تربية الحمام في العراق... هواية ومخاطرة

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Friday, February 24, 2012

تعتبر تربية الحمام في العراق هواية تجتذب الكثير من العشاق، لا سيما بسبب ارتفاع نسبة البطالة في السنوات التي تلت عام 2003. ورغم تجذّر هذه الهواية في الذاكرة الجماعية للعراقيين، إلا أن المجتمع ينظر إليها بسلبية.
ترنحاً بين ارتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب العراقيين خلال السنوات الماضية وتردي الوضع الأمني في البلاد، وجد الكثير من الشباب ضالته في "الهروب" نحو عالم تربية الطيور والحمام. وتطورت هذه الظاهرة إلى هواية شائعة في العراق تجتذب الكثير من العشاق وسط نظرة سلبية من المجتمع تجاه مربي الحمام، أو كما يصطلح عليه باللغة الدارجة العراقية "المطيرجي".
تكاد سماء الأحياء الشعبية في العاصمة بغداد لا تخلو من أسراب الحمام التي تحلق في مسارات دائرية منتظمة فوق بيوت مربيها. كريم كاظم شنشول، أحد مربي الحمام في مدينة الصدر ببغداد، يقضي معظم ساعات النهار على سطح منزله الذي شيد فيه بيتاً صغيراً يناسب معيشة حماماته البالغ عددهن نحو الـ 120 حمامة بمختلف أجناسها وتسمياتها وأسعارها.
شنشول، الذي دفعه عشق هواية تربية الحمام منذ صغره، يقول في حديث مع "دويتشه فيله" وعيناه ترصدان في الآفاق خفقان أجنحة طيوره التي كانت تحوم من حوله: "أقضي معظم ساعات النهار مع حماماتي، وهي أحيانا تمثل مصدر رزقي بعد تكاثرها وبيعها."

هواية فرضها واقع البطالة

وبينما شنشول البالغ من العمر 23 عاما يلوح فوق سطح منزله يلوح بقصبة ثبت على أحد أطرافها قطعة قماش بيضاء لحمل سرب حمامه الطائر على الاستمرار في الطيران على ارتفاع أعلى، يضيف قائلا: "هواية تربية الحمام أصبحت شائعة في هذه المنطقة بسبب تفشي ظاهرة البطالة بين الشباب"، موضحا أنه لم يكن هناك في وقت سابق سوى القليل ممن يقوم بتربية الحمام "أما اليوم فلا تجد بيتاً يخلو من تربية الحمام." وعن نظرة المجتمع المنتقصة من شأن مربي الحمام أو "المطيرجي" يكشف شنشول أن المجتمع ظلم "المطيرجي" بهذه النظرة السيئة، "فهناك الكثير من المفاهيم الخاطئة لدى مجتمعنا، ولعلها تعود إلى سلوك بعض المطيرجية في رمي قطع الحجارة وقضاء أوقات طويلة على أسطح المنازل التي يطل بعضها على الآخر في بعض الأحياء الشعبية القديمة".

تربية الحمام مصدر رزق وتسلية

فيما يرى لطيف غانم الحميداوي، وهو أيضا يربي الحمام في منطقة الشعب ببغداد، أن "الفراغ الناتج عن البطالة بين الشباب دفع الكثير منهم إلى تربية الحمام لغرض التجارة والتسلية لقضاء أوقات فراغهم". وعن طريقة الربح والاسترزاق بهذه الهواية يضيف الحميداوي البالغ من العمر 42 عاما: "هناك طرق مختلفة لجني الربح بهذه الهواية، فمنها التكاثر ومنها الصيد". إذ أن العرف في هذه الهواية يقوم على عدم إعادة طائر غريب تم اصطياده إلا بتلقي مبلغ مادي يساوي قيمته، "الأمر الذي يثير الكثير من المشاكل في بعض الأحيان بين ماسك الطير والمطالب به"، على حد تعبيره.
ويكشف الحميداوي عن طريقة أخرى لكسب المال من تربية الحمام، وتتمثل في الرهانات التي ينظمها مربو الحمام من خلال سباق حمام الزاجل وإطلاقه من مسافات بعيدة. إذ يعمدون إلى إطلاق الحمام من مكان ما يبعد بمئات الكيلومترات في جنوب العراق أو شماله، ليعود إلى بيوته في العاصمة بغداد. وهذا ما يفسر ارتفاع أسعار بعض أنواعها.
ويكرس هذا التنافس أسلوب استخدام الحمام الزاجل في إيصال الرسائل الذي كان رائجا في فترات سابقة من تاريخ الإنسانية، حين كان ذلك وسيلة سريعة لإيصال البريد في عهد الإمبراطوريات الغابرة المذكورة في كتب التاريخ.
لكن الحميداوي يشير في الوقت نفسه إلى "نظرة المجتمع القاسية تجاه مربي الحمام، والتي تصل لدرجة نبذه وعدم تقبل شهادته في القضايا العشائرية". وكثيراً ما يتسبب مربو الحمام أو "المطيرجية" في المناطق والأحياء الشعبية في مشاكل وخلافات عائلية مع خصومهم. وما يؤكد هذا الرفض الاجتماعي لهذه الفئة من الناس هو أن العديد من العائلات ترفض تزويج بناتها لمربي الطيور.

البطالة السبب الأول في الإقبال على الحمام

وشرح جاسم كاظم عبد، وهو صاحب إحدى محال بيع الحمام في سوق الغزل وسط العاصمة بغداد، أسباب كثرة إقدام الشباب على شراء الحمام في السنوات القليلة الماضية، عازيا ذلك إلى تدني أسعار الطيور، فضلاً عن أنها وسيلة للتسلية "لسد الفراغ الكبير الناتج عن البطالة". ويضيف عبد (29عاماً)، وهو منشغل بعزل أنواع الحمام عن بعضها البعض داخل أقفاص كبيرة، بأنه يبيع ما بين 5 إلى 10 طيور في الأيام العادية، أما في أوقات العطلة الصيفية فـ "يزداد الطلب على شراء هذه الطيور إلى أضعاف".
وعن أنواع الطيور يقول عبد إن "هناك أنواعاً مختلفة من الطيور، فمنها الزاجل والأحمر والأشعل والأرفلي والبصراوي والتار والمسكي وغيرها"، مشيراً إلى أن "سعر الطائر الواحد يتراوح ما بين عشرة آلاف دينار عراقي (نحو 7 دولارات أميركية)، ومليوني دينار عراقي (نحو 1700 دولار أميركي).

مربي الحمام أو "المطيرجي" إنسان منبوذ

وعن سبب نظرة المجتمع "القاسية" تجاه مربي الحمام أو "المطيرجي" ورفض شهادته في القضايا العشائرية، توجهت "دويتشه فيله" إلى أحد شيوخ العشائر في بغداد لمعرفة السبب، فأجاب الشيخ سعيد زياره صخي إن ذلك "يعود في المقام الأول إلى أن مجتمعنا له طابع عشائري وإسلامي محافظ يحث الناس على العمل والسعي من أجل الرزق، وهذا ما لا نجده عند مربي الحمام لكثرة انشغالهم بتربية الطيور". ويضيف صخي (66 عاماً) بأن أغلب المشاكل التي تظهر من حين لآخر "يعود سببها إلى مربي الحمام، وذلك لكثرة ما يتسببون فيه من أذى لجيرانهم من خلال رمي الحجارة وقضاء أوقات طويلة فوق أسطح المنازل وتسلطهم على البيوت الأخرى المجاورة لهم، وعدم غض النظر عن النساء اللواتي يعملن على نشر الغسيل في منازلهن".
وتوافق رأي المواطن عدنان أركان حسين بعيداً مع ما قاله صخي، حين أوضح أن إيذاء الجار يظل أبرز الأسباب التي "تأخذ على هذه الهواية". ويقول حسين (44 عاماً): "أنا شخصياً لا أحترم ممارسي هذه الهواية، وذلك بسبب تصرفاتهم غير اللائقة التي لا تنسجم مع المجتمع في إطلاق الصفير بصوت عال، فضلاً عن الإزعاج والإحراج اللذين يتسببان فيهما للجيران ببقائهم لساعات طويلة فوق أسطح المنازل".
ويكشف حسين في حديث مع دويتشه فيله عن رفضه شابا أراد الزواج من إحدى بناته، بمجرد اكتشافه بأنه"من مربي الطيور"، معللاً سبب رفضه بأن هذا الشخص "إنسان غير قادر على تحمل المسؤولية، ومن الخاطئ أن أضع مصير ابنتي بين يديه".

بتصرف عن "دويتشه فيله"
 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن