خاص "غدي"... هل تحل الخفافيش مشكلة الملاريا؟

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Wednesday, March 7, 2018

خاص "غدي"... هل تحل الخفافيش مشكلة الملاريا؟

"غدي نيوز" – سوزان أبو سعيد ضو -

      

       في بداية القرن العشرين، وضع الطبيب والأخصائي في الأحياء الدقيقة تشارلز كامبل Charles Campbell نصب عينيه هدفا، وهو تخليص ولاية تكساس من الملاريا بطريقة مثيرة للجدل، باستخدام عدو البعوض الأول الناقل للملاريا أي الخفافيش!

       وكانت خطة كامبل بسيطة، فمن المعروف أن الخفافيش تأكل البعوض، واعتقد أنه إذا تمكن من إغراء الآلاف من الخفافيش للعيش في المناطق الموبوءة بالملاريا، فإنها قد تتمكن من مكافحة هذا المرض الخطير الذي يتسبب بوفاة ملايين الأشخاص حول العالم سنويا.

 

تجارب فاشلة

 

وبعد سنوات من التجارب الفاشلة باستخدام نظرية لجذب الخفافيش باستخدام صناديق صغيرة، في محاولة لتدجينها أسوة بالنحل، وجد أن هذه النظرية غير مقبولة لدى الكائن البري الغريب، وأدرك أنه لم يفهم الخفافيش بما فيه الكفاية لتوفير المنازل المناسبة، لكنه لم يصب باليأس، فأمضى أشهرا يدرس الكهوف والأماكن التي تتواجد فيها الخفافيش لمعرفة الأنواع المطلوبة أكثر من غيرها، وقرر بعدها أن يبني  برجا في مدينة سان أنطونيو، حيث كان يعاني 90 بالمئة من السكان المحليين من الملاريا، وأطلق على البرج اسم "التمثال الخاص بي"  my monument بارتفاع 30 قدما (حوالي 9 أمتار) يحتوي رفوفا مائلة، مزودة بأقمشة تم وضعها على الجدران مشبعة بماء الجبن وذرق الخفافيش، ووضع أكثر من 50 كيلوغراما من ذرق الخفافيش الطازج ووجبة جاذبة عبارة عن ثلاث قطع من لحم الخنزير المعالج لجذب أكبر عدد من هذه الخفافيش، وقد كلفه هذا النصب 500 دولارا، لكن للأسف لم ينجح هذا المشروع أيضا، وأمسك بحوالي 500 خفاش وحبسها داخل البرج، آملا باستقطاب الخفافيش ولكن لم يتمكن من ذلك بل نجح باستقطاب مئات من طيور "السنونو الإنكليزي" English Sparrows وعاد ليفكك البرج ومن ثم باعه بمبلغ 45 دولارا.

شعر كامبل بالإمتعاض والإحباط، بعد سنوات من الجهد وفشله في جذب الخفافيش فعلق ممارسته الطبية وترك أسرته لقضاء بعض الوقت وحده في جبال غرب تكساس، والتفكير في الخطأ الذي حدث، وأمضى أشهرا في دراسة الكهوف غير المأهولة وتلك المأهولة بالخفافيش، لمعرفة سبب اختيار الخفافيش كهوفا بعينها، وخلص إلى أن موقع البرج كان أحد عيوبه، وأشار بعد دراسة أخرى إلى أن الخفافيش تفضل التكاثر بالقرب من المياه، وبحلول الوقت الذي عاد فيه إلى منطقة سان أنطونيو، شعر كامبل بأنه اكتشف ما يكفي من الأمور التي تفضلها الخفافيش لبناء برج كان على ثقة من أنه سيجذبها.

 

وسائل جذب وتنفير الخفافيش

 

اختار بعدها بحيرة ميتشيل Mitchell Lake، على بعد 10 أميال (15 كيلومترا) جنوب سان أنطونيو، كموقع له جديد ومحسن لمكان تكاثر الخفافيش، وقال كامبل في وقت لاحق: "لا يمكن أن يكون المستنقع في الأراضي المنخفضة أسوأ"، فإن مياه الصرف الصحي في المدينة المتدفقة في البحيرة وبرك التسرب المائي خلقت ظروف تكاثر البعوض الأمثل، فقد كان المكان الذي كان فيه المسافرون يهربون من مضايقات البعوض، وعاش المزارعون المستأجرون الذين عاشوا من الأرض المحيطة بالبحيرة يعانون من هذه الظروف من الربيع إلى الخريف، وقد توالد البعوض بأرقام هائلة دفعت المزارعين في بعض الأحيان لهجر حقولهم المستأجرة، وترك المحاصيل للخراب، وعانت مواشيهم أيضا، فقد كانت الأبقار هزيلة وأنتجت القليل من الحليب، وكانت أعراف الدجاج شاحبة ولم تضع البيض، وبالكاد نجت عائلة من عدوى الملاريا، وحدثت حالتين أو أربع وفيات كل عام.

وفي ربيع عام 1911، وهي السنة التي تم فيها بناء برج خفافيش جديد، تم فحص 87 البالغين والأطفال الذين يعيشون حول كافة أنحاء البحيرة، كان هناك ثمانية وسبعون مصابا بالملاريا.

لم يزر كامبل برجه الجديد لعدة أشهر، بعد أن كان واثقا هذه المرة من نجاحه في جذب الخفافيش في محاولة لإنهاء المعاناة التي رآها بين المزارعين المستأجرين من بحيرة ميتشيل، وفي الرابع من يوليو (تموز)، بينما كان آخرون يحتفلون بعيد استقلال الولايات المتحدة الأميركية، راقب كامبل برجه بعد ظهر اليوم، وفي الساعة 7:20 مساء، رأى ما كان ينتظره طويلا، فقد استغرق العمود من الخفافيش الناشئة خمس دقائق كاملة لمغادرة موطنه الجديد، وكرر هذا الأمر في المساء التالي.

عزم كامبل على ملء برجه الجديد بأسطول من الخفافيش التي تقضي على الملاريا، ولفت انتباهه إلى نزل للصيد على بعد حوالي 500 ياردة (457 مترا)، وجد أن الخفافيش استولت عليه خلال فصل الصيف عندما كان موسم البط قد انتهى ولم يعد يستخدمه الصيادون لم تستخدمه، وعلى الرغم من أن التجارب السابقة فشلت في حمل الخفافيش على ترك أماكن تكاثرها بشكل دائم واستقرت في برجه الجديد، كان كامبل مستعدا لتجربة شيء آخر.

وافترض أن الخفافيش تحصل على طعامها معتمدة على حاسة السمع المتطورة للغاية، وثمة أنواع معينة من الأصوات تسبب لها مغادرة ملاذها وعدم العودة، لافتا إلى أن الخفافيش تتردد على الكنائس وأجراسها الطنانة، وخمن لاحقا أن  الموسيقى باستخدام الآلات النحاسية قد توفر المقياس الصحيح من الإزعاج لآذان الخفافيش الحساسة، وحيث أن النزل الذي اختارته الخفافيش على بعد بضع مئات من الأمتار، قال انه "يشعر بالثقة أن الخفافيش سوف تتحرك بامتنان بعيدا عن النزل باستخدام النوع المناسب من الموسيقى المزعجة لها"، وبمساعدة صديق متحمس، بدأ كامبل اختبار مئات من التسجيلات، ووقع اختيارهما على فالس Cascade of roses  باستخدام آلات موسيقية نحاسية، كانا متأكدين من قيامها بهذه المهمة.

 

القضاء على الملاريا

 

وبدءا من الساعة الرابعة صباحا، صدحت الموسيقى في النزل، واستقبلتها خلال عودتها الساعة 5:00 صباحا، وأفاد كامبل أن الخفافيش المندهشة دارت حول المبنى مرارا وتكرارا قبل التخلي عنه والإختفاء قبل الفجر، واستؤنف الحفل في صباح اليوم التالي، وكرر كامبل التجربة في منزل مزرعة مهجور قريب احتله الخفافيش، وهذه المرة اختفت الخفافيش مع المقطع الأول قبل وقت ظهورها المعتاد، ووجد أنها هجرت الموقعين، ولحظ بعد سنتين أن برجه بدأ يمتلئ بالخفافيش وأفراخها.

وفي العام 1913، استقطبت تجربته الإيطاليين الذين أتوا للتحقق من تجاربه، وفي نفس السنة تم الإبلاغ عن مليون حالة ملاريا في الجنوب الأميركي، واستخدمت فيها " تقنيات روس" للقضاء على أماكن تكاثر البعوض، التي طورها الجراح البريطاني رونالد روس، الذي تأكد أن بعوضة الأنوفيليس هي الناقل للملاريا، واستخدم الأساليب الكلاسيكية في مكافحة البعوض، بتصريف المياه من التربة والبرك الراكدة، وفحص المباني، والاستخدام المنتظم للناموسيات على الأسرة، وعزل المرضى المصابين.

 وتابع كامبل الملاريا خلال ست سنوات ووجد أن بحيرة ميتشل خالية من الملاريا وبتكاليف أقل من "تقنيات روس"، وانتشر نجاح تجربة تفريخ الخفافيش وقد احتوى البرج وفقا لكامبل أكثر من ربع مليون خفاش، وتم بناء 14 من هذه الأبراج سبعة منها في إيطاليا، وساهمت بالقضاء على المرض أينما تم وضعها.

كان الدكتور كامبل، مخترع برج الخفافيش، والرائد في مجال الطب، وعالم الخفافيش بالصدفة، مسؤولا عن إنقاذ مئات الأرواح من الملاريا، وأصدر مجلس مدينة سان أنطونيو في حزيران (يونيو) من العام 2014 مرسوما يجعل من غير القانوني لأي شخص أن يقتل الخفافيش داخل حدود المدينة، وتم فرض غرامات من 5 إلى 200 دولار لكل من يقتل الخفافيش، وساهم بالتالي بحماية لكافة الخفافيش على مستوى ولاية تكساس، حتى انتشار مرض السعار الذي يمكن أن ينتقل بواسطتها.

لم يدافع كامبل أبدا عن استخدام الخفافيش كوسيلة وحيده لمكافحة الملاريا؛ إلا أنه كان يجادل بأن الخفافيش يمكن أن تقوم بهذه المهمة بتكلفة أقل وبذل جهد إنساني، وفي النهاية، يكافأ المجتمع ببعض أفضل الأسمدة الطبيعية للحدائق.

وتم ترشيح كامبل لجائزة نوبل، ولكن رغم توثيق النتائج، لم يتم إثبات طريقته بصورة علمية، وتوفي كامبل في العام 1931بعد مراقبة للخفافيش لأكثر من 30 عاما، وبعد أن أثبت أن الخفافيش يمكن أن تتعايش مع البشر، وجعل حياتنا أفضل بسبب ذلك.

 

المصادر: Trips into history، UIW، Texas Mosquito، Bats Magazine.

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن