أزمة النفايات في لبنان الى تفاقم...

Ghadi news

Saturday, January 27, 2018

الاخصائية خليل تحذر من اعتماد المحارق
الحل الانسب بالمعالجة البيولوجية وتوسيع معامل الفرز والتسبيخ

"غدي نيوز"

      

        غزو النفايات لشاطىء الزوق الاسبوع الماضي، كان مشهدا صادما ومشوها لواجهة لبنان، ومهما اختلفت الآراء السياسية والبيئية حول مصدرها، سواء كان من حوض نهر الكلب أو من البلديات المجاورة، إلا أن الثابت هو أن لبنان بلد يعاني من أزمة نفايات شوهت جباله ووديانه وطرقه عبر المكبات العشوائية، كما لوثت مياهه بسبب تسرب المياه المبتذلة، وكذلك هواؤه بفعل عمليات الحرق العشوائي.

       عوامل عدة ساهمت بتفاقم تلك الأزمة، بدءا من سوء إدارة هذا الملف وعدم اعتماد الحلول العلمية المعتمدة في معظم دول العالم، وصولا الى إمكانية اعتماد "المحارق"، وهي تقنية معقدة ومكلفة جدا وبحاجة الى تشريعات قانونية وإدارية لمراقبة عملها.



سمر خليل


       موضوع النفايات في لبنان مر في عدة مراحل، وفقا لما تشير إليه الاخصائية في الإدارة البيئية في الجامعة الاميركية في بيروت الدكتورة سمر خليل، إذ أنه بعد انتهاء الحرب في لبنان عام 1997 تم اعداد خطة طوارىء لمعالجة النفايات فأنشىء مطمر الناعمة الذي كان مهيأ للاستخدام لمدة عشر سنوات. لكن الخطة لم تنجح بسبب كمية الفرز التي اقتصرت على 10 في المئة فيما تم طمر ما نسبته 90 في المئة".

       وأوضحت ان 53 بالمئة من النفايات عضوية، و30 بالمئة من المواد التي يمكن اعادة تدويرها، والنسبة المتبقية تذهب الى المطمر"، وقالت: "اذا فرزنا من المصدر فسيتم تدوير بين 70 و 80 بالمئة من النفايات، وتذهب نسبة 20 الى 30 بالمئة الى المطمر"، مؤكدة إن طمر 90 بالمئة زاد في المشكلة"، معربة عن أسفها "لان هذه السياسة لا تزال متبعة حتى الان".

       وأشارت إلى "أن الشركة التي كانت ملتزمة ملف النفايات سابقا، طالبت الدولة بتوسيع مراكز الفرز لكنها لم تتجاوب معها، مع العلم أنه حين تم تلزيم موضوع الفرز في منطقتي بيروت وجبل لبنان كانت كلفة توسيع المعامل ملحوظة، لكن الى الان لم يحصل ذلك".

       وتابعت: "في العام 2006 وضعت خطة لادارة النفايات، تقضي بأن يكون في كل قضاء مركز فرز وتسبيخ، وفي كل محافظة مطمر، وتم اختيار المواقع واعداد الدراسات عن الاثر البيئي عليها، منها ما تم القبول به ومنها ما رفض، ورغم ذلك لم تطبق الخطة، تارة بحجة أنها مكلفة والتمويل غير متوفر والتي كانت حسب تقدير مجلس الإنماء والإعمار 300 مليون دولار، لكن التدخل السياسي أطاح بتلك الخطة، إذ كان مقررا أن تذهب نفايات بيروت وجبل لبنان الى منطقة حبالين في جبيل وهذا ما رفض، وانتقل الخيار إلى منطقة الشوف وتم رفضه ايضا".

       وأشارت إلى أنه "في العام 2010 تم تعديل الخطة بادخال تقنية (المحارق) في بيروت وجبل لبنان والمدن الكبيرة، وأكدت أن الوفد الذي زار لبنان من البنك الدولي عام 2006 اعتبر أنها الأنسب مع امكانية توليد الطاقة من قلب المطمر، ولاحظ الوفد حينها ان تقنيات المحارق ليست افضل الحلول وهي الأعلى كلفة".

       وأعلنت انه في العام 2015 أعدت وزارة البيئة، بالتعاون مع الاتحاد الاوروبي، دراسة لتقييم الأثر البيئي الاستراتيجي لخطة ادارة النفايات، حيث تمت مقارنة عدة تقنيات من ناحية الكلفة المادية والصيانة وامكانية إيجاد فرص عمل، وهذه الدراسة أوصلت الى نتيجة بأن الحل الأنسب للنفايات في لبنان هي تقنية المعالجة البيولوجية بالتزامن مع الفرز من المصدر مع إمكانية استعمال المطامر".

       وأكدت خليل "ان معظم الدراسات التي أعدت توصلت الى ان المحارق ليست الحل الانسب للنفايات في لبنان، مستندة الى ان اتفاقية ستوكهولم الدولية تؤكد ان الملوثات العضوية الثابتة خطيرة جدا، لا تتفكك في الطبيعة وتنتقل من مكان الى آخر في الهواء وعلى الارض وعلى الأعشاب التي تتناولها الحيوانات، فتدخل الى جسم الانسان عن طريق اللحوم أو الألبان او الأبان، وبالتالي تخزن هذه الملوثات في الأنسجة الدهنية في جسم الانسان، خصوصا عند الرجال وتبقى في الجسم، وبالنسبة الى المرأة، فان هذه الملوثات الثابتة تنتقل الى الجنين اذا كانت حاملا أو عبر الرضاعة"، مؤكدة أن "المحارق تعتبر احدى أهم المصادر لتلك الملوثات وخصوصا مادة (ديوكسين) وغيرها."

       وعن اعتماد المحارق في عدد من البلدان، قالت: "في حال وجودها، فهي محاطة بقوانين وتشريعات صارمة، والقطاع الذي يعمل في المحارق يراقب الملوثات الخارجة منها، ويأخذ عينات ليتم فحصها في مختبرات متخصصة لها، كما أن هناك مجموعة من الفلاتر، إذ أنه لكل ملوث فيلتر معين، هذا بالاضافة الى وجود غرفتين اضافيتين للحرق في حال طرأت أي مشكلة"، لافتة إلى أن "الحرارة يجب ان تبقى في الغرفة الاولى 850 درجة والثانية تكون من 1100 الى 1200 درجة، ويجب أن لا تنخفض عن هذا المستوى ما يتطلب وجود الكهرباء بشكل متواصل، على أن تكون طاقتها ما بين 8000 إلى 9000 آلاف كيلو وحدة حرارية

       وأوضحت أنه "ينتج من المحارق الرماد المتطاير، وهو على درجة عالية من الخطورة، ويأتي من تجزئة المعادن الثقيلة والملوثات ومن رماد القاع، الذي يحتاج بدوره الى معالجة دقيقة وفي مختبرات معينة".

       وعما حصل على شاطىء الزوق الاسبوع الماضي من "غزو للنفايات" تقول خليل: "المسألة ليست وليدة اليوم، هناك أسباب عدة لما حصل، لعل أبرزها هو المكبات العشوائية والمنتشرة في الوديان المجاورة وحوض نهر الكلب، وقد جرفت الأمطار النفايات الى البحر، إضافة الى سبب آخر قد يكون شارك في تفاقم الازمة فمنذ فترة وقبل بناء الحاجز البحري كانت النفايات ترمى في مكب برج حمود، ومما لا شك فيه أنها ذهبت الى البحر دون معالجة، والنتيجة إنها عادت الينا".

       ولم تستبعد خليل أن يكون الحاجز البحري في مكب برج حمود منخفضا نسبيا أو تحطم ما ادى إلى ظهور النفايات بهذا الشكل.

       وأكدت أن "إنشاء مكب بحري أصعب بكثير من انشاء مكب على الارض، فالأول يتطلب إنشاء كواسر للموج وضبط أكثر حتى لا تتسرب عصارة النفايات التي تحتوي على البكتيريا ومواد عضوية ومعادن ثقيلة وأمونيا ومواد بيولوجية وكيمائية، ومن المؤكد أن تسرب العصارة له آثار سلبية على البحر وعلى المياه الجوفية، وعليه فإن النفايات التي تذهب الى المياه وخصوصا البلاستيك تقتل كل ما في الماء وتتحول الى مادة تسمى MICROPLASTIC، اذا ما تحللت يأكلها السمك، ومن ثم نتناولها نحن مع الأسف فناكل بلاستيك متحلل، فتعود كل النفايات إلينا ضمن السلسلة الغذائية، هذا بالإضافة الى النفايات التي تتسرب الى الطحالب البحرية، لذا علينا ان لا نستغرب ان تكون نسبة مرضى السرطان في لبنان هي الأعلى على مستوى العالم".

       وأعلنت خليل "إن الدراسات العلمية أثبتت أن الافراد الذين يسكنون بالقرب من المحارق يعانون من بطء وتأخر ذهني، عدا عن وجود تأثير كبير على جهاز المناعة ما يؤدي الى تشوهات خلقية".

       وسألت: "لماذا لا تلتزم المؤسسات التي تتولى معالجة موضوع النفايات بمرسوم تقييم الأثر البيئي الذي تم اعداده عام 2012 والذي يمنع القيام بأي مشاريع قبل دراسة الاثر البيئي لها، وذلك للتخفيف من الآثار السلبية المحتملة"، مشيرة إلى "وجود ما يقارب ألف مكب عشوائي يتم فيها حرق النفايات بشكل عشوائي، ما يؤدي الى انبعات مواد مسرطنة وغيرها".
       وقالت: "نستطيع تأهيل بعض المكبات واستعمالها كمطامر صحية، بطريقة هندسية معينة يجب اعتمادها عند إنشاء أي مطمر، ومنها وضع مادة عازلة تحت أي نوع من النفايات ووضع (نظام) يأخذ عصارة النفايات الى خزان، حيث من الضروري وجود محطة لمعالجة المياه قبل ان ترمى في اي مكان، عندما نطمر مواد عضوية، فاننا نعزل عنها الأوكسجين فتتحلل وينتج عنها غازات، هذا الغاز يولد نوعا من الإنفجار اذا لم توجد قساطل معينة".
       وعن الحل المناسب لمعالجة النفايات، رأت خليل ان "الأولوية هي في العمل على: التخفيف من انتاج النفايات، الفرز من المصدر، التخفيف من استعمال البلاستيك، وضع ضريبة على أكياس النايلون، إيجاد محفزات اقتصادية، ولعل الاهم هو العمل على توسيع معامل الفرز والتسبيخ، وذلك بالتعاون مع البلديات بدل الذهاب الى أغلى التقنيات".

       وأكدت "أن المحارق ليست الحل الانسب، لان نفاياتنا غير مفرزة، ونسبة 53 بالمئة منها عضوية ومليئة بالرطوبة"، مشيرة الى "أن المحارق ستحرم من العمل 7000 عائلة يعتاشون من اعادة التدوير في المصانع، إذ أن المواد التي يتم حرقها ستتسبب بخسارة للصناعيين الذين يضطرون الى استيراد الورق والنفايات من الخارج".


       المصدر: الوكالة الوطنية للإعلام

 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن