تحويل الأسطح الى مساحات خضراء لمواجهة "حضارة الاسمنت"

Ghadi news

Friday, April 15, 2011

كيف نتخطى تبعات التوسع العمراني وزحف الاسمنت وما ينجم عنه من تراجع المساحات الخضراء حتى حدود الاختناق؟ سؤال أجاب عنه المهندس شربل عون، في حوار أجراه معه موقع "غدي نيوز"، قدم خلاله إجابات واضحة حيال إشكاليات مرتبطة بأنماط حياتنا العصرية، تشكل حلا لمشكلة ظلت حتى الامس القريب عصية على المعالجة، وذلك من خلال الاستفادة من مساحات اسطح الابنية وتشجيرها وفق دراسات ومعايير فنية وهندسية، كي نحد من النتائج السلبية لـ "حضارة الاسمنت" على مستوى البيئة وعناصرها المهمة.
وفي ما يلي نص الحوار:

"غدي نيوز": بدايةً، وقبل الدخول في تفاصيل، ثمة سؤال يطرح نفسه بداهةً: كيف نشأت لديك فكرة إطلاق مشروع تشجير الأسطح؟

المهندس شربل عون: للاجابة عن هذا السؤال، لا بد من الحديث عن الاحتباس الحراري وما يمثل من مشكلة تطاول الإنسانية جمعاء، وكما هو معروف، فان المدن تُعتَبَر اليوم نقطة مركّزة ومولّدة للحرارة التي تتوزّع بدورها وتنتشر على ما يحيط بها. كل ذلك ناجم عن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون وغازات أخرى (إنبعاثات السيارات والمعامل والحرائق وغيرها) تتصاعد لتشكّل غشاءً من الغازات والجزيئيات، فتعمد هذه الأخيرة الى تخزين الأشعة والحرارة وتعكسها على المدن بشكل عام، وعلى الأسطح الفارغة والزفت والبلاط بشكلٍ خاص، الأمر الذي يؤدي الى تخزين الحرارة، وبذلك يرتفع معدّل حرارة المدن. من هنا، تبرز ضرورة وأهمية إطلاق مشروع تشجير أسطح المباني في لبنان كونه يفتقر الى المساحات الخضراء والحدائق العامة.

"غدي نيوز": معروف أن للإحتباس الحراري نتائج سلبية على الصحة العامة وعلى مظاهر الحياة الحديثة، هل يمكن إيجازها لنا؟

المهندس شربل عون: إن تَشكُّل هالة الحرارة والحماوة فوق المدن له تأثيرات سلبية ومدمرّة. أولاً سلبية، لأنّها مضرّة بالصحة نتيجة الغازات السّامة جدّاً في الهواء لعدم وجود أي "فلتر" طبيعي أو اصطناعي لتنظيفها وتنقيتها، الأمر الذي يسبب حالات من أمراض جلدية وحالات اختناق وفقدان الوعي وانتشار الأمراض (قلب وشرايين) التي يمكن أن تؤدي مع الوقت الى الوفاة، وثانيا هي مدمّرة، لأنّ سكان المدن، مع ارتفاع الحرارة يُسارعون الى تبريد منازلهم وأماكن عملهم (المكيّفات)، من خلال حرق الطاقة التي تساهم بدورها في عملية التلوّث وتصاعد الجزيئيات، فيصبح تخزين الحرارة أكبر وأخطر.

"غدي نيوز": ما هي أبرز العوامل المساعدة على التخفيف من الإحتباس الحراري؟ وماذا عن لبنان تحديداً؟

المهندس شربل عون: ثمة أكثر من عامل. طبعاً، هناك ما يساعد في تخفيف تأثير الإحتباس الحراري، ومنها: التشجير، حماية الأشجار والغابات، استخدام السيارات الكهربائية أو حتى وسائل النقل المشترك، الطاقة البديلة، غيرها. إنّما، في لبنان نظراً للوضع البيئي السيّء والمخيف الذي يواجه المدن في ظل انعدام أي إلتزام بما تفرضه أسس التنظيم المُدُني ومراعاة الابقاء على مساحات خضراء، ومع هذا الإنتشار العشوائي للمباني، يبدو بنظرنا أنّ الحل الأنسب هو تشجير أسطح المباني.

"غدي نيوز": لماذا وقع اختيارك على أسطح المباني؟

المهندس شربل عون: تعتَبَر أسطح المباني، واحدة من أهم موارد المدن المهمَلة والمهدورة، فهي تتمثّل بآلاف الكيلومترات والمساحات الفارغة غير المستعمَلَة وهي تساهم بصورة كبيرة في التأثيرات الكارثية للإحتباس الحراري. في المقابل، يمكن تحويل هذه المساحات الى أسطح خضراء تملؤها الأزهار، الأعشاب، الشجيرات ومختلف أنواع النباتات.

"غدي نيوز": ما هي أبرز الفوائد لعملية تشجير أسطح المباني؟

المهندس شربل عون: للحدائق العلويّة او للأسطح الخضراء فوائد عديدة، منها:
1- توفير وصول سريع وآمن الى مساحةٍ خضراء للإستجمام والراحة في الهواء الطّلق، وفي قلب المدينة، مع كل ما يمكن أن يحمله هذا الأمر من إيجابيات على الصعيد الإجتماعي بين سكان المبنى نفسه او حتى سكّان المباني المجاورة.
2-توفير أمكنة لزراعة وإنتاج مختلف أنواع الفاكهة والخضار والأعشاب الطبيّة.
3-نشر ثقافة خضراء للبنانٍ أخضر.
4-التخفيف من هدر مياه الأمطار في مقابل تشغيل نظام لجمع هذه المياه واحتوائها.
5-توفير ملجأ للطيور والفراشات.
6-تخفيف كلفة التدفئة والتبريد من خلال طبقة العزل التي يتم تثبيتها على سطح المبنى، فالغرفة التي يكون سقفها على شكل حديقة، يكون معدّل حرارتها أقل من 3 الى 4 درجات من الحرارة الخارجية، إذا كانت في حدود 30 درجة مئوية.
7-إيجاد فسحة جميلة لمدى الرؤية ومشاهدة منظر جميل للمدينة، من خلال نقل المساحات الخضراء التي غابت عن المدن بسبب التوسع العمراني الى اسطح الابنية، من أجل الحفاظ على السمة الخضراء وما تمثل من اهمية بيئية وصحية.
8-حماية السّقف والمحافظة عليه لوقتٍ يزيد أربع مرّات أكثر من خلال حمايته من التعرّض المباشر لأشعّة الشّمس.
9-تبريد الجو وتحسين نوعيّة الهواء والتقاط الغبار و الجزيئيات من الجو.
10-توليد الأوكسيجين من خلال عملية فصل الكربون عن الأوكسيجين المعروفة بالـــــــــــــ photosynthesis.

"غدي نيوز": عملية زرع الأسطح، ليست مسألة بسيطة أو سهلة كما قد يتراءى للبعض، فماذا عن الخطوات الواجب اتخاذها قبل إتمام هذه العملية؟

المهندس شربل عون: نعم، ثمة مجموعة خطوات يجب اتخاذها قبل زرع السقف، يمكن إيجازها على النحو الآتي:
-تقييم السّقف (نوعيّته، قدرة تحميله، حساب أي نوع من الحدائق يمكن تحميلها للسقف).
-وضع خطة لتصريف مياه الأمطار وري النباتات.
-وضع خطة للوصول الى السّطح من أجل الصيانة والإصلاح.
-اختيار النباتات المناسبة للحديقة إنطلاقاً من اتجاه شروق الشمس.

"غدي نيوز": الى أية درجة تبدو عملية زرع حدائق على السطوح، عمليةً آمنة من حيث المواد المستعملة؟

المهندس شربل عون: تتألف الحديقة العلوية من عدّة طبقات، الأمر الذي يساعد على إبعاد أي مخاطر عن متانة السطح: المزروعات، التربة، طبقة متينة للمحافظة على المواد العضوية في التربة، طبقة من البحص لتسريب المياه، طبقة لمنع اختراق الجذور للسطح، طبقة لتجميع المياه وتخزينها وتصريفها عند الفائض، طبقة عزل لمنع تسرّب المياه الى السطح.

"غدي نيوز": هل تتشابه الحدائق من حيث نوع النباتات المزروعة؟ وماذا عن أسطح القرميد؟

المهندس شربل عون: تتعلّق مسألة تحديد الحديقة الملائمة لسطحٍ معيّن، مباشرةً بقاعدة وبقدرة تحميل السطح. فهناك نوعان من الحدائق:
-حدائق ذات سماكة خفيفة extensive: من 8 الى 14 سنتيمترا، وتتضمّن الأعشاب والشجيرات وبعض أنواع الخضار والفاكهة.
-حدائق ذات سماكة كبيرة intensive يمكنها احتواء أشجار معتدلة وكبيرة الحجم.
أمّا بالنسبة لأسطح القرميد، فاليوم يتم استبدالها بالسطوح الخضراء كما هو الحال بالنسبة للأسطح العادية مع ازدياد الوعي والتوجيه بأهمية ومنافع تشجير الأسطح، وقد وصلت نسبة السطوح الخضراء في ألمانيا الى 13 بالمئة من النسبة العامة لأسطح المنازل.

"غدي نيوز": من المفيد فهم كل هذه المعلومات القيّمة التي زودّتنا بها، لكن، ألا تعتبر نفسك متفائلاً جداً عند طرحك لمثل هذا الموضوع؟

المهندس شربل عون: استشهد بقول لـ Al Gore :
The Struggle to save the global environment is in one way much more difficult than the struggle to vanquish Hitler. For this time the war is with ourselves. We are the enemy just as we have only ourselves as allies.
فمسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، وفي أي معركة وجود، كلما تركنا الخصم يكبر، كلما صارت عملية السيطرة عليه احتوائه و تدميره أصعب بكثير، فالاحتباس الحراري مشكلة معقّدة إنما بالإمكان احتوائها، من خلال الإنفتاح على كل جديد لحماية البيئة وبالتالي تكون لخير الإنسان، فالتعاون مطلوب من الجميع وبالأخص البلديات، عبر توعية المجتمع حول فوائد تشجير سطوح المنازل، وإمكانية الإستفادة بشكل ملموس من منافع هذه العملية.

"غدي نيوز": هل ثمة كلمة أخيرة؟

المهندس شربل عون: في الختام، لا يسعني سوى التأكيد على أن التلوث المحيط بنا هو من صنع الإنسان، والإنسان وحده بإمكانه أن يضع حدّاً لهذه الكارثة، وحماية الحياة على هذا الكوكب، وحسب قول لـ ديفيد براور، فان "هذه الأرض التي لا نرثها عن أجدادنا إنما نستعيرها من أولادنا".
‹We don′t inherit the earth from our ancestors, we borrow it from our children›
(David Brower)

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن