مدينة قلهات التاريخية في سلطنة عمان على قائمة التراث العالمي

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Saturday, September 29, 2018

نموذج مميز لعمارة وتخطيط مدن الموانئ في العصور الوسطى

"غدي نيوز"

عمم إتحاد وكالات الانباء العربية (فانا)، ضمن الملف الثقافي، تقريرا أعدته وكالة الانباء العمانية، عن مدينة قلهات التاريخية التي أدرجت على قائمة التراث العالمي . وجاء في التقرير ما يلي:

"تكللت جهود السلطنة ممثلة في وزارة التراث والثقافة والمندوبية الدائمة للسلطنة لدى منظمة اليونسكو في إدراج موقع مدينة "قلهات" الأثرية على قائمة التراث العالمي في اليونسكو.

جاء ذلك في إطار الحرص الدائم للسلطنة في إبراز تراثها الحضاري والثقافي والإنساني والتعريف بالقيمة الاستثنائية المتمثلة في أصالته كتراث ثقافي عالمي ترشيح موقع المدينة لإدراجها ضمن القائمة العالمية. كما جاء إدراج موقع مدينة قلهات التاريخية على قائمة التراث العالمي وهو الموقع العماني الخامس في هذه القائمة خلال الدورة الثانية والأربعين للجنة التراث العالمي التي عقدت في العاصمة البحرينية- المنامة خلال الفترة من الرابع والعشرين من حزيران وحتى الرابع من تموز 2018 بمشاركة وفد السلطنة. وهذا الادراج بمثابة تأكيد من المجتمع الدولي ومنظمة اليونسكو على أهمية هذه المدينة العريقة التي حافظت على مستوى عال من الأصالة.

اللواتي
وأكد مستشار السلطان قابوس وزير التراث والثقافة لشؤون التراث حسن بن محمد اللواتي، أن هذا الاعتراف الدولي جاء ليعزز المكانة التاريخية للمدينة وللدور المهم الذي لعبته في تاريخ المنطقة، إذ تعتبر مدينة قلهات الأثرية أول عاصمة اتخذها مالك بن فهم الأزدي مقرا له، وكانت لاحقا العاصمة الثانية لمملكة هرمز خلال الفترة بين القرنين الحادي عشر والخامس عشر نظرا لموقعها الاستراتيجي المهم، ما أكسبها أهمية تاريخية بسبب الدور الكبير الذي قامت به في تنشيط الحركة التجارية لمملكة هرمز في الخليج العربي والمحيط الهندي، إذ تفوقت خلال تلك الحقبة الزمنية على غيرها من المدن المجاورة.

وأوضح اللواتي أن هجر المدينة بالكامل بدايات القرن السادس عشر، ساهم بشكل أساسي في حفظ أصالة الموقع حيث بقيت جميع عناصر المدينة محفوظة بالكامل، وبالتالي فإن المدينة تعتبر نموذجا مميزا لعمارة وتخطيط مدن الموانئ التي نشطت في العصور الوسطى.

مندوبة السلطنة في اليونسكو
من جهتها، قالت المندوبة الدائمة لسلطنة عمان لدى منظمة اليونسكو: "إن إدراج موقع مدينة قلهات الأثرية على قائمة التراث العالمي في اليونسكو يأتي في إطار المساعي التي تبذلها السلطنة في صون تراثها الثقافي الضارب في جذور الحضارة البشرية".

وأشادت "بالجهود المبذولة من قبل الجهات المعنية في صون التراث الثقافي بنوعيه المادي وغير المادي"، وقالت: "اننا نشعر بالارتياح إزاء الدعم الدولي الذي تحظى به ملفات السلطنة لإدراجها على قوائم التراث العالمي".

وتعتبر مدينة قلهات التي تقع في ولاية صور في محافظة جنوب الشرقية، احدى العواصم القديمة لعمان وتوجد فيها آثار مهمة وشواهد بعضها لا يزال باقيا إلى اليوم، أهمها الجامع الكبير وضريح "بيبي مريم" وبعض الأبنية الأثرية والسور الخارجي.

وقد انتهت وزارة التراث والثقافة أخيرا من وضع واعتماد خطة إدارة مدينة قلهات الأثرية التي تهدف الى حماية الموقع والحفاظ عليه واستدامته من خلال الاستثمار السياحي ونشر الوعي المجتمعي بأهمية المدينة الأثرية ومراقبة الموقع لضمان عدم التعدي عليه وتنفيذ القوانين والتشريعات المحلية والدولية المعتمدة لحماية مواقع التراث العالمي.

ويأتي نجاح السلطنة في إدراج مدينة قلهات الأثرية ضمن قائمة اليونسكو بعد نجاحها على مدى ثلاثة عقود في إدراج أربعة مواقع أثرية على القائمة المذكورة وهي: قلعة بهلا (1987م)، موقع بات والخطم والعين (1988م) ، مواقع أرض اللبان (2000م) ونظام الري بالأفلاج (2006م) الذي يشمل خمسة أفلاج وهي دارس والخطمين والملكي والميسر والجيلة.

وتسعى السلطنة على الدوام للمضي قدما في صون تراثها الثقافي بنوعيه المادي وغير المادي من خلال تسجيله لدى اليونسكو والتعريف به.

النوفلي
وأكد مدير قطاع دائرة الثقافة في اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم الدكتور حميد بن سيف النوفلي، لـ"وكالة الانباء العمانية"، ان موقع قلهات الأثري يمثل أهمية تاريخية كبيرة لعمان والمنطقة على حد سواء، وله قيمة استثنائية عالمية حيث كان البوابة الاقتصادية كميناء بحري للتبادل التجاري بين عمان وحضارات العالم القديم، ويمثل إدراجه في قائمة التراث العالمي اعترافا من دول العالم والمجتمع الدولي بان هذه المدينة تشكل تراثا ثقافيا للإنسانية".

وقال: "هذا الادراج توج جهودا عديدة سبقت في ادارة هذا الموقع واعداد الخطط اللازمة له وصونه والحفاظ عليه، وقد عرض الملف على لجنة التراث العالمي في اجتماعها الحالي في المنامة، وبفضل الله تعالى كانت كل الملاحظات ايجابية وكل الدول الأعضاء في اللجنة أيدت ادراج هذا الملف ولم توجد معارضة، وهذا يدل على أن الموقع قد استوفى المعايير الفنية المطلوبة للإدراج، وأن دول العالم تقدر الجهود والسياسات المعتدلة التي تنتهجها السلطنة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد".

وأوضح أن مدينة قلهات لها تاريخ طويل وكانت احدى العواصم السياسية لعمان والمدينة الاقتصادية الثانية بعد صحار، باعتبارها ميناء بحريا يطل على بحر عمان والمحيط الهندي ولها خطوط تجارية مع دول آسيا وشرق افريقيا وإيران والعراق مما فتح الباب أمام التبادل التجاري والحضاري مع أمم وشعوب تلك الدول.

وأشار النوفلي الى أن المدينة "اتخذها حاكم هرمز العاصمة الثانية لحكمه، وقد توفي ودفن فيها. ويؤكد هذا وجود شواهد قائمة حتى الآن، إذ أقامت له زوجته "بيبي مريم" ضريحا، وهو من المعالم الباقية، يتميز بزخزفته ونقوشه من الداخل.. كما يوجد في الموقع بقايا لمسجد كبير ولمبنيين صغيرين على شكل أضرحة صغيرة وبقايا من سور المدينة بالإضافة إلى جزء من الحمامات".


وأفاد أن الموقع يقع على مساحة كبيرة على شاطىء البحر ويبعد عن العاصمة مسقط 150 كيلومترا وعن مدينة صور 22 كيلومترا، وكانت المدينة ملهمة بموقعها كما أنها كانت محطة مهمة للرحالة والمستكشفين، حيث زارها الرحالة ابن بطوطة ووصف أسواقها بأنها كانت تصدر منها الجياد العربية والبهارات وبعض البضائع كما زارها البوكيرك وماركوبولو وغيرهم".

المقبالي
من جهته، قال مدير دائرة مواقع التراث العالمي في وزارة التراث والثقافة سلطان بن علي المقبالي: "إن إدراج مدينة قلهات الأثرية على قائمة التراث العالمي يمثل اعترافا دوليا بأهمية المدينة التاريخية وكذلك استيفاؤها لمعايير القيمة الاستثنائية العالمية واحتفاظها بأصالتها التي نجمت عن هجر سكانها لها في بدايات القرن السادس عشر بعد الغزو البرتغالي".

وأشار الى أنه "تم إدراج المدينة على القائمة الوطنية التمهيدية في العام 1988 وبدأ العمل في اعداد الملف عام 2013م، حيث تضافرت جهود وزارة التراث والثقافة وجهود بعض الجهات الاخرى من أجل إعداد ملف متكامل لترشيح المدينة لإدراجها على قائمة التراث العالمي لتسليمه الى مركز التراث العالمي. وقد شملت مرحلة إعداد الملف القيام بزيارات ميدانية لبعض المواقع المشابهة وتجميع المصادر والمعلومات التي من شأنها دعم وتقوية ملف الإدراج بالتعاون مع جميع الجهات المعنية"، مؤكدا أن كل الجهود تكللت بقبول الملف من قبل مركز التراث العالمي بعد تسليمه ووضعه لمناقشة إدراجه ضمن أعمال اجتماع لجنة التراث العالمي الحالي في مملكة البحرين والذي أسفر عن إدراجه ليكون الموقع العماني الخامس على قائمة التراث العالمي".

وتقع مدينة قلهات التاريخية على مسطح جبلي وهي تأخذ شكل المثلث، كما أنها ذات موقع استراتيجي محمي بتضاريس طبيعية ويحدها من الغرب الجبال الشاهقة ومن الجهة الشمالية الشرقية البحر كما يحدها من الجهة الشمالية الغربية الخور و"وادي حلم".

وفي العام 2003 بدأت الأعمال الأثرية في الموقع فشملت المسوحات والحفريات الأثرية بعض أجزاء المدينة حيث تم المسح الأثري بالتصوير الجوي والرسم، شاملا المقبرة الإسلامية الواقعة إلى الجنوب من ضريح بيبي مريم.

وقد توالت أعمال تنظيف وإظهار أسوار المدينة التاريخية وإظهار الطرق والممرات التي تخترق البيوت والمرافق الأخرى التي تحويها المدينة، من قبل وزارة التراث والثقافة في العامين 2008 و2009.. كما تم إبراز الجدار المواجه للشارع العام والأبراج التي تتخلل بعض أجزائه، حيث من الملاحظ أن هذه الجدران بنيت باستخدام الحجارة غير المشذبة وبدون استخدام مادة لاحمة.

ورافقت أعمال المسوحات تنقيبات أثرية عند السور الشمالي الغربي للمدينة على ضفة "وادي حلم" اكتشف خلالها بناء شبه مربع تتوزع فيه أربع غرف حول فناء في الوسط، وتوجد في هذه الغرف أحواض متصلة بأنابيب فخارية. وتبين أن هذه المنشأة ما هي الا مرفق للاستخدام يجلب له الماء من البئر المجاور ويصب في حوض خارج المبنى ومن ثم تنساب المياه الى داخل أنابيب فخارية وبعده الى الحمامات وهي طريقة لم يعرف لها مثيل سابقا في عمان. ويوجد أسفل هذه الحمامات خزانات، وربما كانت لها وظيفة لتصريف المياه لاتصال الخزانات بتلك الغرف عن طريق أنابيب فخارية، وتكثر في هذه الخزانات آثار الحرق.

كما رافقت أعمال المسوحات والحفريات على البر أعمال مسوحات تحت البحر للتحقق من أي آثار غارقة تحت الماء، وكانت نتائج المسح مبشرة، حيث تم التقاط مؤشرات عديدة تدل على وجود آثار غارقة ربما تكون لسفن او أجزاء خشبية ربما تكون لبقايا سفينة.

كما تم العثور على مجموعة من المراسي الحجرية تحت مياه البحر بالقرب من شاطئ قلهات، برهنت على العمق الاستيطاني لموقع مدينة قلهات التاريخية. وأهم هذه الأدوات "مرساة" عثر عليها عام 1998 م وهي من حجر الكلس ولها ثقب واحد ولا يقل وزنها عن 40 كيلوغراما تقريبا، وقد استخدمت هذه النوعية من المراسي خلال الفترة الممتدة بين الألفين الثالثة والأولى قبل الميلاد.

موسوعة عمان


وأشار تقرير وكالة الانباء العمانية، الى "موسوعة عمان في التراث العربي" للباحث الدكتور هلال بن سعيد الحجري، وهي ثلاثة أجزاء، الصادرة عن دار بيت الغشام للصحافة والنشر والترجمة والإعلان. وقد حمل كل جزء من الأجزاء عنوانا ثانويا وفقا للموضوع الذي يتحدث عنه، فقد جاء الجزء الاول تحت عنوان "موسوعة عمان في التراث العربي عيون الأدباء"، الثاني تحت عنوان "موسوعة عمان في التراث العربي في عيون المفسرين والمحدثين والفقهاء واللغويين والأطباء"، فيما حمل الجزء الثالث عنوان "موسوعة عمان في التراث العربي في عيون المؤرخين والنسابة والجغرافيين والرحالة".

ويذكر المؤلف في مستهل كتابه، أن عمان لم تكن مجهولة في التراث العربي، فحين نتصفح مصادر هذا التراث تظهر لنا عمان جغرافيا ومعرفيا أول أرض تشرق فيها الشمس في خارطة العالم العربي؛ ذلك أن حضورها يمتد عميقا في مختلف مضان الثقافة العربية القديمة: الشعر الجاهلي، وتفاسير القرآن الكريم، ومسانيد الأحاديث الصحيحة، وأمهات تاريخ الأدب العربي، والتاريخ، والجغرافيا، وأدب الرحلة.

ويضيف الحجري: "حاولت في هذا المشروع استقصاء حضور عمان، أرضا، وثقافة، ولغة، وعلماء، وشعراء؛ فكانت أهم مصادر التراث العربي كريمة في احتضان هذا الحضور. وكان الحضور ثريا ومضيئا يليق بهذا البلد الذي لم يكتف بشغل الخلفاء والأمراء فحسب، وإنما شغل رموز التراث العربي بمختلف مشاربهم.

وقال: "إنها لمفخرة عظيمة لعمان أن يأتي ذكرها على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث، وإنه لشرف لها أن يتردد ذكرها في أفواه صحابته الكرام، وإنه لتخليد لاسمها أن يلهج به فطاحل الشعراء منذ الجاهلية إلى العصر الحديث، وإنه لكنز عظيم ما خلفه علماء اللغة، والأدب، والتاريخ، والجغرافيا، والطب، وهم يتحدثون عن لغة أهل عمان، وشعرائها، وخطبائها، وملوكها، وأسواقها، ونضالها في مواجهة الطامعين والغزاة، واستقلالها، واتساعها الجغرافي، وجبالها، ومدنها، وبحارها، وجواهرها، ونخيلها، ونباتاتها الطبية".

ويذكر الحجري أن كل هذا الحضور سيجده القارئ في هذا العمل بأجزائه الثلاثة؛ الأول الذي يتناول حضور عمان في دواوين الشعراء، ومصادر الأدب العربي الشهيرة. والثاني الذي يتتبع حضورها في تفاسير القرآن الكريم، ومسانيد الأحاديث الشريفة والكتب التي تم شرحها، ومعاجم اللغة العربية، وكتب الفقه الإسلامي، وبعض المصادر الطبية. والثالث الذي يستقصي ذكر عمان في مصادر التاريخ، والأنساب، والجغرافيا، والرحلات.

ويعقب الحجري بالقول: "لا أزعم بهذا العمل أني أحطت بكل ذكر لعمان في مصادر التراث العربي، ولكني بذلت قصارى جهدي في استقصاء ذلك؛ ولا شك عندي أن ثمة مصادر أخرى تحدثت عن عمان ولم أطلع عليها، ولعل الطبعات اللاحقة لهذا العمل ستستدرك هذا النقص. لم يكن الاشتغال على هذا المشروع سهلا؛ فقد استغرق سنوات من الجهد في تتبع عمان في مصادر التراث، ورغم أن كثيرا من هذه المصادر أصبح متوفرا إلكترونيا ما سهل علي عملية التحقق والنقل، فإن بعضها غير متوفر، وقد استلزم ذلك وقتا كثيرا في الكتابة والتوثيق. وكطبيعة أي عمل موسوعي، لم أشتغل في هذا العمل بتحليل النصوص الواردة فيه؛ وإنما كان وكدي استقصاء ذكر عمان في هذه النصوص، وحسبي منه أنه يحقق هدفين مهمين: أحدهما أن عمان ليست بلدا طارئا في خارطة العالم العربي؛ بل هي ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وثانيهما أن العزلة التي فرضتها الجغرافيا على عمان لم تكن عائقا لاتصالها بحواضر العالم الإسلامي، بل كانت نفسها حاضرة من هذه الحواضر التي اشتعلت بنور الله وجهود علمائها ومثقفيها".

ومن الصور التي تشكلت عن عمان في التراث العربي ما يسميه الحجري بـ"صورة الملاذ الآمن"، وهو يتحدث عن ذلك قائلا: "ربما لبعدها ونأيها عن نفوذ السلطات المستبدة خصوصا في العصرين الأموي والعباسي، كانت عمان ملاذا آمنا لبعض الشعراء العرب الذين فروا إليها خوفا من البطش والظلم. ولعل أول شاعر هاجر إلى عمان، حقنا للدماء وطلبا للأمن، هو قيس بن زهير العبسي الذي هاجر إلى عمان بعد حرب "داحس والغبراء" في الجاهلية. ذكر هجرته هذه ابن منظور في لسان العرب، حيث يقول: "وشاعكم السلام كما تقول عليكم السلام، وهذا إنما يقوله الرجل لأصحابه إذا أراد أن يفارقهم، كما قال قيس بن زهير، لما اصطلح القوم: يا بني عبس شاعكم السلام فلا نظرت في وجه ذبيانية قتلت أباها وأخاها، وسار إلى ناحية عمان وهناك اليوم عقبه وولده". ويؤكد هجرة قيس أيضا ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ" و لكن بتفصيل آخر".

وتابع الحجري: "قيل: إن قيس بن زهير لم يسر مع عبس إلى ذبيان، وقال: لا تراني غطفانية أبدا وقد قتلت أخاها أو زوجها أو ولدها أو ابن عمها، ولكني سأتوب إلى ربي، فتنصر وساح في الأرض حتى انتهى إلى عمان فترهب بها زمانا، فلقيه حوج بن مالك العبدي فعرفه فقتله وقال: لا رحمني الله إن رحمتك" .

وفي العصر الأموي كثر الشعراء الذين فروا من بطش الحجاج بن يوسف وغيره من ولاة بني أمية، فكان الملاذ الآمن لهم في الغالب عمان وإن طالتهم أيدي الحجاج أحيانا. من هؤلاء الشعراء عمران بن حطان، وهو شاعر كما ذكر أبو الفرج الأصفهاني في أغانيه خرج من العراق "فنزل بعمان بقوم يكثرون ذكر أبي بلال مرداس بن أدية ويثنون عليه ويذكرون فضله فأظهر فضله ويسر أمره عندهم وبلغ الحجاج مكانه فطلبه فهرب فنزل في روذميسان- طسوج من طساسيج السواد إلى جانب الكوفة - فلم يزل به حتى مات وقد كان نازلا هناك على رجل من الأزد فقال في ذلك:

نزلت بحمد الله في خير أسرة أسر بما فيهم من الإنس والخفر
نزلت بقوم يجمع الله شملهم وما لهم عود سوى المجد يعتصر
من الأزد، إن الأزد أكرم أسرة يمانية قربوا إذا نسب البشر
وأصبحت فيهم آمنا لا كمعشر بدوني فقالوا من ربيعة أو مضر
أو الحي قحطان وتلك سفاهة كما قال لي روح وصاحبه زفر
وما منهم إلا يسر بنسبة تقربني منهم وإن كان ذا نفر
فنحن بنو الإسلام والله واحد وأولى عباد الله بالله من شكر.

ومنهم سوار بن المضرب السعدي من بني سعد بن زيد مناه بن تميم. عارض الحكم الأموي أيام الحجاج بن يوسف الثقفي في الكوفة، فطلبه الحجاج ليقتله، فاستطاع أن يهرب وينجو منه إلى عمان كما يؤكد ذلك المبرد في كتابه الكامل. وهو يقول في ذلك:

أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي وقومي تميم والفلاة ورائيا

وقد أورد الأخفش الأصغر في "كتاب الاختيارين" لسوار بن المضرب هذه القصيدة التي يحن فيها إلى المواطن التي وجد فيها السكن والأمن في عمان:

ألم ترني وإن أنبأت أني طويت الكشح عن طلب الغواني
أحب عمان من حبي سليمى وما طبي بحب قرى عمان
علاقة عاشق وهوى متاحا فما أنا والهوى متدانيان
تذكر ما تذكر من سليمى ولكن المزار بها نآني
فلا أنسى ليالي بالكلندى فنين وكل هذا العيش فان
ويوما بالمجازة يوم صدق ويوما بين ضنك وصومحان
ألا يا سلم سيدة الغواني أما يفدى بأرضك تلك عان
وما عانيك يا ابنة آل قيس بمفحوش عليه ولا مهان
أمن أهل النقا طرقت سليمى طريدا بين شنظب والثمان
سرى من ليله حتى إذا ما تدلى النجم كالأدم الهجان
رمى بلد به بلدا فأضحى بظمأى الريح خاشعة القنان

ومن هؤلاء الشعراء الذين هربوا إلى عمان ساعة المحنة والخوف على النفس كعب بن معدان الأشقري. قال أبو الفرج في أغانيه: "ونسخت من كتاب النضر بن حديد لما عزل يزيد بن المهلب عن خراسان ووليها قتيبة بن مسلم مدحه كعب الأشقري ونال من يزيد وثلبه ثم بلغته ولاية يزيد على خراسان فهرب إلى عمان على طريق الطبسين". وقال:

وإني تارك مروا ورائي إلى الطبسين معتام عمانا
لآوي معقلا فيها وحرزا فكنا أهل ثروتها زمانا

ومنهم أيضا السمهري العكلي، وهو شاعر فتاك كانت له غارات على القوافل، وقبض عليه وسجن أكثر من مرة وانتهى أمره بالقتل، له قصائد في أشعار اللصوص وأخبارهم. يقول في أبيات يمتدح فيها حاجب بن المفضل بن المهلب بن أبي صفرة عامل عمان لعمر بن عبد العزيز، حيث ضاقت به الدنيا فلم يجد متسعا يفر فيه من ملاحقة الشرطة له:

أقول لأدنى صاحبي نصيحة وللأسمر المغوار ما تريان
فقال الذي أبدى لي النصح منهما أرى الرأي أن تجتاز نحو عمان
فإن لا تكن في حاجب وبلاده نجاة فقد زلت بك القدمان
فتى من بني الخطاب يهتز للندى كما اهتز عصب الشفرتين يمان
هو السيف إن لا ينته لان مسه وغرباه إن خاشنته خشنان"

ويذكر الدكتور الحجري صورة أخرى تشكلت عن عمان في التراث العربي هي "صورة الرزق وطيب العيش"، حيث يقول: "ثمة حديث متداول في مصادر التراث العربي وهو "من تعذر عليه الرزق فعليه بعمان". ونجد في ديوان الشعر العربي أمثلة عديدة تؤكد أن بعض الشعراء العرب جاء إلى عمان طلبا للرزق ونشدانا للحياة الكريمة. ولعل الشاعر الجاهلي أعشى قيس كان أول الشعراء العرب الذين فاؤوا إلى عمان طلبا للرزق والحياة الكريمة؛ فقصائده تثبت أنه زار الجلندى بن كركر ملك عمان أواخر الجاهلية ومدحه طلبا في كرمه وعطاياه. وهذا ليس بمستبعد لأن الجلندى كان أيضا شاعرا وملكا مشهورا شأنه شأن المناذرة في العراق والمنذر بن ساوى في البحرين، وكانت سيطرته على سوقي دبا وصحار، وهما من أسواق العرب الشهيرة آنذاك، فكان يعشر التجار فيهما، ولا يبيع الناس في هاتين السوقين حتى يبيع الجلندى ما لديه من بضاعة. يقول الأعشى:

وصحبنا من آل جفنة أملاكا كراما بالشام ذات الرفيف
وبني المنذر الأشاهب بالحيرة يمشون غدوة كالسيوف
وجلنداء في عمان مقيما ثم قيسا في حضرموت المنيف

وفي قصيدة ميمية من بحر المتقارب يمدح بها قيس بن معدي كرب، يدور هذا الحوار بين الأعشى وابنته:

تقول ابنتي حين جد الرحيل أرانا سواء ومن قد يتم
أبانا فلا رمت من عندنا فإنا بخير إذا لم ترم
ويا أبتا لا تزل عندنا فإنا نخاف بأن تخترم
أرانا إذا أضمرتك البلاد نجفى وتقطع منا الرحم
أفي الطوف خفت علي الردى وكم من رد أهله لم يرم
وقد طفت للمال آفاقه عمان فحمص فأوريشلم

وفي عهد البويهيين الذين حكموا عمان خلال النصف الأول من القرن العاشر الميلادي وبداية القرن الحادي عشر، نجد أهم شاعرين وصفا رخاء العيش وطيبه، وإن كان مقتصرا في ظننا على بلاط بني مكرم، وهما أبزون العماني ومهيار الديلمي. يقول أبزون معبرا عن هناء عيشه في عمان تحت ظل السلطان أبي القاسم مؤيد الدولة:

ها إن أرض عمان أنفس بقعة
ومؤيد السلطان أكرم صاحب
ما زال إما في صدور مجالس
يبني العلاء وفي قلوب مواكب
والى أياديه صرفت مطامعي
وعلى معاليه وقفت مطالبي

وكان مهيار الديلمي أكثر وضوحا في وصف هذا الرخاء الذي اتسم به بلاط بني مكرم في عمان. ومن قصائده الرائعة التي مدحهم بها هذه البائية:

وحبك من وفي العهد باق على بعد يحيل أو اقتراب
هوى لك في جبال أبان ثاو وأنت على جبال عمان صابي
وكان المجد أعود حين يهوي عليك من المهفهفة الكعاب
وإن وراء بحر عمان ملكا رطيب الظل فضفاض الرحاب
رقيق عيشه عطر ثراه بطراق الفضائل غير نابي
متى تنزل به تنزل بواد من المعروف مرعي الجناب
يقول لي الغنى ورأى قعودي عن السعي الممول والطلاب
أما لك في بحار عمان مال يسد مفاقر الحاج الصعاب

ويقول مهيار في موضع آخر يمدح به أبا القاسم مؤيد الدولة:
ورأت عمان وأهلها بك ما أغنى الفقير وأمن المثري
صارت بجودك وهي موحشة أنس الوفود وقبلة السفر

وفي النصف الأول من القرن التاسع عشر نجد شاعرا عراقيا اسمه جعفر القزويني - 1265 هـ / - 1848 م، واسمه جعفر بن باقر بن أحمد بن محمد الحسيني القزويني. من مشاهير شعراء عصره. ولد في النجف ونشأ فيها، ولكن تكالبت عليه الدنيا فأثقل بالديون، فرحل إلى مسقط مادحا سلطانها سعيد بن سلطان، فأدركته منيته فيها. يقول معبرا عن الدين الذي أثقل كاهله، ودعاه إلى عمان مادحا سلطانها:

لما رماني الدهر بالنوب الشدائد والهزاهز
والان صعدتي التي صلبت وما لانت لغامز
ودعاني الزمن الخؤون بأهله هل من مبارز
قالت لي الآراء والفكر الثواقب في الغرائز
شرق وسل عن ماجد يعطي الجواهر بالجوائز
فإذا بلغت إلى سعيد في عمان فلا تجاوز
واعلم بأن أبا هلال عن مرادك غير عاجز
يوليك ما ترجو ولا يثنيه عنه غمز غامز
فتعود مقضي الديون إلى العراق وأنت فائز
ويجيز ما ترجو ببذل صادق الدفعات ناجز

الجدير بالذكر أن هذه الموسوعة دشنتها وزارة الإعلام، التي دعمت طباعتها وصدرت عن دار بيت الغشام في معرض مسقط الدولي للكتاب الذي شهد هذا العام إصدارات عمانية عديدة في مختلف ضروب المعرفة والأدب والفن.

كتاب الأوسمة والنياشين والميداليات

وذكر تقرير "وكالة الانباء العمانية"، ان هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية أصدرت كتاب "الأوسمة والنياشين والميداليات في سلطنتي عمان وزنجبار"، ضمن إصداراتها في الجزء الثالث عشر من سلسلة البحوث والدراسات في الوثائق الوطنية والدولية، الذي يبرز جانبا من الجوانب الحضارية والتاريخية لمسيرة عمان والعمانيين عبر مختلف العصور.

يقع الكتاب في (325) صفحة ويتكون من مقدمة وأربعة أبواب، يتناول الباب الأول أوسمة ونياشين وميداليات سلطنة زنجبار، فيما يتحدث الباب الثاني عن أوسمة وميداليات سلطنة عمان، والباب الثالث يتحدث عن الأوسمة والنياشين والميداليات الأجنبية الممنوحة لسلاطين عمان وزنجبار. أما الباب الرابع فيحكي عن أوسمة ونياشين وميداليات ممنوحة لشخصيات عمانية.

كما يضم الإصدار أربعة ملاحق: الأول صور للسلطان قابوس بن سعيد، والملحق الثاني صور الاحتفال باليوبيل الفضي لسلطان زنجبار خليفة بن حارب، والثالث صور لبعض سلاطين عمان وزنجبار وعدد من الشخصيات، والملحق الرابع وثائق لسلطنة عمان وسلطنة زنجبار.

ومن المؤمل في الاصدار أن يعد مرجعا أساسيا يرتكز على حقائق كثيرة تخدم الباحثين والمهتمين إلى جانب رفد المكتبات المحلية والعالمية بمجموعة من الإصدارات التي تستند إلى الوثائق والحقائق.

يأتي الاصدار ضمن سلسلة البحوث والدراسات في الوثائق الوطنية والدولية، إضافة إلى عدد من الإصدارات والكتيبات الأخرى وإلى مجموعة من الوثائق في ركن الهيئة في المعرض.

وقال رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية الدكتور حمد بن محمد الضوياني: "إن إصدار الكتاب يأتي انطلاقا من اهتمام هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في سعيها الدؤوب نحو التعريف بالجوانب الحضارية والتاريخية لعمان في المجالات كافة، من خلال اعتمادها على تدعيم بحوثها ودراساتها باستغلال الوثائق والخرائط والصور والرسومات والمخطوطات وكل أشكال وأنواع المواد العلمية والفكرية، التي تعين في إظهار موضوعات البحث والدراسة وتقديمها بصورة تبرز الحقائق التاريخية التي ارتكزت على دلائل الإثبات والتي لا تدع مجالا للتأويل أو التهويل، وإنما تسهم في قراءة الواقع من خلال ما تقدمه الوثائق من مصداقية للحقائق والكشف عن موضوعات وحقائق مجهولة لدى أفراد المجتمع".

وأضاف: "ان الهيئة تمضي قدما في سبيل نشر المواد العلمية والبحثية، فما زلنا ندعو الباحثين والدارسين والمؤسسات العلمية إلى الاستفادة من خدمات البحث العلمي التي تقدمها الهيئة وتوجيه طلاب الدراسات العليا ومختلف الباحثين إلى الاعتماد على الوثائق والمحفوظات المتوفرة في تعزيز بحوثهم ودراساتهم، فإن الهيئة تعول على الباحثين في هذا المجال بجانب ما تقوم به من إعداد دراسات علمية وأعمال بحثية تصدرها على هيئة كتب وسلاسل أكاديمية وإصدارات فكرية وعلمية ترفد من خلالها المكتبات العامة المحلية والمكتبات العالمية".

وأوضح "أن الهيئة في هذا الصدد، يسرها أن تقدم جهدا آخر ارتكز على ما أتيح للهيئة من الوثائق والصور والدراسات للتعريف بالأوسمة والنياشين في سلطنة عمان وسلطنة زنجبار، حيث يمتد تاريخهما وفقا لما لدى الهيئة من الوثائق من عام 1857م في عهد السلطان ماجد بن سعيد بن سلطان، سلطان زنجبار، فضلا عن الأوسمة والنياشين والميداليات في سلطنة عمان والتي ظهرت بشكل واسع من حيث عددها وأنواعها في عهد السلطان قابوس".

وأشار إلى "أن جهدا كبيرا بذل في إعداد الكتاب للبحث في وثائق الهيئة التي تتناول في بعضها تاريخ النشأة وتفاصيل كل وسام أو نيشان أو ميدالية والوثائق، تؤكد بالإشارة إلى الأشخاص الذين نالوا شرف الحصول عليها، وأثبتت الوثائق تبادل السلاطين في عمان وزنجبار للأوسمة والنياشين مع الملوك ورجالات الدولة كما تقلدوا الأوسمة والنياشين والميداليات تقديرا لجهودهم في جوانب عديدة وقد حملها السلاطين في مناسبات عدة وقد حظي الجانب الدبلوماسي بنصيب وافر من السفراء والقناصل المعتمدين في سلطنة عمان وسلطنة زنجبار".

وقال الضوياني: "إن القيمة الحقيقية التي تكمن في الكتاب هي ما تضمنه من وثائق لدى الهيئة، لم تتح للباحثين بهذه الصورة رغم ما كتب في بعض منها عن تاريخ الأوسمة والنياشين. ولهذه الغاية فقد دأبت بحثا وتتبعا واستخراجا وزيارات عمل ميدانية لإظهار هذا العمل بصورته البهية ما يساعد القارئ على الحصول على معلومات إضافية في مجال الأوسمة والنياشين والميداليات بمختلف أنواعها".

وذكر "أن للأوسمة والنياشين تاريخا أصيلا ضاربا بجذوره في عمق التاريخ، فهي دلالات تكريم وتشريف واستحقاق وجدارة على مر الزمان. فحقا لكل من ينال شرف حملها أن يفتخر بهذا التكريم والإنعام. وللوسام تاريخ لا يمكن سرده أو حصره في صفحات معدودة إلا أنه ينبغي ذكره والإشارة إليه حتى ينتفع به كل متعطش للعلم والمعرفة. وكانت الأوسمة في بداياتها عبارة عن أوسمة عسكرية دينية ظهرت إبان الحروب الصليبية وأطلق عليها مصطلح "نسق"، ثم تطورت لتصبح أوسمة استحقاق وجدارة في ما بعد، وتم استحداثها بشكل أوسع من السابق. وقد خلدت الوثائق التاريخية التي في حوزة هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية التاريخ الحافل للأوسمة والنياشين العمانية، حيث يعود تاريخ استحداث أول نيشان عماني إلى عام 1857م من قبل السلطان ماجد بن سعيد، وقد أطلق عليه نيشان الكوكب الدري الذي ظل متوارثا من قبل السلاطين العمانيين في زنجبار حتى عام 1960م. وما يميز النيشان في كل عهد هو وجود إضافات متفردة على النيشان تشير الى السلطان الحاكم في تلك الفترة كالطغرائية السلطانية أو صورة السلطان وغيرها. وظهر النيشان المجيدي الذي لا يقل عمرا عن نيشان الكوكب الدري".

وتابع: "بعض الأوسمة العمانية استحدثت لتخلد فترة زمنية محددة كالنيشان الحمودي نسبة إلى السلطان حمود بن محمد البوسعيدي، ونيشان العلية نسبة إلى السلطان علي بن حمود البوسعيدي، إضافة إلى النيشان السعيدي الذي ظهر في كل من سلطنة عمان وسلطنة زنجبار. ليس هذا فحسب فقد ظهرت العديد من الميداليات كالميدالية العسكرية وميدالية حكومة زنجبار وغيرها الكثير. وظهر نيشان الشرف السعيدي في سلطنة عمان في عهد السلطان تيمور بن فيصل البوسعيدي في عام 1913 لينعم به على كل من يظهر الولاء والإخلاص في خدمة الدولة، إضافة إلى العديد من الميداليات العسكرية في عهد السلطان سعيد بن تيمور".

ولفت الى ان نطاق الأوسمة والنياشين توسع في العهد الزاهر للسلطان قابوس بن سعيد، وتعددت مجالات منحها واستحقاقها، فقد خصصت للعسكريين والمدنيين والمجيدين في المجالات العلمية والفنية والأدبية. ومن هذه الأوسمة وسام آل سعيد، ووسام عمان ووسام الامتياز ووسام الشرف الأعظم ووسام النعمان وغيرها الكثير. وخلد الجزء الأكبر منها المناسبات والأعياد الوطنية التي يعتز بها كل عماني في سبيل إبراز وطنه العزيز".

اضاف: "وتقول الأخصائيتان في وثائق ومحفوظات بهيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، راية بنت عامر الحجرية وجليلة بنت يوسف الراشدية، "إن فكرة كتاب "الأوسمة والنياشين والميداليات في سلطنتي عمان وزنجبار" جاءت من وثيقة مرسلة إلى السكرتير الخاص للسلطان خليفة بن حارب بتاريخ 21 نيسان 1958 من أحد المسؤولين في مركز للبحوث الدولية في الجمهورية الالمانية يطلب تزويده بمعلومات دقيقة عن تاريخ بعض الأوسمة والنياشين التي ظهرت في سلطنة زنجبار، مما أوقد لدينا شرارة البحث في وثائق ومكنونات هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية وذلك بالدعم الحثيث من الدكتور رئيس الهيئة.

وقال: "أعلنت الاخصائيتان أن هذا الإصدار يعتبر إضافة جديدة لإصدارات الهيئة، فقد تفرد بعرضه الوثائق التي تثبت الحقائق التاريخية متوشحة بصور الأوسمة والنياشين والتي تحصلنا عليها بفعل البحث الجاد والمضني سواء عن طريق مراسلة الشركات المصنعة لهذه الأوسمة أو مراسلة الباحثين المهتمين بالأوسمة والنياشين، وزيارة المتاحف المحلية والخارجية وإقامة المقابلات مع الأسر والشخصيات التي نالت شرف الاحتفاظ بهذه القطع الثمينة التي قد لا يدرك الكثير منا قيمتها المعنوية قبل المادية. وأشارتا إلى أن هذا الإصدار حمل في طياته معلومات ثمينة وجاء مقسما في أبواب شملت الأوسمة والنياشين والميداليات في كل من سلطنتي عمان وزنجبار، بالإضافة إلى الأوسمة الأجنبية التي منحت للسلاطين العمانيين في المحافل الدولية، وباب مستقل لنماذج من الشخصيات البارزة في التاريخ العماني".

مخطوطة.. معدن الأسرار في علم البحار
وتطرق تقرير "وكالة الانباء العمانية" الى مخطوطة "معدن الأسرار في علم البحار" لناصر بن علي بن ناصر بن مسعود الخضوري (1870 - 1962)، مشيرا الى انها "من أهم المخطوطات العالمية في علم البحار ومن أهم المرشدات البحرية التي تم اعتمادها في تشرين الثاني من العام الماضي في برنامج "سجل ذاكرة العالم" لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

وقد كتب المخطوطة، التي تعد اول تراث وثائقي تنجح السلطنة ممثلة في وزارة التراث والثقافة في تسجيله في سجل ذاكرة العالم، النوخذة الخضوري وهو من مواليد مدينة صور في محافظة جنوب الشرقية، وكان قبطانا ممارسا للإبحار ومشهورا على مستوى عمان واليمن والهند والسند والملبار وشرق أفريقيا وجزر القمر وجزر سيشل ودول الخليج العربي وبلاد فارس والعراق وغيرها. وقد كتب الخضوري المخطوط عن ممارسة وخبرة بحرية ودراسة علمية في علوم الجغرافيا والرياضيات، والفلك، والملاحة البحرية، والأرصاد الجوية والبحرية وحركة الرياح، والعلم بآلات الرصد والقياس كالبوصلة والمربع والاسطرلاب وآلة السدس وآلة قياس مشي السفينة (الباطلي) ويعتبر من ربابنة البحر واساتذته المشهود لهم بالكفاءة والخبرة والدراية بعلوم البحار.

وقال رئيس الفريق الوطني المكلف بمتابعة برنامج سجل ذاكرة العالم ومدير وحدة بحوث الأفلاج بجامعة نزوى الدكتور عبدالله بن سيف الغافري ان "الملف المعني بتسجيل المخطوطة تم تقديمه للتسجيل العام 2016 ومن حق الدول ان تقدم كل سنتين ملفين كحد اقصى"، مشيرا الى "ان المميز في المخطوطة التي تم اعتمادها في سجل الذاكرة العالمية عام 2017 البعد العالمي لمضمونها والاصالة حيث ان المخطوطة اصيلة وكتبت بخط يد المؤلف وهو الذي وثق المعلومات فيها بطريقة علمية ودقة شديدة جدا ووصف الموانئ وطرق الابحار وتتبع مسارات عديدة واليونسكو اخذت بهذه العوامل وستكون المخطوطة من خلال وجودها في سجل ذاكرة العالم متاحة للأجيال القادمة والباحثين".

واضاف لوكالة الانباء العمانية: "ان شروط الادراج في سجل ذاكرة العالم صعبة ودقيقة ومن الدول التي تمكنت من ذلك مصر (4) وثائق، لبنان وثيقتان، الأردن والسعودية وتونس والمغرب والسلطنة كل منها وثيقة واحدة"، مشيرا الى "ان التراث الوثائقي في سجل ذاكرة العالم يشمل النقوش الأثرية، والمخطوطات، والمكتبات، والمتاحف، والأرشيفات الوطنية، والأقراص السمعية والبصرية، والأفلام السينمائية والصور الفوتوغرافية، والعملات الورقية التي تضم كتابات معينة مهمة وقديمة".

وأعرب الغافري عن أمله في ان يتم خلال العام الجاري 2018 تقديم وثيقتين لاعتمادهما في السجل العالمي.

وتضم المخطوطة التي أصدرت طبعتها الاولى وزارة التراث القومي والثقافة في كتاب عام 1994، وحملت الطبعة الثانية عام 2015 تفصيلات وشروحا تتناول قواعد العلوم البحرية في فترة تأليفها وقيادة السفن باستخدام الآلات البحرية وحساباتها الدقيقة، ووصف البوصلة وأجزاءها وكيفية استخراج مساج السفينة وخطوط الطول والعرض وجداول الميل، ومطالع النجوم ورسم السفن وكيفية اخذ القياسات والموانئ حسبما رأى المؤلف بعينه.

ويقول حسن صالح شهاب الذي قام بشرح وتحقيق المخطوطة ان "معدن الاسرار في علم البحار" واحدة من المخطوطات البحرية المحفوظة بدار المخطوطات البحرية التابعة لوزارة التراث والثقافة في سلطنة عمان وهي من الرحمانيات او المرشدات البحرية الحديثة التي عرفت لدى البحارة العرب في القرن التاسع عشر الميلادي والنصف الاول من القرن العشرين، وتوجد منها في دار المخطوطات ثلاث نسخ كتبها جميعا بخط نسخي واضح ناصر بن علي بن ناصر بن مسعود الخضوري من اهالي مدينة صور العمانية فرغ من نسخ الاولى في سنة 1360هـ والثانية في سنة 1364هـ اما الثالثة فقد شرع في نسخها سنة 1369هـ وهي غير مكتملة لكنها أفضل من النسختين السابقتين في الخط والترتيب".

واضاف: "ان المخطوطة لا تختلف في محتوياتها عن مخطوطات الارشادات الملاحية عند البحارة المتأخرين فكل واحدة منها لا تخلو من جداول (الميل الاعظم) أي بعد الشمس عن خط الاستواء اثناء سيرها في فلك البروج، وجداول عروض واطوال المراسي والمعالم البحرية، وجداول العرض والطول في المساج، أي في ما تقطعه السفينة من مسافة، ووصف المجاري، او الطرق البحرية، ووصف استعمال آلة السدس (الكمال) ووصف استعمال آلة قياس مشي السفينة (الباطلي)، ووصف بيت الابرة (الديرة) أي ( البوصلة) واجزاءها. وقواعد حساب استخراج مساج السفينة والعرض والطول فيه، وناكت المجرى أي الجزء او النجم الذي جرت فيه السفينة من دائرة بيت الابرة (الديرة)، ورسوم للمركب في اوضاع مختلفة بالنسبة لموقع كل من الشمس وخط الاستواء ورسوم لاهم المعالم البحرية وتعرف عند البحارة بالمناتخ".

وأشار شهاب الى انه اختار في وضع الكتاب الذي حققه من النسخ الثلاث لـ "معدن الاسرار في علم البحار" للخضوري "ما كان خطه واضحا وترتيبه جيدا. فمن النسخة الثالثة التي نسخها سنة 1369هـ اخترنا الجزء الاول وهو جدول الميل الاعظم والجزء الثاني وهو جداول (المساج)، اما الجزء الثالث وهو جداول (قياسات الاماكن البحرية) فغير مكتمل في هذه النسخة فأخذنا بدلا عنها جداول النسخة الاولى فهي مكتملة، كما اخترنا من النسخة الاولى ايضا الجزء الرابع وهو في وصف (الطرق البحرية) وكذلك الجزء الخامس وهو في وصف (الكمال) وطريقة استخراج عرض الكواكب، والجزء السادس وهو في وصف دائرة بيت الابرة (الديرة) واجزائها وفي قواعد الحساب البحري.

ويؤكد مدير مساعد بقطاع دائرة الثقافة باللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم عضو الفريق الوطني الدكتور حميد بن سيف النوفلي لمتابعة أعمال ذاكرة عمان أن "مخطوطة "معدن الأسرار في علم البحار" من المخطوطات النادرة في موضوعها واتصفت بالدقة ووضحت مجاري السفن والطرق التي سلكها ربابنة السفن والبحارة العمانيون في البحار والمحيطات"، مشيرا الى ان "كتابة الخضوري للمخطوطة في ثلاث نسخ يؤكد ان المخطوطة لها مكانة خاصة عند المؤلف. فمن حيث المضمون تحتوي على قياسات للمسالك البحرية ووصف دقيق للمجاري والجزر والخلجان ورصدت الموانئ التي كانت موجودة في زمن المؤلف ومنها من لم تعد موجودة الآن. وتحدث المؤلف كثيرا عن جهاز الباطلي لقياس سرعة السفينة لأهداف من بينها ان نوخذة السفينة ربما يرغب في معرفة السرعة لتقدير زمن وصوله لغايات منها انه يسعى للحاق بموسم معين في بلد الوصول او سوق قائمة في موسم معين ويحقق اهدافه التي رسمها خاصة في مجال التجارة".

واضاف: "ان المخطوطة تأتي تكملة لمؤلفات احمد بن ماجد في علوم البحار من حيث المعرفة وكمية المعلومات التي أدت إلى تطور المعارف البحرية وعلم الملاحة"، موضحا انه "تتم مناقشة الملفات التي تتقدم بها الدول مع اللجنة الاستشارية الدولية التي يستعان بها لتحكيم هذه الملفات وتضم مختصين في مختلف العلوم وترفع توصياتها ورايها العلمي والفني لبرنامج سجل ذاكرة العالم لاتخاذ القرار، حيث تصبح المخطوطة بعد اعتمادها تراثا مشتركا للإنسانية تشترك فيه اليونسكو والدولة صاحبة التراث حيث تعمل المنظمة كجهة داعمة لعمليات الصون وتقدم الحلول للفريق الذي يحمل هم المحافظة على ذلك التراث".

وعن وضع برنامج لصون التراث الوثائقي، اشار النوفلي الى "ان الفريق يعقد في نهاية كل عام ملتقى او يوما للمناقشة يخرج في ختامه بتوصيات مهمة يرفعها لعدة جهات من بينها وزارة التربية والتعليم لإدراجه في المناهج الدراسية او الاشارة اليه كتراث وثائقي للسلطنة". واعلن عن "انعقاد ندوة وطنية حول المخطوطة خلال الفترة القادمة ستتاح الفرصة فيها لأسرة المؤلف الخضوري للحديث حول سيرته الذاتية، ووزارة التراث والثقافة للحديث حول الجوانب الفنية للمخطوط، واللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم لاستعراض الآليات التي تمت في رفع الملف الى اليونسكو".

واكد في ختام حديثه ل"وكالة الانباء العمانية": "ان التراث الوثائقي العماني غني جدا، حيث تسعى السلطنة الى وضع بصمة في العالم لتراثها الوثائقي كما وضعته لتراثها المادي او غير المادي وابرازه. وهذا التسجيل هو انجاز حيث يتاح للتراث المسجل في ذاكرة العالم للباحثين في كافة انحاء العالم ويوضع كذلك اسم المؤلف بما امتلكه من ادوات بسيطة ولكنه افاد العالم في ذلك الوقت والوقت الحالي ايضا".

وكانت وزارة التراث والثقافة قد شكلت فريقا وطنيا لمتابعة أعمال سجل ذاكرة العالم برئاسة الدكتور عبدالله الغافري من جامعة نزوى وعضوية كل من الدكتور حميد النوفلي وعفاف الهلالي من اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم، والدكتور إبراهيم البلوشي، وأحمد الشحي من وزارة التراث والثقافة، والأستاذ منذر المنذري من دار الاوبرا السلطانية والأستاذ عبدالعزيز المحذوري من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، بهدف العمل على ترشيح الأعمال المناسبة حسب المعايير الفنية والتاريخية المعمول بها بمنظمة اليونسكو.

الجدير بالذكر، أن سجل ذاكرة العالم هو برنامج أنشأته منظمة اليونسكو في عام 1992م بهدف صون وحماية التراث الوثائقي من التدهور والضياع نتيجة لبعض الاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار الأمني والنهب والتجارة غير المشروعة وغيرها، أو نتيجة لبعض العوامل الطبيعية كالحرارة والرطوبة التي يتعرض لها هذا التراث مع مرور الزمن".

مشروع جمع التاريخ المروي.. حياة البادية

وأشار تقرير "وكالة الانباء العمانية" الى ان وزارة التراث والثقافة أصدرت كتاب "مشروع جمع التاريخ المروي.. حياة البادية"، من إعداد الباحث علي بن محمد الريامي ويقع في 103 صفحات. وقد عملت وزارة التراث والثقافة منذ عام 2006م على تنفيذ برنامج لجمع التاريخ المروي العماني وفق جدول عمل يتناول مختلف محافظات السلطنة إدراكا منها لأهمية وشمولية التراث الثقافي غير المادي بكل مجالاته وأبوابه بصفته الوعاء الذي حفظ للأمم والشعوب ثقافتها عبر التاريخ.

وأصدرت الوزارة 6 إصدارات جديدة في عام 2016 جمعت نتائج مشروع جمع التاريخ المروي في محافظة جنوب الباطنة (إصداران في كل محور) ضمت الفنون الشعبية والأدب الشعبي والمعتقد الشعبي في ولايات المصنعة، وبركاء، ونخل والرستاق. وكانت قد أصدرت قبل ذلك كتبا حول مشروع الحياة الاقتصادية والاجتماعية لولاية مسقط، ومشروع جمع التاريخ البحري لولاية صور، ومشروع جمع التاريخ المروي في ولايتي سمائل وقريات، وجمع التاريخ المروي لولاية نزوى.

وقال الريامي في مقدمة الكتاب إن "الروايات الشفوية تعد مادة مهمة وخصبة للتشكل التاريخي يغفل عنها الكثير من المهتمين بعلوم التاريخ والسكان وتوزيعهم لما تمتلكه من معلومات ذات ابعاد شتى وبلا شك فجمع التاريخ المروي لمفردات الحياة البدوية في محافظات (الوسطى وشمال الشرقية وجنوب الشرقية) من سلطنة عمان مهمة ليست باليسيرة لتتبع هذه الحياة ونمطها في زمن تحولت فيه الكثير من تلك المفردات التي تكاد تنمحي في خضم الحداثة والعصرنة الطاغية على الثقافة إضافة إلى أن استحضار مثل تلك الحياة من ذاكرة كبار السن عمل مرهق للجانبين الجامع والراوي على حد سواء".

وأكد أن "ترتيب الكتاب جاء حسب الموضوعات التي استقيت المعلومات عنها من واقع المقابلات الشخصية للرواة فجاءت على هيئة مقابلات منها ما يمس الحياة الاجتماعية للبدو ومن امثلتها هيئة البدوي من خلال لباسه التقليدي ومصادر تلك الأقمشة وأنواعها وزينة النساء والرجال وكذلك تطرقت إلى الترحال ودواعيه وموسمي الحضور والربوع والوضع المعيشي من ناحية الأكل والشرب والعناء والمشقة اللذين تكبدهما الإنسان في سبيل ذلك وطريقة بناء المسكن وعلى إثر ذلك تحاورت مع الرواة في تفاصيل أدق حول النار وما تمثله في حياة البدو وما يصاحبها من سمر، ثم عرجت على العادات والتقاليد التي أصلت قيم الانتماء والأعراف التي تسود في مجتمع ما وتترسخ في عقل ووجدان أفراده فالكرم أهم صفات البدو ومراسم الزواج وما يصاحبها من فنون يسمى (الحضرة) في أعراف البدو وهي تعد نموذجا بارزا ومثالا يحتذى به لأصالة الماضي وعراقته ومفردة من مفردات الثقافة البدوية كما تطرقت لعادات الزواج ومراسمه وما يكتنفه من طقوس بدوية مصاحبة".

وأشار الكاتب إلى "أن الحديث خلال بحثه ساقه إلى الممارسات والأنشطة السائدة في المجتمع البدوي وحللت عناصرها وفصلت شيئا ما عن طرق الرعي والاهتمام بالماشية كونها العمود الفقري للنشاط المعيشي عند أهل البادية كما أشرت إلى القوافل التجارية والطرق التي تسلكها في بادية عمان وأهم السلع التي تتبادل بين المدن والصحراء كذلك الحرف التقليدية كالغزل والنسيج". وقال: "ان الجانب التربوي والتعليمي والثقافي وما مثلته من خصوصية لمجتمع البادية وعكست بطبيعة الحال حياة البدوي وجزءا هاما من الموروث الشعبي الذي يعد وبلا أدنى شك من المكونات الشخصية لمجتمع ما ويحمل هويته ويتصل بكثير من رؤية الشعب لتاريخه وفكره الحضاري والاجتماعي بما يتضمنه من قيم ونظم أخلاقية تتصل بكل عناصر المجتمع".

وأكد الكاتب "أن اللغة وعاء يحوي اللهجات المختلفة لمجتمع البادية بما فيها من الفروق البينية في النطق وتعاطي بعض المصطلحات، إضافة إلى ما تشكله بعض اللغات البدوية كالحرسوسية من عمق وهوية تاريخية لتلك الجماعة من البدو، وما تختزله من مظاهر حضارتهم وإرثهم وطرق معيشتهم ورؤيتهم للحياة وفلسفتها، وكان للتعليم نصيب من حواراتي وما يعنيه للبدو فكتبت شيئا من الفنون المغناة والموروث الشعبي للشعر والقصة لديهم". وقد اتخذ الباحث من المعلومات ونسقها لتكون في قوالب علمية موثقة، "وقد استفدنا من الموسوعة العمانية في تفسير بعض المصطلحات وشرحها".

وأشار الباحث إلى الصعوبات التي واجهته، "حيث وكما يعلم الجميع منطقة الدراسة متسعة نسبيا إذ تشمل ثلاث محافظات من محافظات السلطنة وهي محافظة الوسطى ومحافظة جنوب الشرقية ومحافظة شمال الشرقية في مساحة جغرافية مترامية وكانت مهمة الباحث أن يجمع المادة المطلوبة ويوثقها وهذا أمر يحتاج إلى تنقل وبحث لمناطق تواجد البدو، وهذا يسوقنا إلى صعوبة أخرى حيث إن البدو لا يتواجدون أغلب أوقاتهم في مناطق رعيهم فهم دائمو الحركة. ويحتاج تتبعهم إلى زمن طويل ولكن جعلنا الصدفة خير ما يمكن أن نتجاوز به هذه العقبة حيث كنا نتجول في الصحراء متى ما صادفنا بغيتنا من البدو الذين يمكن أن نختارهم كرواة عن طبيعة الحياة بحيث تكون أعمارهم تزيد على الستين عاما ممن عاصروا حياة البادية قبل عهد النهضة المباركة ليطلعونا على تفاصيل تلك الحقبة من الزمن".

وأكد الكاتب أن "البداوة أحد أنماط الحياة في عمان قديما والتي تنتشر في بعض محافظات السلطنة، إلا أن تلك الحياة أصبحت اليوم ليست على غرار السابق، فقد تبدلت لما شهده العصر من تغير الأحوال فقد تغير شكل البداوة وتغيرت أنماط حياتهم المعيشية غير أنهم ما زالوا مستمرين وبشكل كبير جدا في اتباع العادات والتقاليد التي تميز ذلك المجتمع وتكسبه خاصية مميزة متفردة عن غيره". وأشار إلى أن "أبرز سمات حياة البدوي في الصحراء البساطة التي فرضتها عليهم ظروف البيئة الصحراوية القاحلة والتي طبعت البدوي بطبيعة التنقل وعدم الاستقرار بحثا عن الكلأ والمرعى والماء له ولماشيته، فالبدوي هو أول من سعى لإيجاد علاقة بينه وبين الطبيعة، فتكيف معها وانتزع من شظفها رزقه ومأواه".

وأوضح الكاتب أن "البدو في عمان لهم مخيمات صيفية تكون بالقرب من الحواضر أو المدن المستقرة قرب الآبار التي في الأودية ليكون قريبا من المدن لاحتياجاتهم من التمر والغذاء وغيرها، أما في فصل الشتاء فيرتحلون إلى دواخل الصحراء في عمق الأودية.. ولكن ما نريد ان نصل إليه أن البدو في السلطنة الآن نتيجة لجهود الحكومة في التوطين ومشاريع النهضة لمتطلبات المدنية العصرية فإن القليل من البدو حاليا يتبعون النمط البدوي التقليدي والحياة البدوية بحذافيرها، فأغلبهم في وقتنا الحاضر مستقرون في أماكنهم قليلو التنقل إلا لموسم واحد وهو موسم الحضور لجني التمر كما نلاحظ ذلك واضحا في بدو الوسطى وحضورهم إلى سناو وأدم والمضيبي، وكذلك بدو رمال الشرقية وحضورهم لمدينة بدية والجعالين ثم يقفل راجعا إلى مكانه في الصحراء".

وتناول الكتاب 25 موضوعا في نظرته للحياة الاجتماعية لأهل البادية منها المسكن في البادية وحياة أهل البادية والطعام والشراب والقهوة في ثقافة أهل البادية والزواج والصيد البري واشعال النار والترحال أسبابه ودواعيه والماء في الصحراء والقضاء عند البدو والحوز والمشيخة والمناسبات الدينية والاجتماعية وتطبيب المرضى واستقبال الضيف والممارسات والأنشطة المعيشية والإبل سفينة الصحراء والقوافل التجارية ودبغ الجلود والتربية والتعليم واللغة واللهجة والشعر وفنون البادية والقصص والروايات.

كما أفرد الكتاب في نهايته ملحقين "كشاف المفردات" و"من صور الرواة".

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن