عندما "تتعَوْلم" المونة

Ghadi news

Saturday, August 20, 2011


أنور عقل ضو

حتى "المونة" تعولمت! اصبحت صناعة وتخصص، غابت النسوة عن الاسطح وهن يفركن "الكشك" قبل تشميسه، ولا من يقدد ويجفف التين والعنب واللوبياء، ولا مواقد لصناعة رب البندورة ولا معاصر لدبس العنب، ولا تقطير لماء الورد والزهر والقصعين، وما عاد ثمة من يقصد الاحراج لقطف الصعتر البري وتنقيته و"تغنيجه" بالمكسرات والسماق، ولا من "يُلْقِمُ" الخروف عشبا ليسمن سريعا لتقديد لحمه وتحضير "القاورما"، ولا دجاج يسرح في صحن الدار، اختفت "نملية" الخشب في المطبح التي كانت تحفظ فيها الاطعمة، واندثرت لصالح موجات الحداثة والـ "مايكرووايف"، "جرن الكبة" تحول نوعا من الديكور، يزين القصور وقاعات الاستقبال.

باختصار، افتقدت القرية اللبنانية تراثها، هويتها، عاداتها، صار ايقاعها اسرع على طريقة الــــــ "فاست فود" والـــ "ديليفري".

نعم، لم تعد "مونة" الشتاء حاضرة الا في ما ندر "عندما ترحل أماً أو جدة تغيب معها البركة"، هكذا يقول أبناء القرى.

لكن، تبقى "مونة" الشتاء حاجة لا يمكن الاستغناء عنها، لا سيما في القرى البعيدة والنائية التي ما زال ابناؤها يعتمدون قطاع الزراعة كمورد للرزق. في هذه البيئة حافظ المواطنون على "تقاليد المونة" كنمط حياة من جهة، ولمواجهة ظروف المناخ الصعبة شتاء من جهة ثانية.

صحيح أن ثمة عودة الى "مونة" القرية، فالناس حتى في المدن ما عادت تغريهم الفاكهة في غير اوانها، ولا الخضار المعالجة في معلبات، فهم يقصدون القرى الجبلية لتأمين المونة بكل اصنافها، لكن "المونة" تحولت صناعة ومورد رزق لربات البيوت لتأمين لقمة العيش.

وسط موجات الحداثة، عمدت المجالس البلدية والجمعيات الاهلية والنسائية الى تنظيم معارض للمونة الجبلية، وهي بدأت تستقطب الجمهور الخليجي والمصطافين وهذا ينعكس ايجابا على الواقع الاجتماعي في القرى لان هذه الصناعة تؤمن مصدر رزق اضافيا.

في المقابل، كثرت المحال التجارية التي لا تبيع الا المونة التقليدية، من الكشك والكبيس على انواعه والكشك الاخضر المحفوظ بالزيت ورب البندورة والخبز المرقوق والبيض البلدي، وهي تلقى إقبالا بدليل انتشار الكثير من المؤسسات والمحال المتخصصة في هذا المجال.

لكن اذا امعنا النظر في تطور انماط الحياة في الريف اللبناني، نجد أن المونة اصبحت او تكاد لزوم ما لا يلزم، وهي سائرة الى زوال، مع تقدم عجلة التطور وثورة الاتصالات وعالم "الفايسبوك" والاستستهال بدلاً من التعب في تحضير المونة المجبولة بـــــــــ "بعرق العافية".

عندما "تتعَوْلم" المونة، نفقد بعضا من هويتنا، تراثنا، ذاكرتنا، تأخذنا الحداثة إلى "الكشك" المطور جينياً، ونغدو مجرد أرقام في اقتصاد السوق!

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن