الملك سليمان استخدم خشب اللزاب في بناء الهيكل

Ghadi news

Sunday, April 10, 2011

هل كانت أحراج لبنان مغطاة بشجر اللزاب قبل نحو ألفي سنة أو أكثر؟ وهل اختلط الامر لدى المؤرخين بين شجر الأرز واللزاب؟ ولماذا اختار اللبنانيون شجرة الارز لتتصدر علمهم بالرغم من أن الدراسات الحديثة تؤكد أن شجرة اللزاب أكثر مقاومة من الارز وتتمتع بخصائص علمية أكبر؟
اسئلة قد تبدو ساذجة للوهلة الاولى، لكن ما يبرر طرحها ما جاء في أكثر من مصدر ومرجع تاريخي من أن اللزاب اللبناني كان يغطي جبال لبنان، فضلاً عن ان اللزاب كان الشجرة التي تم الحديث عنها في العهد القديم (سفر الملوك) حيث جاء في رسالة من الملك سليمان الى الملك حيرام في صور يطلب فيها خشب شجر اللزاب لاستخدامه في بناء الهيكل.
والمسألة لا يمكن النظر إليها بشيء من التسطيح وعدم المبالاة، فهي متصلة بتراث وتاريخ وهوية شعب وأرض، وما يثير الاهتمام أن شجرة اللزاب واسمها العلمي Excelsa Juniperus وتعرف ايضاً بـ Persian Juniper يتراوح ارتفاعها من 6 الى 20 متراً، وهي تنتشر من اليونان الى بلغاريا وتركيا وسوريا ولبنان، فضلاً عن منطقة صغيرة تضم هذا النوع من الاشجار في جبل مسقط (عمان) تعرف بالجبل الاخضر، وهي موجودة في مناطق لبنان المرتفعة عن سطح البحر.
رئيس "نادي طرقات لبنان للقدم المخفية" شمعون مونس قال لـ "غدي نيوز": جبت كل مناطق لبنان سيراً على الاقدام وتعرفت عن كثب على شجرة اللزاب، ولا سيما في "غابة القلة" بين عكار والضنية في لبنان الشمالي، وهي تنمو على ارتفاع 500 الى 2200 متر وهي الشجرة الوحيدة التي تنمو على الارتفاع فيما شجرة الارز تنمو كحد اقصى على ارتفاع 2000 متر.
وأضاف: لم تتوقف عمليات قطع الاشجار منذ العصور القديمة وهي مستمرة الى يومنا هذا، ولا سيما الارز، اللزاب، الشوح، السنديان، الصنوبر، الشربين والعرعر، واللزاب شجرة مميزة من عائلة السرويات وهي تأخذ لها شكلا هرميا قشرتها مشققة رمادية اللون جذوعها تتشابك مع بعضها ثمارها صغيرة خضراء تتحول الى اللون الاسود.
ويقول مونس ان "عدم تكاثر هذه الشجرة ناجم عن فقدان انواع من الطيور ومنها (الكيخن) و(ابو زريق) التي تقتات من الثمار وتنقل بذرتها الى الارض لتنبت أشجار جديدة"، ويلفت إلى أن "من اللزاب تنتج مادة القطران التي كانت تستعمل علاجا لأمراض المواشي ولا سيما (الجرب) ولإبعاد الحشرات والزواحف، وهي من فئة عاريات البذور Gymnosperm، والثمرة هي في نفس الوقت ذكر وأنثى واوراقها ابرية صغيرة، وهي تحمل خواص مضادة للأكسدة Anti Oxidant وخواص علاجية ضد بعض انواع الفطريات".
وناشد مونس الوزارات اللبنانية المعنية "إيلاء شجرة اللزاب كل اهتمام ليس في المتن الاعلى وحسب، بل كل مناطق لبنان فهي بعض إرث هذا الوطن ومسؤوليتنا تجاهه أن نبقيه على اخضرار وجمال".

أبو سعيد

المهندسة الزراعية جنان أبو سعيد، اشارت إلى أن "شجرة اللزاب تتمتع بقدرة عالية على مقاومة عناصر الطبيعة حيث تستطيع البقاء في ظروف لا يمكن أن تتحملها أية شجرة أخرى بما فيها الأرز"، ولفتت إلى أن "اللزاب أطول عمرا من الأرز".
أبو سعيد أشارت أيضاً إلى أن "شجرة اللزاب تحتاج لخمسمئة سنة لتصبح شجرة ناضجة، فيما تحتاج شجرة الزيتون أو الصنوبر من 10 إلى 15 عاما، والأرز من 40 إلى 50 سنة"، وحذرت من "اندثار هذه الثروة لانه لا يمكن تعويضها إلا بعد مئات السنين"، واعتبرت أن "قطع اللزاب كارثة وطنية وبيئية الامر الذي يتطلب بذل جهود للحفاظ عليها".

مروش

المهندسة الزراعية ديانا مروش المتخصصة في المحاصيل الزراعية رأت أن "اللزاب شجرة ضعيفة الانتشار"، وعزت ذلك إلى أن "تكاثر الشجرة صعب ونموها بطيء وهو ما يجعل خسائر اليوم تنعكس على الأجيال اللاحقة فضلاً عن أن شرط التكاثر يتطلب عبور بذرته في بطن طائر يأكلها ثم يتخلص منها فتخضع البذرة بداخله لتفاعل كيميائي لتتأهل للنمو".
واشارت مروش إلى أن "تجارب عديدة أجريت لإكثاره بطرق أخرى، وتحقق النجاح لأول مرة في معالجة البذرة بالاستغناء عن ذلك الطائر، لكن ذلك لا يعوض خسارة التقطيع بسبب بطء نموه الشديد". وقالت: أهمية هذه الشجرة تكمن في أنها تكلل مرتفعات لبنان فوق الألفي متر، ولولاها لكانت جبالنا جرداء، مع العلم أن جبال لبنان يصل ارتفاعها إلى ثلاثة آلاف متر، وقد ساهمت اشجار اللزاب في تسهيل تغذية باطن الأرض بالمياه.
واشارت مروش إلى أنه "لو قارنا بين اللزاب والأرز نجد انهما يتكاملان، فالأرز فيه نظام طبيعي متكامل كاللزاب لكن على ارتفاع دون الألفي متر، يمكنه أن يغطي القمم على ارتفاعات غير التي يغطيها اللزاب القادر على تحمل حرارة عالية أو منخفضة، وهو ما لا يمكن أن يتوفر مع اي نوع آخر من الاشجار".

غانــم

رئيس "جمعية غدي" البيئية فادي غانم أكد أن "الجمعية بدأت إجراء بحوث علمية من خلال خبراء وذلك من اجل ضم اللزاب إلى الاغراس التي نزرعها في المشتل الزراعي الذي انشاته الجمعية لاننا ندرك اهمية هذه الشجرة وما تمثل من إرث على مستوى طبيعة لبنان وجب الحفاظ عليه".
وقال: لشجر اللزاب فوائد كبيرة للغاية، فالصمغ الذي يتواجد على جذوعه تتغذى منه خلايا النحل لتنتج عسل اللزاب المشهور الذي يعد من أجود أنواع العسل في العالم، إضافة إلى أن كل شجرة تقدم خمسين طنا من الأوكسجين، وتمتص كميات كبيرة من المواد الملوثة الموجودة في الهواء، فيما يتميز خشب اللزاب بقساوته العالية ولذلك استخدم قديماَ في إنشاء المقاطع الخشبية لسكك الحديد.

إبادة جماعية

ليس ثمة من يعلم حتى الآن لماذا استأثرت غابات الأرز باهتمام اللبنانيين دون اللزاب الذي يعتبر من الاشجار المعمرة ايضاً، ربما يأتي يوم وتستعيد شجرة اللزاب مكانتها إلى جانب الأرز، ما يستدعي مواجهة ما تتعرض هذه الأشجار ومنذ سنوات طويلة إلى عملية إبادة جماعية، من خلال القطع الجائر والمستمر بغرض الاستفادة من خشبه كمواد للبناء ومن أوراقه للتدفئة، خصوصاً وأن غابات اللزاب كانت ممتدة على كافة جبال القلمون (شمالي لبنان)، فيما نجدها اليوم تقترب من حافة الخطر والتعرض للإنقراض، والاهتمام بهذا النوع النادر من الأشجار وإعادة زراعته، يجعل من هذه المنطقة متفردة بذلك على مستوى العالم.
 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن