كيف تكون الجامعات صديقة للبيئة

Ghadi news

Tuesday, April 10, 2012

درجت في الفترة الاخيرة عادة إطلاق الجامعات الخاصة في لبنان مشاريع لإعلان جامعات صديقة للبيئة ولقضية تغير المناخ، عبر التوفير في استهلاك الطاقة وطرق البناء، او عبر فرز النفايات ومنع التدخين... وغيرها من الاجراءات والنشاطات التي تصنف في خانة "البيئية". ليس في الامر إبداعاً أو إنجازاً كبيراً، يستحق كل هذه الضجة. الموضوع مطروح في الكثير من جامعات العالم. ويبدو ان جامعاتنا قد تاثرت كثيرا بالحملة التي اعلن عنها العام الماضي في الولايات المتحدة الأميركية، عن تعهّد 674 جامعة وكلية في أنحاء الولايات المتحدة خلال الاعوام الأربعة الماضية بأن تصبح صديقة للبيئة. وقدمت 535 منها قوائم للحكومة تبيّن كمية انبعاثاتها من الغازات الضارة، في حين رسمت 320 جامعة خططاً تشرح فيها كيف ستحقق هدفها النهائي ومتى، بعدم توليد أي انبعاثات غازية مضرّة للبيئة على الإطلاق، حسب ما ورد في "نشرة واشنطن".

بالرغم من التشكيك بإمكانية الوصول الى "صفر كربون"، كما تدّعي هذه الجامعات، يمكن لهذه الاجراءات ان يكون لها معنى (بيئي) ما في جامعات كبيرة جدا لا تزال تتزود بالطاقة من جراء إحراق الفحم الحجري وتنتج اطنانا كثيرة من ثاني اوكسيد الكربون المساهمة بتغير المناخ، قد تكون بحجم انبعاثات دول صغيرة. فجامعة "يـيل" على سبيل المثال التي تضم ما يقارب 12 الف طالب، تعهدت بأن تخفض انبعاثاتها السنوية بما يقارب 70000 طن من الكربون دون مستويات عام 2005. وكذلك الامر بالنسبة الى جامعات اخرى (في الولايات المتحدة الاميركية) تضم اكثر من 14 و15 الف طالب، وتنتج الجامعة الواحدة منها في السنة ما يقارب 400 ألف طن من الغازات المسببة بتغير المناخ. الا ان هذه الحملة قد لا يكون لها من معنى، وتعتبر قليلة الجدوى في بلد صغير مثل لبنان، جامعاته صغيرة وانبعاثاتها قليلة نسبياً.

فالإجراءات الموفرة للطاقة لا تعتبر انجازا جامعيا، فقد يقوم بها اصحاب المحلات التجارية الكبرى او أصحاب مزارع الدجاج... للتوفير اولا، بغض النظر عن الانعكاسات البيئية. فإذا أرادت الجامعات ان تكون "صديقة للبيئة" حقا، عليها ان تغير في مهامها الأساسية أولا وليس في شكلها. عليها ان تغير في طرق انتاجها للطلاب والعلم والمعرفة اولاً، وليس في طرق استهلاك الطاقة. عليها ان تغير في مناهجها واختصاصاتها وطرق تعليمها اولاً.
على الجامعات اذا ارادت ان تكون "صديقة للبيئة" ان تحدث ثورة في التعليم وطرقه، وان تدخل تعديلات كبيرة على روحية التعليم العالي الخاضع كلياً لاقتصاد السوق ومتطلباته الاستهلاكية المدمرة للبيئة ولسوق العمل الدولي والمحلي القائم على الربح وتعظيم الثروة والنافي لغيره من قيم الحياة. عليها ان تدخل مواد الفلسفة البيئية والفكر البيئي بشكل إلزامي في معظم الاختصاصات المصنفة علمية او عملية، ولا سيما تلك المتعلقة بالهندسة والطب والصيدلة.
فليست مهمة الجامعة ان تدرب طلابها على كيفية التوفير في الطاقة المستهلكة داخل الجامعة فقط، بل في ان تدعم البحث العلمي المطور للصناعات الصديقة للبيئة والموفرة للطاقة او لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة وترجمتها في قوانين وأنظمة.
لا يكفي ان تفرز الجامعات نفاياتها او ان تشجع اعتماد سيارات نقل صديقة للبيئة داخل الحرم الجامعي، بل عليها ان تعلم استراتيجيات الانتاج الدائري لا الخطي والادارة المتكاملة لمخلفات الحضارة وكيفية تغيير سياسات الطاقة والنقل وفلسفتها.
ان مهمة الجامعة ان تطور مناهج العلوم الإنسانية لإعادة دراسة نفسية الشعوب الحديثة، والعلاقات الاجتماعية الجديدة والقيم المؤثرة على السلوك غير البيئي. ان تنفتح على الأبحاث الجديدة من داخل الجامعة وخارجها. ان تكسر الكثير من التقاليد الفكرية والأكاديمية في التعليم والتقييم والتقدير. ان تبحث من خارج أسوارها عن السلوكيات الاجتماعية الموفرة والتي يمكن ان تجدها في التراث القديم لأهالي المناطق أكثر مما يمكن ان تجدها في الابحاث والمختبرات الحديثة.
عليها ان تخرّج طلابا يعرفون كيف يعيشون لا كيف يعملون فقط.

أمضت الجامعات الأميركية الأعوام الأخيرة في السعي لتحويل محطاتها لإنتاج الكهرباء من الفحم الحجري إلى العمل بالغاز وإعادة تجهيز المختبرات وغرف الصفوف والمكاتب ومنامات الطلاب بنوافذ جديدة ومواد عازلة تساعد في وقف هدر الطاقة، وسعت لأن تحصل على تصديق "المجلس الأميركي للمباني الخضراء" على أنها صديقة للبيئة... ولكنها لم تتقدم خطوة في تغيير برامجها ومناهجها نحو الفلسفة البيئية الجديدة المحافظة ولا فسحت المجال للأفكار التي تحد من التنمية ولا تلك التي تعيد النظر باقتصاد السوق والمفاهيم المضللة والمدمرة مثل الرفاهية والفردية والخصخصة وتلك الأفكار التي تشجع على حب التملك والاستهلاك... والتي تعتبر مسؤولة عن السلوكيات المسببة بتغير المناخ. والدليل على عدم جدوى تلك التغييرات الشكلية داخل حرم الجامعات وعدم الانتقال الى تغييرات جذرية خارجها، ان الولايات المتحدة الأميركية بقيت الملوث الأكبر في العالم على مستوى الفرد، والبلد الثاني بعد الصين على مستوى الدول!

فهل تخرج جامعات البلدان النامية مثل لبنان، الأقل تلويثا من الجامعات الغربية الكبرى أصلا، من عقدة الدونية التي طالما كبلتها وجعلتها مقلدة وببغائية (من دون مراجعة)، لإنتاج نماذج نوعية جديدة من الأفكار والأبحاث والمناهج التعليمية... يمكن ان يستفيد العالم اجمع منها لمعالجة مشاكله المعولمة التي باتت تهدد اسس الحياة على هذا الكوكب الهش اصلا؟

حبيب معلوف
جريدة "السفير" في 5-4-2011 

 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن