المضاربة ترفع الأسعار... والركود الحالي مصدره سياسي

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Saturday, August 27, 2011

تشهد منطقتا المتن الأعلى وعاليه وسائر مناطق الاصطياف الممتدة من مشارف العاصمة إلى مناطق الجبل ما يمكن اعتباره "ورماً عقارياً"، لا يمكن توصيفه كحالة صحية في قراءة موضوعية، لما آلت اليه الأسعار، وسط مستجدات غير منفصلة عن النظام الاقتصادي والجو القانوني المنفتح والنظام الضريبي المشجع في لبنان، مترافقة مع هزات اقتصادية عرفتها بعض البلدان في العالم وما تزال تواجه تبعاتها الى الآن.
ففي وقت يناضل القطاع العقاري في العالم لاستعادة عافيته في أعقاب الأزمة المالية، تهافت رأس المال على الاستثمار في القطاع العقاري اللبناني، ما أدى الى ارتفاع الأسعار، ليصل المتر المربع من ارض أو بناء في بعض المناطق الى 15 ألف دولار أميركي، فتحول العقار من عنصر استثمار الى عنصر مضاربة، وأصبح بالتالي - وفقاً لنظرية بعض الاقتصاديين - يلبي حاجات المستثمر متجاوزا حاجات الطلب المحلي، وفي المقابل أصبح العثور على منزل بالنسبة الى اللبنانيين المقيمين، لا سيما الشباب منهم بمثابة مهمة مستحيلة يوما بعد يوم، وعلى هؤلاء ان يستوفوا شروطا صعبة لجهة دفع قسم من سعر العقار بصورة مسبقة، فضلاً عن راتب مرتفع وكلفة تأمين عالية نسبياً للحصول على القرض!
هذا الأمر، دفع بعض الاقتصاديين اللبنانيين إلى اعتبار الاحصاءات والحقائق المتعلقة بقطاع العقارات في لبنان "نقمة"، نظرا لتداعياتها الخطيرة على اللبنانيين، الذين باتوا مهددين بمستقبلهم، مع تراجع نشاط القطاعات الانتاجية، لا سيما منها الصناعية والزراعية، علاوة على تأثر قطاع السياحة والخدمات بالأزمة الاقتصادية التي ما زالت مفاعيلها تتوالى في المراكز المالية الكبرى، وتبدو نتائجها ماثلة في اقتصادات بعض الدول العربية، ما انعكس تراجعا على قطاعي السياحة والاصطياف في السنتين الماضيتين من دون إغفال عوامل عدة ايضاً.
كل ذلك، حدا بلبنان الى التحول "جنة" عقارية لغير اللبنانيين على وجه التحديد، اضافة الى نسبة لا تتجاوز الـ 4 في المئة منهم، وثمة مقاربات فاضحة في هذا المجال، تطرح إشكالية وطنية وسط ظروف اقتصادية ضاغطة، وثمة تجليات كثيرة لما هو قائم ومفاعيل اجتماعية خطيرة، من الهجرة الى النزوح الى المدن الى بيع المواطنين أراضيهم لصالح "كارتيلات" المال الضخمة العربية والاجنبية، وهي تتحرك بطرق ملتوية فيها تحايل على القانون لجهة نسب تملك الاجانب، وثمة غرف سوداء تخطط وتنفذ، حيث يوجد دوماً من يسهل ويمرر ويغطي تلك الممارسات، على غرار ما تشهده منطقة المتن الأعلى على سبيل المثال.

ضرائب على الدخل وليس على الريع!

الخبير المالي والاقتصادي الدكتور غالب أبو مصلح رأى في حديث لـ "غدي نيوز" أن "الفقاعة العقارية هي نتيجة المضاربات، فهناك اموال وافدة ومحلية لا تجد فرصا للتوظيف المنتج، فتذهب الى المضاربات، فترتفع اسعار العقارات تلقائيا لعدم وجود توظيف منتج في القطاعات التي تعطي مردودا مقبولا". وقال: "عندما لا يجد صاحب رأس المال فرصا لهذا التوظيف يتجه نحو التوظيف في العقارات وهي ترتفع، ويساهم في ارتفاعها ولذا نلحظ كل عام ارتفاعا في الاسعار".
وأضاف أبو مصلح: "حاليا هناك دورات في اسعار العقارات تمتد خمس عشرة سنة، ولكن في هذه المرحلة العقارات ارتفعت بشكل غير معقول وغير منطقي بسبب تدفق اموال الى لبنان، لا تجد فرصا للتوظيف ايضا فتلجأ الى العقارات التي اعطت في السابق مردودا مهما، وبالتالي هناك الكثير من المضاربين غير اللبنانيين ومن الخليجيين الذين تكبدوا خسائر في توظيفات في السوق الاميركية والاسواق الاوروبية، خصوصا نتيجة الازمة البنيوية التي ضربت النظام الرأسمالي العالمي في مراكز المال الكبرى، وهي ازمة مستمرة ومن الممكن ان تستمر ما بين 15 و20 سنة، كسابقاتها من الازمات الدورية التي ضربت هذا النظام، وأهمها أزمة 1929 والتي امتدت 20 سنة".
وعن جمود أسواق العقارات أشار أبو مصلح إلى أن "المواطن يلجأ الى التمسك بالعقار ولا يبيع خوفا نتيجة توقعات بارتفاع الاسعار اكثر، فيما الدولة غائبة وهي الى الآن خارج مفاعيل الازمة اي خارج اطار هموم الناس"، لافتاً الى "وجود تحايل ومضاربات"، مؤكدا أن "النظام اللبناني ليس قدرا"، معتبراً أن "الازمة ناجمة عن الطبقة الحاكمة والسياسات الليبرالية الجديدة التي اتى بها الرئيس الراحل رفيق الحريري وهي ما تزال قائمة الى الآن".
وقال أبو مصلح: "توظيفات الاخوة العرب في لبنان لم تخسر حتى خلال الحرب الاهلية، فلم يتكبدوا خسائر وارتفعت اسعار العقارات، حتى الابنية المهدمة ارتفعت اسعار الارض فيها بشكل جيد، ومن هنا، تشجع الخليجيون بشكل خاص حيث ثمة طفرة من اموال النفط على التوظيف العقاري في لبنان، والتوظيف بعضه من اجل السكن، وبعضه - وخصوصا في الفترة الاخيرة - من اجل المضاربات التي رفعت اسعار العقارات بشكل جنوني ودون حدود، مع العلم ان الارباح المتأتية من هذه المضاربات العقارية هي معفية من الضرائب اجمالا".
وأردف ابو مصلح: "اي انسان يعمل يدفع ضريبة على دخله نتيجة العمل اضعاف ما يدفعه نتيجة المضاربات، وهذا يعود الى القوانين اللبنانية المجحفة والتي تركز الضرائب على المنتجين وتعفي الريوع، والضرائب اجمالا منخفضة على هذه الريوع، فيما المفروض ان تشجع البنية الضرائبية الانتاج، فالذي يتاجر في العقارات يمكن ان يؤمن في سنة واحدة دخلا يوازي اضعاف ما يستطيع موظف نشيط ومؤهل جيدا ان يحصل عليه طوال فترة حياته، وهذا ظلم كبير".
ورأى أن "ارتفاع اسعار العقارات كانت له اضرار كبيرة في لبنان على صعيد كل قطاعات الانتاج"، لافتاً الى أنه "على الساحل وبعض الجبال لم يعد هناك اراض زراعية"، مشيرا إلى أن "أسعار السكن مرتفعة بشكل لا يتناسب مع معدل الرواتب والاجور السائد في لبنان وهناك أزمة تتفاعل أكثر فأكثر»، وانتقد ابو مصلح «عدم وجود مخططات للبناء في القرى والمدن".

المتن الأعلى

في المتن الاعلى لم يدخل حتى الآن قرار منع تملك الاجانب في قضاء بعبدا حيز التنفيذ ضمن آلية واضحة يرعاها قانون صريح، وما زال العرف الاستنسابي ماثلاً إلى الآن، ما يبقي المدى مشرعاً على التحايل وتمرير عقود بيع ووقف أخرى لاسباب تستدعي اتخاذ اجراءات صارمة تقطع الطريق على الاستنساب.
وحذر بعض رؤساء بلديات المتن الاعلى "من التحايل على القانون"، وسط تأكيدات بأن الأجانب ما زالوا يشترون العقارات عن طريق اللبنانيين بطريقة ذكية، فهم يضعون الإشارات على العقارات المبيعة في السجلات العقارية، ويوقعون عقود "البيع والشراء" التي تمهلهم مدة عشر سنوات للتسجيل، وبذلك يكون الأجنبي قد تفلت من مفاعيل القرار الذي منعه من التملك، وفي هذا المجال طالب رئيس بلدية جوار الحوز جان أنطون "المعنيين بالتنبه لهذا الموضوع الخطير ووضع ضوابط عبر منع كتاب العدل من توقيع عقود البيع العقارية إلا بعد موافقة رؤساء البلديات الواقعة العقارات ضمن نطاقهم".
وعزا الوسيط العقاري في المتن الاعلى سعد أبو الحسن جمود الحركة العقارية إلى "تمسك المالك بأرضه وقناعته أن الأسعار في ارتفاع مستمر تبعاً لارتفاع الأسعار العالمية وغلاء المعيشة". وقال: "نحن في منتصف الصيف ولم تكن ثمة حركة عقارية باستثناء حركة خفيفة لا تذكر في مقارنة مع السنوات الماضية، والسبب غياب الدولة والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية، بمعنى أن ليس ثمة دولة حاضرة لمواكبة حاجات المواطنين ولا تواكب الازمات الاقتصادية والمعيشية من اجل تحسين دخل المواطن".
ولفت الى ان "الوضع الاقتصادي الخليجي غير مستقر حتى الآن وهو تحول جزءاً من الازمة المالية العالمية". وقال ابو الحسن: "هناك مجمعات سكنية مبيعة في معظمها للخليجيين لكنها ظلت شاغرة هذا العام"، وعن تملك الاجانب عبر لبنانيين، أشار إلى أن "بعض الخليجيين تعرضوا لابتزاز فتراجعت عمليات البيع، وهناك مشاكل كبيرة من هذا القبيل والخليجي ما عاد يعطي توكيلا الى لبناني الا اذا كانت ثقته به عمياء".
وقال أبو الحسن: "سعر متر الشقق يتراوح بين 1200 دولار و 1300، في حين أنه لم يتعد الـ 1000 منذ سنتين، وهذا مرتبط في جانب كبير منه بارتفاع اسعار المواد الاولية، أما سعر متر القصور والفيلات الفخمة فلا يقل عن 1700 دولار".
ولفت الى ان "البنوك تقدم تسهيلات لشريحة واحدة من اللبنانيين جلهم من الموظفين ممن لديهم مردود شهري ثابت، يمكنهم الاستفادة من بنك الاسكان او من قروض اسكانية تقدمها المصارف وفق شروط محددة"، وتمنى "على الدولة ان تقدم تسهيلات للمغترب والمقيم، لا سيما المواطن العادي وليس الموظف وحسب، ليتمكن من شراء شقة بمساحة محددة والتقسيط على فترة طويلة لحل جزء من مشكلة اجتماعية".
ورأى الوسيط العقاري بيار نبهان أن "تردي الاوضاع السياسية ينعكس سلباً ويتسبب بالمزيد من الجمود العقاري"، وانتقد "الاستنسابية المستمرة في تسجيل العقارات المبيعة للأجانب في قضاء بعبدا"، مشيراً الى أن "سعر المتر في بعبدا وجوارها يتراوح بين الألف و 2500 دولار".

عاليه

أما الوسيط العقاري سمير بو سعيد فكانت له وجهة نظر متفائلة إذ رأى أن "المعاناة التي يعيشها المغترب اللبناني في بلاد الاغتراب بدأت تدفعه للعودة الى بلاده والاستثمار والسكن فيها"، مشيراً الى ان "اللبناني الذي اعتاد على (كسل الفائدة) ما عادت ترضيه الفوائد المنخفضة بين 2 و3 في المئة على الودائع بالعملة اللبنانية والدولار، فآثر الاستثمار في العقارات، هذا الى جانب التسهيلات التي تمنحها وزارة الإسكان على القروض المرتفعة التي تصل الى 280 مليون ليرة ما يزيد الطلب على الشقق ويحرك سوقها".
أبو سعيد أشار إلى ان "تكلفة البناء هي ذاتها انما السعر يتبدل تبعاً لتصنيف العقارات وجهوزية الشقق وموقعها حيث تتراوح اسعارها ما بين 1000 و 2250 دولاراً تبعاً للمواصفات في عاليه وجوارها، علما ان العقارات والشقق باتت نادرة جداً في مدينة عاليه، أما اسعار الأراضي في المواقع المميزة التي تعتبر فئة اولى سياحياً فقد وصل سعر المتر المربع الواحد الى ما يزيد عن800 دولار بينما يراوح في الأماكن الأخرى ما بين 350 و800 دولار، الا ان سعر المتر المربع الواحد في المشاريع السياحية الجديدة يبدأ من 2000 ليصل إلى 5000 دولار".
تجدر الاشارة إلى أن القطاع العقاري في المتن الاعلى وعاليه يعتبر رافدا اقتصاديا مهماً للمواطنين بيعا او ايجارا او استثمارا، ما يعني أن ثمة أزمة اجتماعية واقتصادية قائمة ومرشحة للاستمرار، خصوصاً أن هذا القطاع يتحرك على ايقاع المواقف السياسية والجو العام السائد في البلاد وتداعيات الازمة المالية على السوق العقارية المحلية.
 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن