لويس غصن شابٌ تخطى المئة من عمره يتحدث عن رسالية العمل

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Friday, August 5, 2011

"غدي نيوز" – أنور عقل ضو

ثلاث سنوات بعد المئة، ولما يزل حاملاً ألق الشباب وان خانه الجسد قليلا فأقعده عن السير دون مساعدة ابنة شقيقه، أو اضطر في لحظة تعب لكي تقرأ له جريدة الصباح، انه الدكتور لويس غصن رئيس بلدية محطة بحمدون السابق، الموسوعي بثقافة لا يعتريها وهن أو ضمور، حتى تحار من اين الدخول الى عالمه، كطبيب حاز شهادة الطب من جامعة ليون سنة 1939 مارس المهنة بهالة رسولية؟ أم كأديب نظم الشعر واصدر دواوين؟ أم كناقد ومؤلف لم يتوان عن تأليف وطبع كتاب تصدى فيه لـ "بدعة الطابق المر"؟ أم كسياسي واكب القائد كمال جنبلاط منذ تأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي على مدى ست سنوات؟ أم كرجل مارس العمل العام بروحية الفارس حتى غدا أيقونة محطة بحمدون؟

"غدي نيوز" التقت الدكتور غصن في دارته وهو لما يزل يقدم النصح وكأنه لم يستقل من العمل العام، حتى أن مكتبه في بلدية محطة بحمدون يمثل قيمة رمزية وان حال وضعه الصحي دون ان يتواجد فيه يومياً، فهو ظل مواكبا لهموم ناسه وبلدته على مدى ثلاث عشرة سنة، كرئيس غير منتخب بعد ان خصه الرئيس الحالي اسطه ابو رجيلي بلفتة فيها الكثير من الوفاء كي يبقى في الموقع الذي احب ووهبه سني حياته.
الدكتور لويس غصن من "مواليد 1908 في قرية صغيرة في المتن الاعلى اسمها عين موفق"، ويصر على انه "من عائلة متواضعة تعمل في الزراعة وافخر انني ابن فلاح، درست المرحلة الابتدائية في بلدة العبادية، في مدرسة تابعة لمطرانية بيروت المارونية".

ويقول عن هذه المرحلة: "لم يكن هناك برنامج تعليمي، كان الاستاذ هو من يعد هذا البرنامج، وانا مدين له فهو كان يشدد على ثلاثة امور: الخط العربي وكان يمنعنا من الكتابة بالقلم العادي (ستيلو) كي لا نعدم الخط، وكنا نستعيض عنه بريشتين واحدة للكتابة بالفرنسية وثانية للعربية وكنا نغط الريشة بدواة الحبر ونكتب، ومن ثم كان يعتمد على تقوية ذاكرتنا من خلال حفظ الشعر العربي، اضافة الى قواعد اللغة العربية".
بعدها انتقل غصن الى الجامعة الوطنية في مدينة عاليه وكان الاديب مارون عبود استاذه، فيقول "انا مدين له بثقافتي ولغتي العربية وبميلي للادب العربي ونظم الشعر"، ويضيف: "في الجامعة الوطنية تغيرت كليا فهذه الجامعة كانت حاملة اسمها، فقبل الدخول الى الصفوف كنا نجتمع في القاعة العامة وكان لدينا خمس عشرة دقيقة، لانشاد صلاة علمانية وليس صلاة دينية، او ان يخطب أحدهم فينا عن موضوع وطني، وتعلمنا اناشيد وطنية، اذكر منها: "أمة العرب اذكرينا واندبي ما فات... كيف ننساك وفيك نسمة الحياة"، و "سوريا يا ذات المجد والعزة في ماضي العهد... ان كنت لنا اهنى مهد فثراك لنا اهنى لحدِ"، وهذا ما خلق في داخلنا الجو العربي القومي".

وأردف: ومن ثم انتقلت الى الـ "الليسيه الفرنسية" في بيروت، وهناك كانت الروح الوطنية أقل حضورا، ولكن رغم ذلك كنا ننظم التظاهرات ضد الانتداب الفرنسي ولم يكن يسألنا المعلمون لماذا تظاهرتم ضد الانتداب، وكانت ثمة روح ثقافية واسعة في بيروت وحركة نسائية عظيمة جدا هدفها تحرير المرأة، واذكر من النساء الرائدات زميلة لنا في الليسيه وهي الاديبة نظيرة زين الدين، وألفت كتابها الاول "السفور والحجاب" وكانت ما تزال في المدرسة، وأتبعته بكتاب آخر "الفتاة والشيوخ" كان بمثابة رد على رجال الدين، واذكر في عاليه المربية عفيفة صعب التي اسست "مدرسة الصراط" وحبوبة حداد وادفيك شيبوب ونجلا الكفوري، وكان لهذه الحركة اهمية كبيرة في التطور الاجتماعي في لبنان والشرق.

ومن ثم انتقل غصن الى فرنسا لدراسة الطب، ويقول عن هذه المرحلة: "درست الطب في مدينة ليون، وتخرجت سنة 1939 قبل الحرب العالمية الثانية بأيام قليلة، وأذكر أن الطبيب المسؤول قال لنا وهو يودعنا (تذكروا انكم كاطباء لا تختصون بوطن ولا بدين ولا بطائفة... انتم للانسانية جمعاء)".

أما لماذا لم يتابع التخصص في مجال الطب، فيقول: "بعد عشرة أيام من تخرجي بدأت الحرب العالمية وبقيت في محطة بحمدون، وكانت ظروف العمل صعبة جداً، لا ادوية ولا مواصلات ولا املك سيارة، وكنت اضطر ان اذهب لاعاين المرضى سيرا على الاقدام في قرى الجرد والمتن الاعلى، وهذا واجبي كطبيب، وواجهنا في تلك مشكلة الملاريا ولم تكن هناك ادوية والحكومة لا تتحرك". وأضاف: "الطب رسالة، لكن من حمل هذه رسالة بشكل كبير هو (طبيب الضيعة) وليس طبيب المدينة، فهذا (خواجة) يستقبل المريض على الدوام او يرفض استقباله، لكن (طبيب الضيعة) يطرق بابه بعد منتصف الليل".

ويتذكر غصن يوم أوكل اليه اطباء متابعة ومراقبة الرئيس ايوب تابت: "كان من طينة كمال جنبلاط ذا نزعة تصوفية وقال لي يوما (لو بيستلم عني كمال بك)، لكن هل يعقل ان ايوب تابت الذي كان رئيسا للجمهورية يواجه المرض في آخر ايامه ويضطر الى بيع بيته في محطة بحمدون ليفي الديون المتراكمة عليه، وباع منزله بسعر رخيص جدا، وقال لي (منيح اللي بعت بيتي لانني لو لم افِ الدين ماذا كانت حالتي لو مرضت وانا مديون)، هذا ايوب تابت الذي كان رئيس جمهورية لبنان، اين نجد مثل هكذا انسان؟ نجده عند شخص مثل كمال جنبلاط".

ولا ينسى الدكتور لويس "تأثير فرنسا علي"، وقال: "كان كبيراً فقد خففت من الشعور القومي لصالح الشعور الانساني العام والاشمل، وبعد عودتي من فرنسا حاملاً معي افكارا جديدة دخلت مع كمال جنبلاط في المرحلة الاولى لتأسيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وبقيت معه ست سنوات ومن ثم استقلت لاسباب خاصة، وكنت معه في كل الاجتماعات واللقاءات في الباروك ودير القمر وطرابلس وبيروت".

وأشار الى انه "بقي على مودة مع كمال بك"، لافتاً الى أن "الانسان اوسع من الحزب، لذلك قدمت استقالتي، ورحم الله كمال جنبلاط ما كان يرفض لي طلباً وما زلت احتفظ بكتاب شكر منه"، ويتحدث عن الحرب الاهلية عامي 1975 – 1976: "بعد انفلات الامن دعوته الى الغداء وسالته: "كيف ساحافظ على امن محطة بحمدون؟" فاجابني: "انشئ جاز امن خاص بك وانا اؤمن لك السلاح"، قلت له: "لا يمكنني ان انشئ جهاز امن حزبي"، فقال: "انشئ جهاز الامن الذي تريد"، فقمت باستحداث جهاز أمن اسميته "حراس البلدية" وضم 16 شابا من مختلف الطوائف وحافظت على الامن الى حين دخول الجيش السوري".

لم يكن الدكتور لويس غصن في وارد الترشح لرئاسة المجلس البلدي، فقد كان منكبا بكليته لعمله طبيب، فضلاً عن أنه ابن بلدة عين موفق في المتن الاعلى، وهي ملاصقة لمحطة بحمدون، ذلك ان الطريق الدولية هي الحد الفاصل بين قضاءي بعبدا وعاليه تبعا للتقسيم الاداري الذي كان قائما خلال حكم القائمقاميتين، لكن لهذا الامر قصة يرويها الدكتور غصن، على النحو الآتي: "انا لست من محطة بحمدون وانا ماروني ولست ارثوذكسيا، ومحطة بحمدون غالبيتها ارثوذكس، في فترة كانت هناك تحضيرا للانتخابات البلدية، وكان هناك ثلاثة اشخاص هم من اسس محطة بحمدون: أمين عبد النور، شكرالله ابو رجيلي وامين نعمان متى، وهم كانوا ابرز وجوه وفاعليات البلدة، وقد طلبوا مني ان اوافيهم الى دارة امين عبد النور، الذي بادرني بالقول "سنكلفك بالبلدية، بدك تتعب، والناس سيشتموك وخدمة العموم صعبة"، قلت له "هذا شرف لي"، تسلمت البلدية، وكان ثمة مال كثير في صندوقها، وفي اول اجتماع قلت للاعضاء نحن لسنا مجلسا بلديا نحن عائلة وهذا المال سنصرفه في مشاريع تنموية، وكل القرارات كانت بالاجماع في ما عدا قرار واحد لم يكن مقتنعا به امين نعمان متى، قلت هذا القرار لا يمكن ان نسير به، لكن بعد اسبوع عاد وذكرني بالقرار وقال لي انا معكم فتم اقراره".

وقال: "كنت اضطر للعمل في البلدية على حساب عملي كطبيب، يمكن ان اقول "البلدية خسَّرِتْني".

وفي رؤيته للعمل البلدي، يقول: "يجب ان يكون الانسان محبا للخدمة العامة والطبيب خدمة عامة ايضا، ومن ثم عليه التضحية بصحته ووقته، ويجب ان يكون صادقا مع نفسه، بمعنى انه يجب ان يبدأ الانسان بتطبيق القانون على نفسه اولا، وكان لدي دستور في حياتي وهو انني لا اقبل (الواسطة) لان من يلجأ الى (الواسطة) ليس من معه القانون من يكون القانون معه ليس بحاجة لواسطة احد، من يريد (الواسطة) هو من يريد ان يخالف، لذلك لم اظلم احدا واعطيت كل ذي حق حقه".

وأضاف: "تعبت كثيرا في البلدية لكنني حققت الكثير من المشاريع والبركة الان برئيس البلدة اسطه ابو رجيلي، وما انجزته لم يكن لخير محطة بحمدون فحسب وانما لخير وصالح المنطقة"، واكد على "الدور الثقافي والتربوي للمجالس البلدية...".

ويخلص غصن الى قناعة بأن "على كل انسان مهما كانت مهنته ان يعمل باخلاص فالعمل رسالة".

وعن سر العمر المديد، قال: "كنت ادخن والسيجارة كانت قتلتني منذ اربعين سنة وعندما تركتها استعدت صحتي"، واضاف مازحاً "سبيت الدين لمن اخترعها واحضرها وباعها".

نشر بالتزامن مع جريدة "السفير" اللبنانية
في 5 آب (اغسطس)
 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن