بحث

الأكثر قراءةً

اخر الاخبار

العيناتي يدعي على شركتي ترابة

"خطر وبائي".. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود

حملة توعية لجمعية غدي للتعريف عن الملوثات العضوية الثابتة وأخطارها

دراسة تكشف أصول "القهوة الصباحية".. كم عمرها؟

الصحة العالمية تتخوف من تفشي إنفلونزا الطيور بين البشر.. "أخطر من كوفيد 19"

البيئة كرؤية سياسية

Ghadi news

Wednesday, July 10, 2013

حبيب معلوف*

نادرا ما تطرقت الأحزاب التقليدية والتيارات السياسية في لبنان لموضوع البيئة كبرنامج عمل من الممكن تبنيه والعمل على تنفيذه... لا بل ان معظم الكتل السياسية كانت تفاوض دائما، اثناء تشكيل الحكومات، على الحقائب المسماة «سيادية» او خدماتية... ويتم التهرب من حقيبة البيئة بوصفها حقيبة صغيرة وغير نافعة! وقد اكتفت معظم الكتل السياسية بذكر عنوان البيئة في البرامج الانتخابية (اذا وجدت) تماشيا مع روح العصر ورفعا للعتب. اما ان تبدأ بعض التيارات والكتل السياسية بانتاج الكتب والدراسات البيئية وتطرحها للنقاش، فأمر متقدم ولا شك، بغض النظر عن مضمون هذا الموضوع ومدى التزامه بالقضايا البيئية العميقة والحساسة.
من هذه المحاولات الجديدة كتاب (دراسات وتقارير بيئية: مسار ورؤية) الصادر حديثا عن لجنة البيئة في التيار الوطني الحر، الذي تم إطلاقه مؤخرا. صحيح ان هذا الكتاب ليس بحجم تيار سياسي كبير لديه كتلة من 28 نائبا وممثلا بعشر وزراء في الحكومة (المستقيلة حاليا) وله تأييد شعبي محدد... الا انه في بلد مثل لبنان، لا قيمة فيه إلا للمذهبي والمصالح والاستهلاك... يصبح أي إنتاج فكري وعلمي بيئي، محل تقدير مبدأي.
اذا دخلنا في الكتاب، فقد نجد أمامنا مجموعة من الدراسات والآراء ومشاريع القوانين حول قضايا متفرقة تبدأ من قضية تنظيم الشاطئ مرورا بقضية المقالع والكسارات، الى العمارة الخضراء، بالإضافة الى قراءات نقدية في مشاريع محددة كالاوتوستراد الدائري من خلده الى ضبيه والاتوستراد البحري من الدورة الى ضبيه.
بما انه الكتاب البيئي الاول للتيار، كان من المفترض ان ينطلق من الرؤية الاستراتيجية البيئية التي يراها (التيار) او تلك التي يتبناها والتي يفترض ان تحدد المشكلات والاولويات والسياسات... للانتقال بعدها في تناول القضايا ومشاريع القوانين والمقاربات والخطط للمعالجة...الخ
صحيح ان معدي التقرير قد خصصوا صفحة في منتصف الكتاب للحديث عن (خطوط عامة في استراتيجية البيئة)، الا ان هذه (الخطوط)، بدت اقل من «عامة»، ولا تحمل المقومات الاستراتيجية الضرورية.
كتب العماد ميشال عون مقدمة الكتاب مركزا على ان البيئة حق من حقوق الانسان. وهي مقاربة عالمية فعلا. الا ان القضية البيئية قد اصبحت قضية وجودية اكثر منها حقوقية. ومن الافضل مقاربتها برؤية مختلفة وبفلسفة جديدة، تنزل الانسان عن عرشه الذي تربع عليه طويلا كسيد لهذا الكون ومركزا له. فاعتبار الانسان بمثابة المركز الذي يدور حوله كل شيء، وان كل ما هو في البيئة من موارد حق من حقوقه ونكران حقوق باقي الكائنات في البقاء والحياة، هو ما سبب كل هذه المشكلات البيئية في العالم.
ليس مطلوبا من تيار سياسي ان تكون له كل هذه الخلفية الفكرية حتى يستطيع أن يأخذ موقفا من القضايا البيئية المطروحة بالطبع، إنما مجرد الوصول إلى قناعة بفداحة المشكلات وعقم المعالجات التقليدية، يفترض ان يقود أي مجهود فكري عميق الى هذه الخلاصة المأساوية... والبناء عليها.
في الكتاب تمت ترجمة قانون إنشاء وزارة البيئة في فرنسا من دون ذكر ما الهدف من هذه الترجمة. ولكن ما لفتنا في القانون الفرنسي، عندما يتحدث عن مهمات وزارة البيئة، تحديده مهمة (حراسة المياه)، وهي قضية مهمة جدا تؤكد دمج قضايا المياه وحمايتها ضمن مهام وزارة البيئة، كون المياه جزء لا يتجزأ من المنظومات الايكولوجية التي يفترض حمايتها. فهل في ذلك إشارة من لجنة البيئة في التيار الى وزير الطاقة والمياه، عضو التيار، بضرورة التنبه لحماية مصادر المياه، أكثر (كي لا نقول بدل) من الاهتمام بإنشاء السدود السطحية والمكشوفة المتحدية والمخالفة لقوانين البيئة؟
من هنا تبرز أهمية ان يكون للتيارات السياسية الكبرى، لا سيما تلك الممثلة في البرلمان وفي الحكومات، برامج وسياسات ومقترحات مدروسة وتطرح دائما للنقاش، قبل المباشرة بتطبيق مشاريع كبرى وخطرة. إلا أن ذلك في الموضوع البيئي يصبح أكثر تعقيدا. اذ يفترض بذل مجهود مضاعف للتوفيق بين متطلبات عمل تيار سياسي يريد الوصول مع الناس بسرعة، ومتطلبات البيئة والمحافظة عليها التي تحتاج الى فكر محافظ غير شعبي والى تغليب منطق الاقتصاد والحماية والمحافظة بدلا من منطق الاستثمار والمشاريع والانجازات...الخ.

*رئيس "حزب البيئة اللبناني"

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن