تأكل الحشرات الضارة

Ghadi news

Monday, May 21, 2012

غالباً ما يفاجئنا رئيس "مركز التعرف على الحياة البرية والمحافظة عليها"Animal Encounter في مدينة عاليه الدكتور منير ابو سعيد بما يجذبنا إلى عالمه الخاص، وهو يتابع – دراسة وبحثاً وتنقيباً، تفاصيل عن حياة كائنات قريبة منا ولا نعرف عنها الا القليل، يقودنا الى مقاربة عالمها من منظور العلم لينقض الموروث الشعبي حيال كائنات نسجت حولها خرافات واساطير، كالضبع الذي "يسبع" الانسان ويقوده الى جحره، او الذئب الذي يتقصد مهاجمة الانسان وافتراسه، والقنفذ (النيص) الذي يرمي بعضاً من الشوك الذي يغطي جلده على من يدنو منه وما إلى ذلك من مرويات لا تنتهي.

أما هذه المرة، فقد آثر أبو سعيد اتخاذ الوطواط (الخفاش) في لبنان عنوانا لدراسة يشرف عليها منذ نحو سنتين، قبل أن يعلن عنها لـ "السفير" تزامناً مع سنة الوطاويطYear Of The Bats 2011 – 2012 التي اعلنها برنامج الامم المتحدة الانمائي U.N.D.P، ليكون ممثلاً لبنان في الانشطة المقررة حول الوطواط.
وتجدر الاشارة إلى أن الدراسة لما تنته بعد، وثمة الكثير لا بد انجازه لجهة رصد الكثير من المغاور في لبنان، ذلك أن أبو سعيد الذي اكتشف نوعين من الوطاويط غير معروفة من قبل في لبنان، لا يستبعد العثور على انواع جديدة ايضاً.

عن أسباب ايلاء الوطاويط هذا الاهتمام، قال أبو سعيد: اولاً لان ليس ثمة دراسات عن الوطاويط في لبنان باستثناء ما ذكره الدكتور جورج طعمة في بعض دراساته ومؤلفاته، وكنا قد بدأنا العمل قبل نحو سنتين مع متخصصين من جامعة "تشارلز" في تشيكيا لاستكشاف انواع الوطاويط في لبنان، وثانيا لاننا وجدنا ضرورة لتسليط الضوء على ما تتعرض له البيئة الطبيعية للوطاويط من تهديم بسبب الكسارات ولا سيما المغاور وهذا ما تأكد لنا في سياق هذه الدراسة، وثالثاً لان هناك مفاهيم خاطئة حيال الوطواط، فالناس يدخلون الى الكهوف ولانهم يخافون من الوطاويط يقومون باشعال النار بهدف "تطهير" الكهوف بالدخان الامر الذي يؤدي الى اختفاء الوطاويط وتناقص جماعاتها.

ولفت الى ان "هذا السبب الثالث كان وراء الاسراع في اعداد هذه الدراسة"، مشيراً الى ان "هناك سببا رابعا رئيسيا يتمثل في كثرة استعمال المبيدات التي تقضي على الوطاويط، فيما السبب الاخير فهو مرتبط بالتغير المناخي"، وقال ابو سعيد: كان من المفترض ان نبدأ هذا العام باستكمال الدراسة في تشرين الاول، واضطررنا للانتظار حتى كانون الاول كي يبرد الطقس لنتمكن من رصد الوطاويط التي تدخل في فترة سبات شتوي يستمر ما بين اربعة وخمسة اشهر، لكن بسبب طول فترة الصيف لم ينم الوطواط اكثر من شهرين فقط بسبب التغير المناخي، حتى اننا وجدنا ان الوطاويط توغل اكثر داخل الكهوف.

وعن اهمية الدراسة والفائدة المتوخاة منها، قال: اولا لمعرفة الوطاويط كعلم، فخلال سنتين الى الآن اكتشفنا مع الفريق التشيكي نوعين منها لم يكن ثمة من يعلم انها موجودة في لبنان، ويمكن ان يكون هناك عدد اكبر لان ليس ثمة دراسة وافية حتى الان، فضلاً عن ان احدا لم يتطرق الى الوطاويط كعلم ودراسة في لبنان، بمعنى ان اهمية الدراسة تنطلق من اهمية ان نعرف انواع الوطاويط الموجودة والمخاطر التي تتهددها والتي تؤكد اهمية التنوع البيولجي في لبنان، وثانيا، توعية المواطنين على اهمية الوطواط، فعلى سبيل المثال هناك نوع صغير منها يقتله المواطنون خلال التدرب على الصيد خلال فترة الغروب، وهم لا يعرفون ان هذا الوطواط يلتهم 600 حشرة في الساعة الواحدة، واهمية وجوده تكمن في الحد من استخدام المبيدات.

ولفت ابو سعيد الى ان "الوطاويط انواع، بعضها يبدأ بالظهور مع المغيب وبعضها الآخر يظهر مع منتصف الليل وهناك نوع ثالث يظهر بعد هذه الفترة، وكل نوع منها يقتات على انواع معينة من الحشرات"، وقال: هناك انواع تلتهم حشرة العث، والوطواط الذي يظهر اول الليل يلتهم البعوض، وهناك 70 بالمئة من انواع الوطاويط تتغذى على الحشرات والبعوض وهي من المفترسات الاساسية للحشرات الليلية، أما الوطاويط آكلة الفواكه فهي ضرورية لتلقيح الزهور ونثر بذور للعديد من النباتات والاشجار مثل النخيل والتين وغيرهما، صحيح انها تؤثر على الاشجار ولكنها تأخذ منها بكميات قليلة جدا، لقاء ذلك تساعد على التشجير، والآن نحاول توعية المواطنين على هذه الانواع واهميتها.

وعن تلقيح الازهار، قال: هناك نوع من الازهار يتفتح في الليل وكانها تنتظر الوطواط لتلقيحها، وهناك انواع كثيرة من الاشجار والنباتات لا يمكن ان تنتج ثمارا اذا لم يتم تلقيحها من خلال الوطواط كالموز والاناناس، واذا لم يكن الوطواط موجودا لا تنتج ثمرا، بمعنى ان بعض النباتات والاشجار وجودها مرتبط بوجود الوطواط، ونحن نعتبره حجر الاساس للتنوع البيولوجي.

وعن انواع الوطاويط، قال ابو سعيد: اكبر وطواط في لبنان هو المعروف بوطواط الفواكه، ويصل حجمه عندما يفتح جناحيى الى متر فيما وزنه لا يتعدى المئتي غرام، ونحن تمكنا من معرفة اماكن وجوده، وندخل المغاور والان نتعاون مع المسؤولين في النادي اللبناني لاستكشاف المغاور وهم يساعدوننا في الدخول الى المغاور، أما اصغر وطواط موجود في لبنان فيتراوح وزنه بين 2 و 3 غرامات، وهناك انواع كثيرة ايضا، ويمكن ان نكتشف انواعا جديدة ايضا.

وعن أهمية الوطواط على مستوى البيئة في لبنان، قال: القضاء على الحشرات والآفات الزراعية والمساعدة في الحفاظ على التنوع البيولوجي، فضلا عن أن سماد الوطواط يعتبر في دول مثل اميركا والارجنتين منجم ذهب، ذلك أن روث الوطواط يباع بالكيلوغرامات، وهو من اهم واغنى الاسمدة العضوية للزراعة، يكفي ان نذكر ان قيمة ما تم بيعه من روث الوطواط من كهف في الولايات المتحدة الاميركية بلغت ستة ملايين دولار.

وعما اذا كانت كميات من روث الوطاويط في لبنان يمكن الافادة منها، قال: نعم، لكن في لبنان لا توجد كميات كبيرة في المغاور، ولا نريد تسليط الضوء على هذا الامر خوفا من التخريب خلافا لما هو الامر عليه في الخارج، حيث ثمة ملايين الوطاويط ينتج عنها اطنان من الروث.

وأشار الى أن "ثمة طلاباً من الجامعة اللبنانية يعملون معنا كمركز ونوفر لهم امكانية العمل ميدانيا"، ولفت الى أن "برنامج الامم المتحدة الانمائي U.N.D.P أعلن سنة 2011 – 2012 سنة الوطاويط Year Of The Bats، ولهذا السبب سنشارك في مؤتمر في مدينة تبيلسي في جورجيا بعنوان Euro Bats في منتصف الشهر الجاري، وساكون ممثلا لبنان في المؤتمر من موقعي كباحث في مجال اللبونات.
وعن اهمية المؤتمر العالمي، قال: "انه يتناول كل ما يواجه الوطاويط في اوروبا والشرق الاوسط"، ولفت ابو سعيد الى انه سيشارك "بموضوع الدراسة التي ننجزها الان لاطلاع المؤتمرين على ما توصلت اليه دراستنا حتى الان"، واشار الى "اننا بعد المؤتمر في تبيلسي سنقوم بحملات توعية كمركز للتعرف على الحياة البرية في عاليه بالتعاون مع مؤسسات المجتمع الاهلي من جمعيات واندية فضلا عن المؤسسات التربوية"، ونوه الى "اننا بحملة التوعية حيث اصدرنا كتيبا نشرح فيه عن الوطواط في لبنان، انوعه، فوائده واهميته في التوازن البيئي"، واكد ان "هذه الدراسة فور الانتهاء منها ستنشر في المجلات العلمية العالمية".

وقال: في هذا المجال حصلنا على جائزة من مؤسسة "فورد" العالمية للبيئة على مجمل الابحاث التي انجزها مركز التعرف على الحياة البرية في مدينة عاليه، وهذه الجائزة اتاحت لنا امكانية الاعداد لحملات توعية بيئية للمدارس، وهي تمنح كل سنة مئة الف دولار لعدد من المشاريع في منطقة الشرق الاوسط، وهذه السنة منحت الجائزة لعشرة مشاريع كنا من بينها، وتم اختياري في الهيئة المقررة لهذه المؤسسة، وهي تضم عشرة اعضاء مهمتنا دراسة المشاريع واخيار الاكثر اهمية لمساعدتها وتمويلها.
ثمة الكثير من المعطيات العلمية تضمنتها الدراسة، أبرزها ما على صلة بأن "الوطواط" مصاص للدماء أو انه يهاجم الانسان ويتغلغل في شعره، وهي توضح كل هذه الامور بعين العلم ليضعنا أمام حقيقة هذا الكائن الذي غالباً ما استحضر عوالم السحر والشعوذة، فضلاً عن أن الوطواط ليس كائنا اعمى وجميعها تبصر جيدا ولا سيما وطاويط الفاكهة، لكن الوطاويط الآكلة للحشرات تعتمد كثيرا على الاهتداء بالصدى لتجد غذاءها في الظلام الدامس، لنجد أن الوطواط كائن له دور ووظيفة في تناسق طبيعي يسترعي الاهتمام والمتابعة.
ويؤكد ابو سعيد ان "الوطاويط لا تتشابك بالشعر ولا تؤذي العيون"، ويوضح أنه "في الماضي عندما كان الناس ينامون في الكهوف كان يسقط بعض صغار الوطاويط احيانا من سقف الكهف فتتمسك بأي شيء عند سقوطها"، ويضيف ان "الوطواط مصاص الدماء غير موجود في لبنان"، منوها ان "الوطواط مصاص الدماء لا يمص الدم وإنما يلعقه"، واعتبر ان "ثمة مفاهيم خاطئة على مستوى العالم حول الوطواط تم استخدامها وتضخيمها وتوظيفها في السينما".
وحول الخوف من ان الوطواط ينقل الى الانسان داء الكلب، قال: «تحمل الوطاويط أمراضا كغيرها من الحيوانات، وفي لبنان ليس ثمة امراض تشكل خطرا على الانسان»، ولفت الى ان «هناك نوعا واحدا من الوطاويط هو ناقل رئيسي لمرض داء الكلب لكنه غير موجود في لبنان»، منوها ان «الكثير من الثدييات يمكنها نقل هذا الداء»، مؤكداً ان «0.5 من الوطاويط قد تعض في سبيل الدفاع عن نفسها ولا تشكل تهديدا للإنسان الا اذا لمسها».
ولفت الى ان «البروتين المضاد للتخثر المستخرج من لعاب الوطواط المصاص للدماء يذوِّب جلطات الدم الخطرة بسرعة اكبر بمرتين من اي مادة قيد الاستعمال حاليا، وأن لعاب الوطواط يحتوي مخدراً يخفض إحساس الحيوان بالوخز».

أنور عقل ضو

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن