البابا بيرغوغليو... البيئة بحاجة إلى قديس

Ghadi news

Thursday, March 14, 2013

"غدي نيوز" – أنور عقل ضـو

يبقى "غدي نيوز" موقعا بيئيا يعنى بالعلم والمعرفة، وإن ترك فسحات لأخبار خفيفة ومسلية أحيانا، إلا أن ذلك لا يلغي هويته كمنبر إعلامي حدد البيئة خياراً ثابتا في مقاربة تحديات العصر وتحولاته من خاصرة العولمة، ودائما من منظور العلم، إلا أن ذلك لا يمنعنا من أن نطلّ على أحداث لها حيثيات خاصة، ومنها انتخاب بابا جديد، وكان يمكن أن نقتصر في التغطية على ما فعلنا عندما أوردنا الخبر كما تناولته وتابعته وسائل الاعلام.
إلا أن ثمة ما لا يمكن إلا أن نتوقف عنده، وهو اختيار البابا الجديد جورج بيرغوغليو لإسم فرانسيس، وهذا ما اعتبره البعض سابقة، لأنه في تاريخ الفاتيكان لم يسبق لأي بابا سابق أن اختار هذا الاسم يمثل إحدى أكثر الشخصيات المبجلة بتاريخ الكنيسة الكاثوليكية، أي القديس فرانسيس الأسيزي.
وإذا كنت (كاتب هذه السطور) لا أنتمي بالولادة إلى فضاء الكثلكة، إلا أنني أرى بعين المؤمن أيضا مسيرة القديس الرائع فرانسيس، الذي آثر الابتعاد عن ملذات الدنيا وأخذنا بعيدا إلى رحاب الايمان الحقيقي، في حياة زاهدة متنسكة في صومعة الفكر والتقرب من الله، متجولا مع مريديه في الطبيعة وقد أمدته بالبساطة والعفوية بجمالها وصفائها، وكأنه آثر الاقتراب منها ليرى ما أبدعه الخالق عز وجل، خصوصا عندما نرى الطبيعة معبدا لصلاة لا تعرف الذبول وتبقى على الدوام نضرة متجددة في سيرورة الفصول وحركة الزمن.
فالحدث الفاتيكاني تخطى راهنية اللحظة في انتخاب بابا جديد، إلى رمزية استثنائية حددها البابا جورج بيرغوغليو عندما اختار اسم القديس فرانسيس الذي يرمز إلى التواضع والفقر وحياة التقشف، فضلا عن البساطة والسعي لإعادة بناء الكنيسة الكاثوليكية.
فالعودة إلى منابع الايمان العفوية كحالة صادقة مجللة بالمحبة، تعني بداهةً العودة إلى الطبيعة الأم، إلى البيئة الناظمة لمسارات الكوكب الذي يجمعنا بين ظهرانيه جماعات وقوميات وإثنيات، لأن البيئة هي الدين الأكبر الحاضن للتنوع الايماني والفكري والثقافي.
يوم ثارت ثائرة المؤمنين على القديس فرانسيس، عندما بنى حياته الايمانية بعيدا من الكنيسة الكاثوليكية يوم كانت غارقة في مظاهر الترف والبذخ، تم جلب القديس فرانسيس مكبلاً بالاصفاد إلى حاضرة الفاتيكان، فعم الصمت الحضور وكأن على رؤوسهم الطير، وظنّ الجميع أن البابا وقتذاك سيعنف فرانسيس الراهب الناسك الماثل أمامه حافي القدمين رث الثياب وسط مظاهر مغالية في الثراء، ومشى البابا بتؤدة نحو فرانسيس واعتبر الحضور أنه سيصدر عليه حكما بالاعدام، وظل البابا يسير الى أن وصل قبالة فرانسيس فركع أمامه وقبل قدميه، قائلا "أنت عشت الايمان الحقيق فيما نحن أخذتنا هموم الحياة".
لعل البيئة بحاجة إلى قديس جديد والعودة إلى الجذور، تماما مثل مسيرة الراهب فرانسيس الذي طوب فيما بعد قديسا، وتماما كما فعل البابا الجديد الذي أراد بعث روح هذا القديس عندما اتخذ اسمه ليتوج مهامه من وحي مسيرته، لأن الايمان والطبيعة توأمان.

 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن