بحث

الأكثر قراءةً

اخر الاخبار

العيناتي يدعي على شركتي ترابة

"خطر وبائي".. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود

حملة توعية لجمعية غدي للتعريف عن الملوثات العضوية الثابتة وأخطارها

دراسة تكشف أصول "القهوة الصباحية".. كم عمرها؟

الصحة العالمية تتخوف من تفشي إنفلونزا الطيور بين البشر.. "أخطر من كوفيد 19"

حضارات تدّعي قدسية الأشجار... وتبيد الأحراج!

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Tuesday, August 19, 2014

الأرز يكتب مذكّراته
حضارات تدّعي قدسية الأشجار... وتبيد الأحراج!

"غدي نيوز" – أنور عقل ضو

مع الخبير البيئي الدكتور فيصل أبو عز الدين يروي الأرز "مذكراته"، ويسرد تاريخا يرقى إلى خمسة آلاف سنة مجللا بأساطير تحمل في رمزيتها بعضا من "حقائق" أطل منها على حضارات متعاقبة كان الأرز حاضرا فيها، وثقه باحتراف الباحث وقدرته على استخراج ما خفي في بطون الكتب والمراجع، وكأن بينه وبين الأرز مودة وصداقة.
فالكتاب الصادر عن "محمية أرز الشوف" وريعه بالكامل للمحمية، يشكل خطوة علمية بحثية متقدمة تميط اللثام عن واحدة من أبرز معالم لبنان وثرواته الطبيعية.
بدايةً، استغرب أبو عز الدين "الازدواجية بين (تقديس) الأرزة وتصدرها العلم وكل الأوراق الرسمية وبين ما تتعرض له من إهمال والتعدي عليها"، وقال: "تساءلت هل هذه الظاهرة حديثة أم قديمة، فوجدت أنها قديمة جدا، لهذا السبب قررت جمع كل ما كتب عن الأرز منذ أسطورة "جلجامش" وهي تقريبا تعود لخمسة آلاف سنة، ولم أتناول أمورا قيلت هنا أم هناك، وإنما عرضت لأمور مكتوبة وموثقة، حتى وان كانت على أحجار أو طين، فقمت بجمع هذه الوثائق".

غلبة المستهلك في الأساطير

أما الكتاب فهو من القطع الكبير باللغة الانكليزية بعنوان Memoirs Of A Cedar "مذكرات الأرز" A History Of Deforestation A Future Of Conservation، ويتساءل أبو عز الدين: "ألا يحق للأرزة أن تكتب مذكراتها؟"، ويضيف: "هنا تذكرَت الأرزة كل ما كتب عنها من أيام (جلجامش)، وجئنا باسم الأرزة التي ندعي محبتها فكتبت عن (لسانها) كل ما مر عليها".
وقال في هذا السياق: "نحن أحببنا الأرزة، لكن هل الأرزة أحبتنا؟ والأرجح انها لم تحبنا، لاننا قلنا شيئا وفعلنا شيئا آخر، فمنذ أسطورة (جلجامش) السومرية بدأ الهجوم على أحراج الأرز، وفي الأسطورة يأتي الملك (جلجامش) ويتحارب مع حارس المحميات واسمه (همبابا) وكان غولا من الغيلان لكنه كان غولا بيئيا ويحب البيئة ويريد المحافظة على الأحراج، وقع الخلاف بينهما وتدخلت الآلهة، وقتذاك كانت الآلهة تتدخل في كل شيء كما هو الحال اليوم، وبالنتيجة (جلجامش) تغلب عليه وقرر قتله، هنا قال له (همبابا) دعنا نتفاهم على استعمال الحرج، لكنه رفض وبادر الى قتله، على أساس أن (جلجامش) يمثل المستهلك، والمستهلك لا رحمة لديه، فمنذ خمسة آلاف سنة تغلب المستهلك على البيئي، عندما قال (همبابا) لنتفاهم ونحافظ على بعض الأرز ذبحه (جلجامش) ولا نزال الى اليوم مذبوحين بالنسبة للمستهلك".

تجار الخشب

واستغرب أبو عز الدين بعد رمزية هذه الاسطورة واسقاطها على الواقع المعاش أن "الحضارات والشعوب التي أبادت الأحراج هي ذاتها التي ادعت قدسية ورمزية الأشجار".
واستعرض أحد الأمثلة "كيف أن التوراة مليئة بمديح شجرة الأرز وفي الوقت عينه تتغنى بالملك سليمان الذي قضى على أجزاء كبيرة من أحراجنا بالتعاون مع من؟ مع أحيرام ملك صور لبناء قصور ومعابد، فمن ناحية يتغنون بقدسيتها وعظمتها ومن ناحية ثانية يقطعونها بدون رحمة بمساعدة أهالي لبنان، فالحضارات المتعاقبة تشاركت في قطع أشجار الأرز مع السكان في لبنان وجبال لبنان وقتذاك، ولا سيما على الشاطئ لان أكثر من استفاد هم الفينيقيون، فهم من كان يملك السفن ويتولى نقل الأشجار، فكانوا تجار خشب من الدرجة الاولى".
ولفت إلى أنه "من الامور التي وجدناها في دراستنا عن الأرزة انه لم يذكر شيء عن المحافظة على شجرة الارز من السومريين او المصريين او الآشوريين، ولا من البابليين ولا حتى الملك سليمان ولا الفرس ولا الاسكندر حتى وصلنا الى الامبراطورية الرومانية منذ نحو الفي سنة". وقال: "في تلك الفترة، يقال أن الامبراطور (هادريان) جاء الى لبنان الذي كان يمثل بعضا من الامبراطورية الشرقية للرومان، ويقال أيضا أنه فوجئ بأوضاع الأرز والصنوبر البري، وكان الاهتمام كبيرا بالأرز وبالشوح الذي كانوا يصنعوا منه صاري السفينة لأنه أخف من خشب الأرز الذي كان يصنع منه جسد السفينة، ويجب ألا ننسى البلوط والسنديان، ويجب أن نتذكر أن استعمال الخشب كوقود وحيد في تلك الفترة، وكانت هناك صناعات في لبنان، ان كان الحديد أو الزجاج وكانت تتطلب الوقود".

التوثيق التاريخي

وأضاف: "لم نر اهتماما الا في عصر (هادريان) لكنه لم يكن بيئيا، وكان ينظر الى الامبراطورية وحاجتها الى الخشب لبناء السفن، وأعلن الأحراج ملكية رومانية، وبعد الرومان تعاقبت حضارات عدة، وأغلبها عربية من الأمويين والعباسيين ومن ثم البيزنطيين والصليبيين والمماليك والعثمانيين، وعلى العموم الكل طلبوا الافادة من شجر الارز، وقلة منهم اهتمت باستمرارية الأرز وديمومته، فأحببت في هذا الكتاب أن أوثق كل ما كتب عن الأرز، ليس فقط ما يتعلق بملوك هذه الامبراطوريات، لانه جاء كثير من السياح ابتداء من القرن السادس عشر من انكلترا وفرنسا وألمانيا وبلدان أوروبية عدة، والسبب أنهم كانوا يجيئون الى لبنان لمشاهدة الأرز بسبب ديني، لانه مذكور في التوراة، وبالتالي يحضرون الى القدس وبعد القيام بواجبهم الديني كانوا يأتون الى لبنان لمشاهدة الأرز".
ولفت في هذا المجال إلى أن "الكنيسة المارونية كانت تملك أغلب ما تبقى من أشجار الأرز، ولا سيما النائية التي ظلت بعيدة عن التعدي والقطع، وكان الرهبان يأخذون السياح إلى بشري"، وقال: "أغلب السياح كانوا يتساءلون كم شجرة تعتبرونها حرجا من الأرز؟ ليس لديكم غيرها؟ في معظم الاحيان كانوا يقولون انه لا يوجد غيرها، والحقيقة أن بعض السياح اعترضوا واكتشفوا بأنفسهم أنه ليس ثمة حرج واحد وانما أحراج، صحيح ليست كبيرة ولكنها أكبر بكثير من التي كانوا يطلعونهم عليها في بشري".
وعن سبب ذلك، قال أبو عز الدين: "لأنهم أحبوا أن يستغلوا هذه السياحة البيئية على أساس أن هذا هو الحرج المقدس، وغضوا النظر كليا عن باقي الأرز، من تنورين إلى جاج الى الباروك وعين زحلتا، وفي الحقيقة الآن لدينا حوالي 12 حرج أرز وجميعها أكبر من حرج بشري، ولكن حرج بشري يمتاز بأنه يتضمن أكبر الأشجار، أي المعمرة، وتستأهل زيارتها ولو سيرا على الاقدام كما كان يفعل السياح الاوائل، ولكن يجب أن نكون منصفين ونعطي الأرز حقه في أي مكان من لبنان".

العدد الضائع

ولفت إلى أنه "ليس ثمة وثائق حول عدد الأشجار التي قطعت على مر التاريخ ولا مساحة الأحراج، لكن هناك وثائق كثيرة تشير الى ان الاشجار قطعت على سبيل المثال لبناء سكة الحديد لمنطقة الحجاز او احتاجوا اليها لبناء قصر او الاسطول البحري للمصريين وغيرهم في ظل الحروب التي كانت قائمة".
ولفت إلى أن "الأرز ليس موجودا في لبنان وحسب، بل هناك قليل من الأرز في سوريا، والكثير منه في تركيا، وهناك كمية لا بأس بها في قبرص حتى أنه كانت هناك أحراج أرز على الحدود الايرانية".
وأشار إلى أن "الأرز أربعة أنواع، هي الأرز اللبناني، الأرز الأطلسي الموجود في المغرب، الأرز القبرصي ويقال انه جزء من الأرز اللبنان، ومن ثم هناك الأرز الشرقي الموجود في مناطق الهمالايا"، ولفت الى أن "الكتاب يتحدث عن المنطقة في لبنان كيف كانت، وبماذا كانت مكسوة الجبال، وأيضا نتحدث عن شجرة الأرز، وكذلك عن استخدام الأرز الذي لم يكن يقتصر استخدامه على بناء السفن والمعابد والقصور فحسب، وانما كان يستخدم لامور كثيرة ولا سيما في مصر القديمة حيث كانوا يستخدمونه في مدافنهم، لان في خشب الأرز مادة القطران وهي مادة حافظة ولهذا السبب ثمة آثار كثيرة تكتشف وتعود لثلاثة آلاف سنة وما تزال تنبعث منها رائحة الأرز".
وأكد أبو عز الدين أن "الكتاب عرض للأرز والأديان"، لافتا الى أنه "لعب دورا مهما على مستوى الأديان لانه من الأشجار المقدسة، ومن ثم نتحدث عن الأرز كرمز وعن خرافات".
واستعرض لفصول الكتاب ومن بينها فصل يعرض لما قاله السياح عن الأرز، فضلا عن فصل خصص لـ "كيفية الحفاظ على ما تبقى وزيادة مساحة ليس أحراج الأرز فحسب، لأن الأرز لا يعيش وحده وانما يتطلب بيئة حاضنة فيها جميع الاشجار"، وأشار إلى أنه "في بعض المناطق يتغلب الأرز على منافسين طبيعيين من أشجار اخرى، ولكن حوله هناك سنديان وبلوط وحور".
وختم أن "تاريحنا كان تاريخا معيبا ولكن نتمنى أن يكون مستقبلنا مشرفا، وهناك بوادر تؤكد أن هناك مستقبلا واعدا بالمحميات الطبيعية الموجودة وعلى رأسها محمية أرز الشوف".

بعض من سيرة

الخبير البيئي درس الزراعة في الجامعة الأميركية، ثم سافر وتابع الدراسات العليا في انكلترا وفي جامعة "كورنيل" في أميركا، وبعد عودته الى لبنان عمل في وزارة الزراعة، لكنه آثر الاهتمام في العلوم البيئية، ولا سيما لجهة المحافظة على الثروة الطبيعية في لبنان وبشكل خاص الطيور، وكان في هذا المجال ضد استخدام المبيدات السامة، وكان يرى ان الطائر هو اليد اليمين في القضاء الحشرات، ومن هنا عمل على منع استخدام المبيدات السامة التي تسمم الطيور والانسان في الوقت عينه، وله مقولة في هذا المجال وهي أن "الطير الذي يأتي ليساعدنا في القضاء على الآفات الزارعية بدلا من مكافأته نقتله".
وبدأ أول نشاط بيئي في بلدته العبادية – قضاء بعبدا تحت عنوان المحافظة على الطيور، وهو ما زال يحتفظ من نحو أربعين سنة بلوحة من الحديد الصلب كتب عليها عبارة تدعو للحفاظ على الطيور وفيها عشرات الثقوب الناجمة عن اطلاق النار عليها من سلاح حربي.
وهو يرى أنه في مجال الحفاظ على البيئة ما زلنا متأخرين من كافة النواحي، لكنه يؤكد في الوقت عينه أن ثمة وعيا الآن، فبعد ان كان عدد المهتمين بالبيئة قبل اربعين سنة فهم اليوم يعدون بالمئات والآلاف، ويعتبر أنه باحترام البيئي تنتظم كل أمورنا الاجتماعية والسياسية...الخ.
عمل في دول الخليج مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، وكان له دور في حث المسؤولين على ضرورة الحفاظ على بعض المناطق كما هي، وتحويلها محميات طبيعية، ومن ثم طلبت الأمم المتحدة المجيء الى لبنان ليدرس امكانية اقامة محميات طبيعية بناء على طلب جمعيات محلية كانت قد بدأت الاهتمام بالبيئة وكان ذلك في سنة 1993، وبالتعاون مع خبراء بيئيين بينهم الدكتور اسعد سرحال أعد مشروعا كان باكورة المحميات الطبيعية في لبنان، وقضى بإنشاء ثلاث محميات نموذجية في لبنان، هي: أرز الشوف، حرج اهدن وجزر النخيل.
وبعد إنشاء هذه المحميات تركز اهتمام الدكتور أبو عز الدين على أرز الشوف، فضلا عن مساهمته في مشروع "درب الجبل اللبناني" وكان مديرا له لسنتين.

 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن