الفنان مازن صالحة "شاعر العود" وموهبة تعتّقت

Ghadi news

Tuesday, April 10, 2012

قدم عازف العود الفنان مازن صالحة في عمله الجديد "سحر الحجاز" إضافات جديدة عزفاً وتأليفاً. ليؤكد موهبة تعتّقت بالتجربة الفتية، ليصبح في الوسط الثقافي والفني اللبناني "شاعر العود"، فهو لا يعزف بأنامله فحسب، انما بنبضه واحاسيسه، الامر الذي يميزه عن اي عازف آخر يتعامل مع العود كآلة منفصلة عنه، فعندما يعزف مازن صالحة يتماهى مع العود ليصبحا نبضاً واحداً وأداء واحدا ورعشة واحدة.

منذ أن عرفه الجمهور في برنامج "استوديو الفن" عام 1996، بدا صالحة الطالب في المعهد الموسيقي الوطني (الكونسرفاتوار) واثقاً بأنامله وإن اصطبغ وجهه بلون الرهبة في إطلالته الأولى، وحاز على الميدالية الذهبية بامتياز وتنويه لجنة التحكيم، إلا أنه تخطى دائرة النجاح ليؤسس شخصية مستقلة، واستطاع أن يؤكد حضورا استثنائيا كواحد من ثلاثة عازفين كبار إلى جانب مارسيل خليفة وشربل روحانا على مستوى لبنان، باستثناء أن خليفة وروحانا سبقاه بالعمر والتجربة إلى وضع مناهج تعليمية لآلة العود.
"غدي نيوز" التقت الفنان صالحة بعد النجاح الذي حققه في عمله الأخير، وأمضت ساعات في حوار معه داخل الاستوديو الذي أصبح جزءاً من حياته، دون أن يغفل عمله الذي يؤمن له مقومات العيش الكريم، وهو حائز على إجازة جامعية من اسبانيا في مجال مختبرات الأسنان، واستطاع أن يوائم بين الفن كحالة يسمو بها إلى مستوى أحلامه وإغناء عالمه الروحي، وصناعة الأسنان كمهنة يدخر منها المال ليؤمن مستلزمات انتاجه الفني، في زمن لا تعنى فيه شركات الانتاج إلا بالفن السائد ومجاراة "تقليعات" هي أبعد ما تكون عن الفن بما هو حالة تقارب الإبداع أو تكونه خصوصاً أن صالحة أثبت حضوراً كمؤلف موسيقي تطاوعه أنامل واثقة رشيقة تسمو بالنغمة والوتر إلى آفاق لا تنفتح إلا للفنان الواثق والمبدع.

بدايةً، تحدث صالحة عن "سحر الحجاز"، فقال: هذا العمل هو الرابع الذي اقدمه على مستوى التأليف الموسيقي بعد "زرياب" و "ومجدولينا" و "فيروزيات"، ويندرج في سياق أعمالي السابقة لجهة إضفاء اللون الكلاسيكي على آلة العود، وكتابة موسيقى متميزة لهذه الآلة بعيدة عن الاطار التقليدي المعروف. وقد لاقت تجربتي استحسانا من النقاد والجمهور، وهذا العمل هو نتاج تراكم خبرات من خلال الاعمال السابقة مع اضافة بعض التقنيات في العزف، دون التخلي عن الاطار الكلاسيكي للعود والمحافظة عليه من خلال اعتماد بعض التقاسيم في مجمل المؤلفات، الامر الذي يوفر لمحبي العود امكانية سماع تقاسيم في اطار فني متناغم.

وعن رأيه بما وصل إليه الفن من انحدار إلى مستوى محاكاة الغرائز، قال: لا يمكن الحديث عن هبوط في الموسيقى او في الفن في عصرنا هذا وحسب، فدائماً كانت ثمة موجات غربية تجتاح شرقنا وتجرف معها كل ما يعيق طريقها، ونحن من منطلق حرصنا على آلة العود نحاول تقديم جديد متميز لكي نكون قادرين على مجاراة العصر والحفاظ على الآلة في الوقت عينه، وثمة وجهات نظر مختلفة حول عملنا، منها مؤيدة وأخرى معارضة من منطلق الحفاظ على تقليدية العود كآلة، وما نؤكد عليه في هذا الاطار، هو انه لا يمكننا البقاء على هامش التطورات الحاصلة في العالم. من هنا نحاول التجديد نحو ابداعات موسيقية جميلة وعصرية في آن معاً.

بعدها، كانت وقفة مع بعض المقطوعات الموسيقية، أعقبها، الحوار الآتي:
_ أين يصنف مازن صالحة حضوره الفني على مستوى آلة العود؟
_ بالنسبة للتصنيف، لا يمكنني تصنيف نفسي، لكن يمكنني الحديث عن تجربتي مع آلة العود، فقد تأثرت بالمدارس الموسيقية المصرية والموسيقيين الكبار من امثال فريد الاطرش والسنباطي والقصبجي، وتأثرت أيضاً بالمدرسة العراقية ورموزها، ولا سيما الفنان الكبير الراحل منير بشير وشقيقه جميل بشير. وكان لا بد لي من موقعي كلبناني، التأثر بهذه المدارس الموسيقية المجاورة، ولا بد من الاستفادة دائما من هذه المدارس، لتطوير العزف واستيلاد موسيقى متميزة ابعد من محيطنا الضيق.
_ هل تساوركم مخاوف من أن تطغى الحداثة على العود كآلة لها حضورها، في ظل عصر العولمة وموجات التغريب القائمة؟ وكيف نحافظ على آلاتنا الشرقية؟
_ العود آلة شرقية الجذور، وبالتالي مهما عزفت عليها، ومهما طورتها تظل حاملة تراث الشرق وعبقه. وهنا لا تؤثر الكتابة والاضافات الجديدة على آلة العود، بل على العكس، فهذه العملية تخدم آلة العود وتمكنها من السفر الى ابعد من الحدود. من ناحية ثانية، مهما اضفنا من موسيقى غربية متطورة على آلة العود، نعود في المحصلة الى جذور الآلة، الى التقاسيم الشرقية الكفيلة بالتعبير عن ذات العازف الشرقي. وهنا أذكر ما قاله لي رئيس المعهد الوطني للموسيقى (الكونسرفاتوار) الدكتور وليد غلمية ذات مرة، عندما رسم دائرة ووضع نقطة في منتصفها، وقال نحن في لبنان في كتاباتنا لآلة العود نصل من هذه النقطة الى حدود الدائرة ونعود، ثم رسم سهماً من نصف الدائرة ووجهه بعيداً، وقال لي عليكم كموسيقيين من جيل الشباب ان تخترقوا هذه الدائرة وان تفتحوا حدودها وتنطلقوا الى الاعلى، خصوصاً انكم تمتلكون الحرية والجرأة، لان هذا ما يطور آلة العود ويغنيها. وهذه الكلمة اعطتني الدافع لان اكتب دون خوف من اية حدود، وان اقتنع بانه كما تُكتب المموسيقى لآلة البيانو والكمان وسائر الآلات يمكن ان نكتب لآلة العود، خصوصاً أن العود اليوم بامكانه ان يعزف وحده في احتفال منفرد ولم يعد محدوداً بالتقاسيم، وهي وليدة لحظة وبديهية لآلة العود.
_ لاحظنا انكم تستخدمون المناخ الموسيقي الغربي الذي يضفي مزيداً من الجمالية لآلة العود، فهل لديكم طموح لكتابة مقطوعات موسيقية لأكثر من آلة واحدة؟
_ بالطبع، يمكنني الكتابة لعدد كبير من آلات العود، وتجربتي الأولى في المعهد الموسيقي بدأت بكتابة مؤلفات موسيقية لآلتي عود، ولكن اعتبر ان مجموعة آلات العود في عمل واحد تمنحه ضخامة وأهمية، الا انها تجعله محصوراً في آلة العود نفسها، وبرأيي انه بامكان العود ان يعزف مع اي من الآلات الموسيقية الشرقية والغربية وان يكون هو سيدها، وهذا ما احاول تنفيذه في اعمالي. والمزاوجة ضرورية بين الشرق والغرب.
_ في اي موقع تصنف نفسك مقارنة مع العازفين اللبنانيين؟
_ لا يمكنني تقييم أو تصنيف حضوري الفني، ولكن في احدى المقابلات التلفزيونية، صنفني المشاهدون في لبنان وبعض الدول العربية، الثالث بعد مارسيل خليفة وشربل روحانا، لانهم شعروا بانتمائي لهذه المدرسة، وانا بالطبع فوجئت بهذا التصنيف، وكان جوابي انني اتمنى ان اكون سائراً في نهج مارسيل خليفة وشربل روحانا، واليوم اقول ان عدد العازفين والمؤلفين الموسيقيين كبير، منهم من سنحت له الفرصة بالظهور ومنهم من هو خلف الاضواء، ولا يمكنني تصنيف نفسي، الا انني اتمنى ان اضيف جديداً في مجال الموسيقى اللبنانية والشرق _ عربية من خلال العود.
_ ما هو حلم مازن صالحة اليوم؟ وما هي رؤيته للمستقبل؟
_ حالياً، بعد النجاح الذي حققته في اعمالي التي مزجت فيها آلات تقليدية وحديثة، أطمح لانتاج مزيد من الاعمال الاجمل، وخوفي على آلة العود يدفعني لأكتب الموسيقى لهدفين اثنين، الأول هو استمراري كموسيقي وكمؤلف، والثاني هو استمرار آلة العود وحمايتها من طغيان الآلات الغربية والآلات الأخرى، خصوصاً ان العود بات مفقوداً في معظم الأعمال الموسيقية الكبيرة، في وقت يمكنه ان يكون سيد الآلات كلها.
_ هل لديكم طموح بايصال العود الى آفاق اوسع عالمياً؟
_ الطموح موجود بالطبع، ولكن الظروف الحالية التي يشهدها لبنان تحول دون تحقيق ما نصبو إليه، لا سيما ان ليس ثمة دعما لآلة العود لا من الدولة المفترض أن تفتح أمامنا مجالات للمشاركة في مهرجانات عربية او عالمية، ولا حتى من شركات الانتاج التي تؤثر صرف اموال طائلة لانتاج اغنية لاي فنان، على ان تنتج عملا موسيقيا، لان انتاج الاغاني والكليبات يؤمن لها مردوداً مالياً اكبر بكثير.
_ بين المدرسة الأكاديمية الصرف الممثلة بشربل روحانا ومارسيل خليفة اللذين وضعا دراسات أكاديمية جديدية والمدرسة العربية التي تعتمد الارتجال، اين تجد نفسك أكثر؟
_ صراحة اجد نفسي بين المدرستين. وليس ثمة صراع، على الاقل من وجهة نظري، احب الارتجال واملك القدرة على العزف ارتجالاً، ولدي ميل من منطلق دراستي الاكاديمية لكتابة الموسيقى، وهذا المزج بين المدرستين يصب في مصلحة اعمالي الموسيقية ومشروعي الموسيقي الذي أطمح لتحقيقه. الارتجال موهبة تولد مع الانسان ولا يمكن تدريسها في المعهد كما لا يمكن تدريس الاحساس في العزف، انما لا بد من صقل الموهبة بالمدرسة الاكاديمية التي تثبت الفنان موسيقياً، والجمع ما بين العلم والموهبة يؤمن روحية العمل وبلوغه مرحلة مهمة من الكمال.

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن