بحماية الطبيعة نحافظ على "صيدلية الحياة"

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Wednesday, January 1, 2014

تسعون في المئة من الأدوية مصدرها نباتي
بحماية الطبيعة نحافظ على "صيدلية الحياة"

"غدي نيوز" – أنور عقل ضو

لا يمكن مقاربة عالم الخبير في الاعشاب والنباتات البرية نزيه نبيه باز، ابن بلدة بعذران الشوفية، بعيداً من بوح الطبيعة، هذا العالم المشرع على الجمال والصحة، في معادلة ترسخ حضور الانسان عميقاً في جذور المعرفة، وهي نتاج حيوات متوارثة أنتجت خبرات ظلت حتى الأمس القريب ملاذ الانسان الوحيد في البحث عن الصحة والسعادة، وهي لا تلغي أهمية التطور في مجال العلوم الصحية، وانما تتكامل معها في سيرورة الحياة، وليس من قبيل الصدفة أن يأتمنه جده على "كتاب" وضع فيه ملخص تجربته مستفيدا من علوم الاقدمين بدءا من جالينوس الى أبي بكر الرازي وداود بن عمر الانطاكي وغيرهم، مضيفا اليه ما استقاه في تجاربه الخاصة، يوم قال له "أنت مؤتمن على هذا الكتاب، فائتمنه من بعدك لمن هو مؤهل لذلك"، كي لا يضيع هذا الارث الانساني.
وما نشهده اليوم، رغم التطور الهائل في مجال العلوم الحديثة، هو أن ثمة صحوة دفعت الناس للعودة الى الجذور، الى البيئة، الى الطبيعة التي تحتضن الانسان وتؤمن له الهواء والماء والغذاء والدواء، وثمة صحوة أيضا على مستوى البحوث العلمية التي تدأب لدراسة النبات وتحديد معايير للصحة تراعي الطبيعة وتتجنب قدر المستطاع مظاهر الحياة الحديثة.
يلخص باز تجربته بأن "الطبيعة هي صيدلية الحياة"، ومن هنا يرى أن "هذه دعوة ورسالة لنحافظ على الطبيعة". وقال: "حتى الأمس القريب كان المغاربة يقصدون لبنان ومنطقة الشوف خصوصا ليس لممارسة الطب العربي فحسب، وانما للحصول على أنواع نادرة من النباتات ولا سيما من منطقة الباروك"، لافتاً إلى أن "أرضنا غنية جدا بتنوع نباتاتها وندرة بعضها التي لا تعيش إلا في تربتنا، ومن هنا كانت أيضا مقصد علماء النبات الأوروبيين في القرن الثامن عشر". وأضاف "هذا في التاريخ الحديث، وما لا يعلمه كثيرون أن لبنان كان مقصدا للمصريين القداماء قبل آلاف السنين حيث كانوا يؤمون جبالنا للحصول على أنواع محددة من النباتات والأزهار وأوراق الأشجار، ولذلك وجد علماء الآثار الفرعونية أوراقا لشجر التين اللبناني بنوعيه المعروفين في مقابر الفراعنة هما التين العادي المعروف وتين الساحل أي (الجميز)، ونباتات لا تعيش الا في جبال لبنان، وليس من قبيل الصدفة العثور عليها في مصر القديمة، خصوصا اذا علمنا أن التين كان مقدسا لديهم". 

تدهور الثروة الطبيعية



وأشار باز إلى أن "ما أثار قلقي ما شهدناه من تدهور على صعيد هذه الثروة الطبيعية، وتجلى ذلك في فقدان وتراجع بعض أنواع النباتات". وقال: "هناك أنواع كثيرة لا يمكن العثور عليها بسهولة، ومنها على سبيل المثال (العشبة الذهبية)، وهي بدأت تندثر بعد أن ابتعدنا عن الطبيعة وسرقتنا الحياة العصرية".
ونفى أن يكون "الرعي الجائر سببا في تراجع هذه العشبة، لا بل على العكس الرعي ضروري للمساعدة في تجددها، فالماعز تقوم بعملية تقليم وفضلاتها تسمد الأرض، وكثرة الطيور مهمة في تجديد دورة الحياة النباتية"، لافتا إلى أنه "فضلا عن التمدد العمراني وعوامل أخرى كثيرة هناك المشكلة الاهم وهي التغير المناخي، وهناك مقولة لأجدادنا أن (الثلج كان يلتقي خيو) أي أن الثلوج ما كانت تفارق قممنا العالية ولذلك بعض أنواع النباتات فقدت أو تكاد بيئتها الطبيعية"، وقال: "العشبة الذهبية واحدة من أنواع كثيرة، ولا يمكن العثور عليها الا في الليل، فكان المغاربة يفتشون عليها ليلا ويضعون حولها رمادا لتحديد مكانها وكانوا بذلك يحددون نوعها أيضا لان ثمة أنواعا من النباتات شبيهة لها، ومن خلال هذه العملية كانت تتميز عن غيرها بأنها تعكس لونا فوسفوريا، وهي موجودة الآن وعثرت على أعداد قليلة منها في الجبال المحيطة ببعذران وجبل الباروك، وتركتها أملا في أن تتمدد وتتكاثر، وهي تشبه الـ (سرخس Fougere) ونستخدمها في معالجة الجروح".
وأشار إلى أن "كل انسان ينطلق من محيطه أي البيئة"، وقال: "الطب الحديث لا يلغي الطب القديم الذي يعتبر جسر عبور الى ما وصلنا اليه من تطور"، ولفت إلى أن "ثمة مسؤولية لجهة أن الطب الحديث ممنوع أن يلغي الطب القديم، وبرأيي نشهد الآن عودة الى منابع الطب الأولى المتمثل بعالم النبات، بمعنى العودة إلى جذورنا الانسانية مع تنامي الوعي بأهمية الطبيعة التي هي صيدلية الانسان". وقال باز: "ليس بالصدفة أن يعود الناس الى الطبيعة وتغيير أنماط حياتهم والابتعاد عن بعض مظاهر الحداثة التي دمرت الصحة".
وأشار باز إلى "اننا اكتشفنا ثلاثة أنواع جديدة من السحلبيات Orchids في بعذران مع بعض المهتمين بالنباتات ممن يؤمون بلدتنا ونتعاون معهم ونتبادل خبراتنا"، وقال: "كنت في إحدى المرات بحاجة إلى نبتة كان جدي يعالج بها بعض الامراض ولكن لم أتمكن من العثور عليها، فطلبت من أحد رعاة قطعان الماعز إرشادي اليها فهؤلاء على علاقة عميقة بالطبية وما تحفل به من تنوع لا نعرف الا القليل عنه".

السحلبيات



وقال باز في معرض اكتشافه للسحلبيات "إلى جانب اهتمامي بالنباتات أنشط في مجال البيئة ولا سيما على صعيد (درب الجبل اللبناني) واستقبالنا وفودا تؤم هذه المنطقة للتعرف على جمالها وخصائصها الطبيعية، وكنت في احدى المرات مع فريق سياحي تعرفت إلى شخص لديه خبرة في مجال النباتات البرية وكان يتوقف عند كل نبتة وهو الذي لفت نظري الى (السحلبيات) وطلب المحافظة عليها وحمايتها وعرفته بدوري على أنواع نادرة لا تنمو الا في جبل الباروك، لكن للاسف هذه الانواع من السحلبيات لا تتكاثر على نطاق كبير وأقوم بالتردد على مواقعها دائما، ومن بينها نوع تشبه زهرته النحلة تماما والبعض يخافها ظنا منه انها نحلة حقيقية".
وعما اذا كانت ثمة أنواع اندثرت، قال: "قصدت يوما حاجا في صيدا يعمل عطارا وأعطيته ثلاثة أسماء لنباتات لم أعثر عليها وواردة في الكتاب الذي تركه جدي، فاستغرب وقال "يا ابني لو هذه النباتات ما تزال موجودة لما كان هناك مرض"، ومن بينها نبتة اسمها (مجد العين)، وقال (لا تتعب نفسك في البحث لانك لن تجدها)، وسأل (من أرشدك إلي؟)، فأخبرته وعلم أنني حفيد الشيخ ريدان باز، وهذا يؤكد فعلا أننا فقدنا أنواعا من النباتات البرية". وأشار إلى "اننا بدأنا نفقد أنواعا من النباتات المعروفة كالهندباء البرية والتي تستخدم بذورها في مجال الاستطباب ومعالجة أمراض عديدة".
وقال: "هناك نباتات يمكننا المحافظة عليها وهذا ما نقوم به من خلال الحفاظ على بيئتها الطبيعية كـ (القصعين) ويعرف باسم (المريمية) و(القويسة) والاستفادة منها على مدار السنة لانني لست من محبذي التقطير طالما أن النبتة موجودة بكامل خصائصها الغذائية والعلاجية، وأرى أن بضع أوراق تعادل عبوة زجاج كاملة مقطرة".
ولفت إلى أن "هناك تراتبية في مجال الطب العربي، من (العشاب) الذي يجمع النباتات و(العطار) الذي يبيعها ومن ثم (المداوي)".
واستدرك أن "عالم الاعشاب هو بحر كبير من العلم، لكن هناك محاذير لجهة أن يستخدمه أي شخص للتداوي دون خبرة متوارثة من جيل لجيل، فنبتة (شيح العرب) أو (الافسنتين) على سبيل المثال تحتوي موادا منبهة وتسبب الاجهاض لدى المرأة، بمعنى أن الامر ليس بالسهولة التي يراها البعض، وهناك مقادير وموازين محددة، وفترة علاج لفترة محددة، فالاكثار من تناول أنواع بعينها قد تكون له نتائج خطيرة، وهناك نباتات سامة يجب ان نعرف كيف نستفيد من سميتها لاستخلاص أدوية لمعالجة أمراض محددة".

لا تتداوَ إلا بنبتة بلادك



أضاف باز: "هناك مثل قديم برأيي هو الاهم في مقاربة التداوي بالاعشاب يقول (لا تتداوى إلا بنبتة بلادك) لأن الانسان ابن بيئته استمر وسط هذه البيئة الطبيعية التي أمدته بأسباب البقاء وأن (الغذاء هو الدواء ايضا)".
وعن أهم الاعشاب والنباتات، قال: "لا يمكن تعدادها وهي تحتاج لكتاب وكل نبتة دراستها تتطلب كتابا ايضا، لكن أذكر منها (السلجم) أي اللفت البري، وهو كالبقدونس البري والنعناع البري ومنه سبعة عشر نوعا، وثلاثة عشر نوعا من الصعتر، فبين بعذران ومرستي وجباع نجد سبعة انواع من الصعتر، وهناك القصعين، وليس ثمة نوع اهم من الآخر، فلكل نبتة خاصية مميزة او اكثر، وهناك (السراخس) وهرمه العشبة الذهبية والـ (سنزبيات) وهي أنواع كثيرة وتمتاز بورق ناعم وجذور سطحية ورائحتها لا تقارب، وكنت اقصد الحدود اللبنانية – السورية للحصول عليها، وهي سم قاتل ولكن علاجا شافيا بنفس الوقت لبعض الامراض، وهنا نؤكد ان ليس بالامكان التداوي بها تلقائيا ودون وجود شخص خبير، لذلك لن أقول ما هي الامراض التي تعالجها، هناك الجوز والتين وحب الآس وقد ألقيت محاضرة مؤخرا عن حب الآس استمرت ثلاث ساعات، وهنا نتحدث عن عالم شاسع وبحر من العلوم والخبرات".
وعن النباتات اللبنانية، قال: "هناك (القرص عني)، (المشِّة)، (الدردر)، (الخبيزة) بجميع أنواعها، (الخاتمية)، (المليسة) وتعرف باسم (اللويزة)، الشاي (الغزار) وهو موجود في البرية، وهناك أشجار مهمة كالعناب، وبرأيي أن التفاح من أهم الفاكهة ويمكن الاستطباب بقشرته ولبه وبذوره، فالقشرة علاج للبشرة، والبذور لشرايين القلب، ونتذكر ما قال أبو بكر الرازي عن الجوز عندما شبه ثمرته بدماغ الانسان وكذلك الصنوبر ونرى ان هذه الثمار مفيدة للدماغ والابحاث الحديثة تدعم ما توصل اليه الاقدمون بالخبرة، والكستناء تشبه بكليتي الانسان وهي تضم ثمرتين متلاصقتين في قلب الثمرة الخارجية، وهناك الشمرة وبذوره وهو يعرف بـ "حبة الحلاوة" وتقسم الى نوعين اليانسون والشمّر، ومن ثم هناك (الحبة السوداء) وهي وافدة ولكنها مهمة، وهناك (البابونج)، (المردكوش) ويعرف البري منه بـ (حبق الفيلة)، (الورد البري)، حتى اننا يمكن ان نستخرج من قشر السنديان علاجا لبعض الامراض، وبذور (القطلب) وهناك (الميس)، والرمان... الخ".

90 بالمئة من الادوية مصدرها نباتي



وقال: "طبيعة لبنان مميزة وهي مفترض أن تكون بمثابة صيدلية، فكل لبناني لديه صيدلية قرب منزله لكن الحياة العصرية دمرت الصحة مع الاستسهال، والمهم عدم الاسراف في استهلاك النباتات حتى المفيدة منها، وعلى من يتعاطى في هذا المجال ان يكون موثوقا بخبرته وعلمه وتجاربه، والامر هنا لا يحتاج الى دراسة وانما الى المام وخبرة ودرايو، فنحن أمام بحر يتطلب الثقافة والمعرفة الى الخبرات المتوارثة، وهنا يجب توعية الناس الى عدم التصرف باستسهال، والآن 90 بالمئة من الادوية مصدرها نباتي وما تزال تخضع لابحاث ومن هنا دعوتنا لحماية الطبيعة".
ولفت باز إلى أن "التداوي بالاعشاب مهنة ويعرف من يتعاطونها بـ (الشفاؤون) Healers"، وأكد أن "ليس الامر بالسهولة التي يظنها البعض، فالتداوي بالاعشاب يتطلب العودة الى ابحاث ودراسات قديمة ومواءمتها مع دراسات حديثة، والتنبه بدقة الى اسماء النباتات وتعريفها".

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن