلت فيه كتب الفلسفة القديمة ونظرياتها. وكان ديكارت قديما، اول من تحدث عن "الشك المنهجي"، أي الشك الهادف للوصول الى الحقيقة، والذي اصبح فيما بعد من شروط التقدم العلمي. يختلف هذا النوع من الشك تماما، عن نظريات المؤامرة والتشكيك الايديولوجي التي لا تزال مستخدمة على نطاق واسع حول الكثير من القضايا، وبينها قضية تغير المناخ.
تعتبر التشكيكات المناخية من الانواع الحديثة من الشك. فهي تدمج بين الشك الايديولوجي الهادف الى زعزعة حجج الآخر، والشك الانتقائي، الذي يركز على نقطة ضعف معينة او دليل ضعيف من عشرات الأدلة الموثقة، يركز عليه، من دون سواه، لإظهار ضعف الحجة للنظرية عامة. وهو نوع من الشك الخبيث غير المنهجي ولا العلمي، المدفوع من قوى لها مصالح محددة وتريد ان تحافظ عليها. ومن المظاهر الجديدة للتشكيك، استعانة شركات وقوى تمثل مصالح كبرى بشركات استشارية او خبراء (مرموقين او مغمورين) لوضع تقارير مضادة، تستند الى الحجج الضعيفة وتغض الطرف عن الحجج القوية، لقاء مبالغ مالية كبيرة.
آخر التشكيكات الكبيرة حول ظاهرة تغير المناخ صدرت العام 2009 بمناسبة انعقاد قمة المناخ في كوبنهاغن ولا سيما بعد ان أعطيت (هذه القمة) زخما كبيرا بالإعلان عن مشاركة قادة الدول الكبرى فيها للوصول الى اتفاق عالمي ملزم. وقد عقدت هذه القمة اثر انتخاب الرئيس الأميركي باراك اوباما الذي اعلن عن استعداده (آنذاك) للمشاركة في القمة وعن نيته بدفع المفاوضات للوصول الى اتفاق جديد ملزم لكل الدول. في تلك القمة صدرت فضيحة ما يسمى "مناخ غيت" اذ تم تسريب مراسلات علمية، قيل انها "سرية"، لمؤسسة أبحاث تابعة لجامعة بريطانية العام 2009، تتحدث عن تشكيك بعض العلماء بظاهرة تغير المناخ.
وكانت استراتيجية اللوبي المشكك بالظاهرة تقوم على استغلال المناسبات الكبيرة لنشر تقارير او دراسات تشكك بالظاهرة او تكليف كتّاب كبار مختصين في الصحف للكتابة تشكيكا حول الموضوع، للتأثير على الرأي العام وصناع القرار.
صحيفة الغارديان البريطانية كشفت مؤخرا عن فضيحة مضادة، عن مؤسسة "هيرتلاند" لمجموعة من الباحثين متمركزة في شيكاغو ومدعومة من لوبي مالي للقيام بأبحاث تقوض ما جاء في تقارير الأمم المتحدة.
وكشفت ايضا ان المؤسسة تنتظر ان ترتفع ميزانيتها للعام 2012 ما يقارب 6 ملايين يورو، بزيادة 70 بالمئة عن العام 2011. وقد ارتفعت هذه الميزانية بسبب مساعدة مباشرة من الملياردير الثنائي ديفيد وشارل كوك، الذين جمعا ثروتهما من الصناعات البترولية، والذين اظهرا كل الحماية والدعم لحزب الشاي الأميركي مؤخرا.
ليس في الخبر جديد، لطالما حارب اللوبي النفطي وصناعة السيارات قضايا تغير المناخ، ولكن المفاجأة في الكشف عن أسماء شركات أخرى التي تدعم مركز الأبحاث المشكك والمذكور. يذكر التقرير شركات مثل "مايكروسوفت" وشركات تبغ مثل "ار جي ار" التي تنتج سجائر "كامل" و"وينستون"، تدعم ايضا هذه المؤسسة! كما يكشف احد الخبراء في المؤسسة ان هناك ممولا او واهب مجهول الهوية قدم 20 بالمئة من الميزانية لوحده، اي ما يقارب مبلغ 765000 يورو العام 2011 ، مع الكشف ان المبلغ الذي منح للمؤسسة العام 2008 قد قارب 4 ملايين يورو.
ميزانية العام 2012 مخصصة في قسم منها لإجراء دراسة وتقارير تشكك بدراسات وتقارير الامم المتحدة، والقسم الثاني لإعداد برامج مدرسية بديلة تدخل الشك بظاهرة التغيرات المناخية. كما تخصص ميزانية شهرية لباحثين بارزين في الجامعات (3800 يورو شهريا)، ولمسؤولي مراكز أبحاث تتعلق بثاني اوكسيد الكربون او بتغير المناخ بشكل عام (8800 يورو شهريا) بالاضافة الى صرف مبلغ 67000 يورو لبعض المدونين (البلوغير).
لطالما كان التشكيك بظاهرة تغير المناخ جزءا من تراث هذه الظاهرة، وقد كان مفهوما ان تقوم الشركات العملاقة في العالم التي يمكن ان تتضرر مصالحها، اذا ما الزمت على اتخاذ اجراءات مكلفة للحد من انبعاثاتها المسببة بتغير المناخ، بشراء اي شيء للدفاع عن مصالحها، تماما كما كانت تفعل شركات التبغ للدفاع عن منتجاتها عندما كانت تتهم بالتسبب بمشاكل صحية خطيرة. الا ان ما يصعب فهمه، كيف يتبرع بعض الباحثين العرب عندنا بتلقف تلك الحجج التي يعتمدها بعض خبراء الشركات للتشكيك بالظاهرة. صحيح ان في بعض حجج هؤلاء منطق ما، خصوصا الادعاء ان التغيرات المناخية حصلت من ملايين السنين، وهذه الحقيقة بالمناسبة لم تنكرها التقارير العلمية، الا ان ذلك لا يلغي مسؤولية حضارة الانسان الحديثة والثورة الصناعية التي سرّعت بتلك التغيرات بشكل واضح وخطير يمكن قياسه.
بالمناسبة لم يعد هناك دولة واحدة في العالم، مهما كانت اتجاهاتها وحجمها الاقتصادي لم تعترف بالظاهرة، وكانت معظم دول العالم قد أقرت منذ 20 سنة بها، ولم يكن الخلاف الا على مستوى كيف سيحصل التخفيف من الانبعاثات المسببة بها، وحول كيفية التكيف معها ومن يدفع كلفة التكيف ومن يتحمل المسؤولية التاريخية ومن يبدأ أولا باتخاذ الإجراءات وما هي التكنولوجيا الملائمة وكيف يمكن تعميمها... الخ
حصل اكثر من 17 جولة دولية من المفاوضات (تعقد نهاية كل سنة) وستكون الجولة 18 نهاية هذه السنة للمرة الأولى في دولة عربية في قطر، فهل من شيء جدي اكثر يمكن ان يقدمه العرب في هذه المناسبة؟ هو السؤال الذي لم يجد من يسأله في ظل ظروف بالغة السوء ومناخ سياسي وامني وفكري لا يقل خطورة عن ظاهرة تغير المناخ العالمية.

*رئيس "حزب البيئة" اللبناني


 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن