القنافذ التي تخلد إلى النوم للنجاة من حرائق الغابات

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Sunday, June 12, 2016

fiogf49gjkf0d

"غدي نيوز"


لا تزال حرائق الغابات تمثل خطرا مستمرا يحدق بأستراليا، لكن هناك نوعا من القنافذ الآكلة للنمل وجدت طريقة مدهشة تمكّنها من النجاة من تلك الحرائق.
في غابات أستراليا اليابسة تماما التي باتت كالهشيم، تضطرم نيران لا تبقي ولا تذر، تلتهم الغطاء الأخضر بسرعة مخيفة، فتكاد تحيل كل شيء أتت عليه إلى رماد، وسرعان ما تخلّف أرضا أفضل قليلا من صحراء يكسوها السواد.
وبينما ترسخ لدى أغلب الحيوانات خوفٌ طبيعي من النيران، يدفعها إلى الهروب من اللهب، فإن ثمة كائنا غريبا يتّبع أسلوبا غير معهود في التعامل مع النيران المستعرة، وهو أنه لا يُحرك ساكنا.
إذ يدخل حيوان "إيكيدنا" (أو القنفذ آكل النمل) ذو المنقار القصير، وهو حيوان غريب صغير الحجم يشبه القنفذ العادي، ويبيض ولا يلد، في حالة من السكون تعرف باسم السبات، وهي حالة من "البيات الشتوي" يلجأ إليها الكثير من الحيوانات لمساعدتهم في حفظ الطاقة. فعندما تدخل قنافذ النمل في حالة من السبات، ينخفض معدل التمثيل الغذائي، وتقلّ درجة حرارة أجسامها.
وهذه الحالة من السبات، وفقا لبحث نُشر في أبريل/ نيسان 2016، توفر لها قدرة عجيبة تُنجيها من حرائق الغابات. وربما تكون هذه القدرة هي التي ساعدت أسلافها في غابر الزمان في النجاة من الانقراض الجماعي (على إثر اصطدام نيزك بالأرض منذ ملايين السنين).
وفي عام 2013، اندلع حريق كارثي في متنزة "وارومبنغل" الوطني، شرقي استراليا. وقد عكفت جوليا نوواك، وكانت آنذاك بجامعة "نيو إنغلاند" في نيو ساوث ويلز، بأستراليا، على دراسة تبعات الحريق.
وقد لاحظت هي وزملاؤها أن قنفذ النمل قصير المنقار كان من بين القلة من الحيوانات الناجية. وحتى في المناطق التي استحالت رمادا، كانت تتجول هذه الثدييات المغطى جسمها بالأشواك في المكان، وكان من الواضح أنها مطمئنة البال.
وتعيش قنافذ النمل في الجحور تحت الأرض، أو في الأغصان التي سقطت من الأشجار، لتبقيها بمأمن من حرارة اللهب. ولكن كثيرا ما يكون للحرائق أثر طويل المدى.
فتتغذى تلك القنافذ غالبا على النمل، ولكن أي وجبة خفيفة من الوجبات ذات الستة أرجل، إما تفرّ من النيران أو تتحمص على إثرها.
وقد دفع ذلك نوواك وزميلها فريتز غيسر للتساؤل: هل تدخل قنافذ النمل في حالة من السبات لتنجو من الحرائق؟
تقول نوواك: "ربما يفضي تحرك الحيوانات بحثا عن طعامها إلى انحصارها في المناطق المشتعلة، أو ربما تصطدم بها الأشجار التي تسقط من جراء الحرائق. ومن ثم فمن المرجح أن يكون لجوء الحيوانات للسبات أثناء نشوب الحريق هو الخيار الأكثر أمنا".
ولمعرفة الحقيقة، استغل الباحثون قيام السلطات بعملية إحراق خاضعة للسيطرة في منطقة وودلاند، جنوب شرق بيرث غربي أستراليا ، وقد استطاعوا أن يحددوا 10 قنافذ آكلة للنمل قصيرة المنقار يعيش بعضها في المنطقة التي كان من المقرر إضرام النار فيها، وبعضها حول هذه المنطقة.
وبالاستعانة بمسجلات صغيرة لدرجات الحرارة زُرعت في بطن القنافذ وأجهزة تعقب متصلة بنظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس) لُصقت على العمود الفقري لتلك الحيوانات، تمكنت نوواك وزملاؤها من مراقبة قنافذ النمل عن كثب طيلة 21 إلى 25 يوما قبل الحريق، وما يصل إلى 31 يوما بعدها. وقد عاش خمسة قنافذ داخل المنطقة المشتعلة وخمسة منها خارجها.
وفي الأيام التي تسبق نشوب الحريق، كانت قنافذ النمل تدخل في نوبات قصيرة من السبات تكاد تكون يومية.
ولكن في الليلة التي اشتعل فيها الحريق، دخلت قنافذ النمل التي تعيش في منطقة الحريق في سبات استمر لعدة أيام، انخفضت فيها درجة حرارة أجسامها لما يصل إلى 20 درجة مئوية طيلة الأيام الـ31 اللاحقة، أي أقل بكثير من درجة حرارة جسمها قبل اشتعال الحريق. وقد استمرت على هذا الوضع ثلاثة أسابيع على الأقل منذ بداية نشوب الحريق.
أما القنافذ التي تعيش خارج المنطقة المشتعلة فلم يتغير نمط حياتها عمّا سبق.
قالت نوواك: "بعد نشوب الحريق، كانت درجة حرارة جسم قنافذ النمل في المناطق المشتعلة أقل في المتوسط من درجة حرارة جسم المجموعة المقارنة".
وربما يكون انخفاض درجة حرارة أجسام قنافذ النمل على هذا النحو قد ساعدها في التأقلّم مع درجات الحرارة المتزايدة، فحتى بعد أن خمدت النيران، وسكن لهيبها ظلت المنطقة تحترق ببطء.
تقول نوواك: "انبعث من الحريق كميات هائلة من الدخان، وبسبب قلّة الغطاء الأرضي، فإن الدخان أصاب الشجيرات والأغصان والأشجار، ما أدى إلى سقوط الأشجار، وظلت الأغصان تحترق لأسابيع بعد خمود النيران".
وتابعت نوواك: "وقد لاحظنا أن الدخان ظل ينبعث من الأشجار حتى نهاية دراستنا، أي بعد 31 يوما من اشتعال الحريق".
ولكن لعلّ الأهم من ذلك، تسمح حالة السبات لقنافذ النمل بتوفير الطاقة، إلى حين عودة الحشرات التي يقتاتون عليها.
تقول نوواك: "يرتبط انخفاض درجة حرارة أجسامها ارتباطا وثيقا بتقليل استهلاك الطاقة. فهو يمكّنها من البقاء في حالة من الخمول لفترة أطول، وبالتالي يمكّنها من البقاء مختبئة وآمنة".
وتسمى قدرة قنافذ النمل على الحفاظ على درجة حرارة منتظمة للجسم ثم التحول إلى درجة حرارة متغيرة عملية "تغيُّر درجة حرارة الجسم".
وهذه الحيلة تعدّ حيلة معتادة تلجأ إليها الكثير من الثدييات الصغيرة، مثل الخفافيش، والسناجب الأرضية، والفئران، فضلا عن بعض الطيور، بما فيها الطيور الطنّانة، فتدخل في سبات قد يمتد من بضع ساعات إلى أسابيع عديدة.
ولكن يبدو أن أغلب أمثلة حالات السبات قد تطورت لتساعد الحيوانات على البقاء على قيد الحياة في فترات البرد القارس. ففي فترات التجمد، يشحّ الغذاء وتبذل الحيوانات طاقة كبيرة للحفاظ على درجة حرارة مرتفعة للجسم.
ويعتقد كل من نوواك وغيسر في الوقت الحالي أن حالة السبات ربما تلعب دورا رئيسيا أيضا في مساعدة الحيوانات في النجاة من الحرائق.
وفي 2015، عملا جنبا إلى جنبٍ مع كلير ستاوسكي، ووجدوا أن فأر أنتيكينوس البني، (من فصيلة الفئران الجرابية الأسترالية)، وهو حيوان صغير آخر آكل للحشرات، يدخل هو الآخر في سبات لفترات أطول في الأيام اللاحقة للحرائق.
ولعدم وجود غطاء تختبئ به ليحميها من الحيوانات الضارية، تنشط هذه الفئران أيضا في الليل بدلا من النهار. وأيضا في عام 2015، وجد فريق نوواك أن حيوانات الأبوسوم الصغيرة، والتي تسمى السناجب الطائرة، تدخل في سبات أثناء العواصف الإعصارية.
ويرى الفريق أن حالة السبات قد تكون أسلوبا أساسيا تلجأ إليه الحيوانات للصمود أمام الكوارث. إذ ربما تكون قد وفرت للثدييات القدرة المميزة التي كانوا يحتاجونها للبقاء على قيد الحياة في أعقاب اصطدام النيزك بالأرض الذي أدى إلى فناء الديناصورات منذ 66 مليون عام مضى.
يقول غيسر إن ما نجم عن ذلك النيزك من انقراض جماعي قد أدي إلى "محو ثلاثة أرباع أنواع النباتات وفصائل الحيوانات من على وجه الأرض. وقد قلّت على إثر ذلك مستويات الضوء وتكررّ وقوع الحرائق طيلة سنة أو يزيد، وقد تأثر بالتأكيد بقاء الحيوانات على قيد الحياة لفترة طويلة من الزمن".
ولكن ربما ساعدت حالة السبات بالفعل الحيوانات. ويقول غيسر: "على الرغم من أن نوبات السبات التي لاحظناها في دراستنا لم تستغرق إلا أياما معدودة، فإن الدراسات السابقة قد أوضحت أن قنافذ النمل قد تدخل في بيات شتوي قد يطول لأسابيع".
وبعد أن تمكنت الثدييات من البقاء على قيد الحياة على الرغم من الظروف القاسية التي سادت في نهاية العصر الطباشيري (الكريتاسي)، فقد تكاثرت لتهيمن على كوكب الأرض.
ويرى الباحثون أن قدرة الحيوانات على تغيير درجة حرارة جسمها قد تطورت في بدايات مراحل تطور الثدييات، قبل أن تنفصل مجموعة قنافذ النمل عن سائر الثدييات.
ويقولون إن بعض الثدييات فقدت القدرة على الدخول في حالة من السبات في مراحل لاحقة فقط، وربما يُعزى ذلك إلى أن هذه القدرة لم تعد تحتاجها بسبب أحجامها أو تغير أساليب حياتها.
يقول تايلر ليسون، عالم الحفريات بمتحف دينفير للطبيعة والعلوم في كولورادو، وهو لم يساهم في هذا البحث: "إن الفكرة التي مؤداها أن حالة السبات ربما تكون ساعدت بعض مجموعات الثدييات في النجاة من الانقراض الجماعي الذي حدث في فترة الحدّ الفاصل بين نهاية العصر الطباشيري والعصر الثلاثي المبكر، فكرةٌ منطقية إلى حدّ كبير".
وأضاف: "لم يكن على هذه الحيوانات أن تتعامل فقط مع الانبعاثات الحرارية المفاجئة والحرائق التي نشبت عقب اصطدام النيزك بالأرض، بل كان عليها أيضا التعامل مع الشتاء النووي اللاحق الذي نتج عن انفجار الشظايا وانتشارها في الجو، والتي كان من شأنها أن حجبت أشعة الشمس لأشهر عديدة".
وتابع: "ويعدّ أسلوب دخول الحيوانات في حالة من السبات أسلوبا ناجحا سواء في حالة اندلاع الحرائق أو انخفاض درجات الحرارة لتصل إلى التجمد".
وربما لا تكون الثدييات هي الوحيدة التي تدخل في حالة من السبات، فيقول ليسون: "في الواقع، تدخل حيوانات أخرى تمكنت من النجاة من الحدث الكبير الذي وقع في الفترة الواقعة بين نهاية العصر الطباشيري والعصر الثلاثي المبكر، في حالة من السبات، ومن بين هذه الحيوانات السلاحف والتماسيح".
ولكن، على الرغم من أن الطريقة التي تنتهجها قنافذ النمل في مواجهة الحرائق الهائلة بالاسترخاء وعدم المبالاة، قد تكون ميزة مكنتها من البقاء، إلا أنها لا تجدي نفعا في كل مرة.
ففي أثناء هذه الدراسة، وجد فريق نوواك ثلاثة قنافذ آكلة للنمل ماتت على إثر الحريق. وقد كانت إحدى هذه القنافذ من بين الحيوانات التي كانوا يتعقبونها، والتي يبدو أنها دخلت في حالة من السبات داخل غصن سقط من إحدى الأشجار واشتعلت فيه النيران.
وقد أوضح بحثٌ سابق أن قنافذ النمل قد تستيقظ من سباتها وتفرّ سريعا عندما يهدّدها الدخان المتصاعد. ففي الواقع، في الغصن المشتعل نفسه كان يرقد قنفذ آخر آكل للنمل، ولكنه استيقظ وهرب، أما رفيقه فلم يحالفه الحظ.


المصدر : بي بي سي العربية

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن