شريحة «الهمبرغر» تحتاج إلى كمية من الحبوب والمياه تكفي الفرد لمدة سنة

Ghadi news

Thursday, April 1, 2021

شريحة «الهمبرغر» تحتاج إلى كمية من الحبوب والمياه تكفي الفرد لمدة سنة

"غدي نيوز"


حبيب معلوف - الاخبار

الإجراءات غیر المنسقة لمواجهة تغیر المناخ وفقدان التنوع البیولوجي والتلوث تهدّد مستقبل البشرية (مروان بو حيدر)
لا يختلف علماء الطبيعة على ثلاث أزمات خطيرة تعدّ تهديداً للمعمورة، وهي تغير المناخ وفقدان التنوع البیولوجي والتلوث. إلا أن الخلاف هو على كيفية وضع المخطط العلمي للتعامل مع هذه المخاطر؛ إذ إن البعض لا يزال متمسّكاً بمفاهيم، كـ«الرفاهية» و«الرخاء»، لعبت دوراً أساسياً في خلق الخطر المحدق بالأرض.

«الرفاهية» و«الرخاء» مفهومان ابتدعهما خبراء الاعلانات لمصلحة كبار المنتجين من أجل تسويق المنتجات المتجددة بما يفوق الحاجات الحقيقية... ورغم أن هذين المفهومين - و«مكمّلاتهما» كـ«التنمية» - مسؤولان عن التدهور الذي وصلت اليه حال الأرض، لا يزال كتّاب تقارير الأمم المتحدة يتمسّكون بهما لـ«التصالح مع الطبيعة»، وهو عنوان تقرير صدر الشهر الماضي عن برنامج الامم المتحدة للبيئة! علماً بأنه من دون إعادة النظر في هذه المفاهيم لا يمكن أن تحصل المصالحة المطلوبة بين الانسان والطبيعة.
فالرفاهية التي ربطت بين السعادة والاستهلاك الفردي تطلّبت زيادة في الانتاج والاستهلاك. الأخطار الثلاثة (تغيّر المناخ وفقدان التنوع البيولوجي والتلوث) التي تهدّد الأرض، وفق التقرير، لم تحصل الا عندما أوهمت إعلانات المنتجين الفرد بأن رفاهيته تتطلب أن تكون له سيارته الخاصة وبيته الخاص، من دون اعتبار لما يتطلبه ذلك من استهلاك للموارد والمساحات والجهد والعمل... ومن توسع في بصمته البيئية. سرعة الإنتاج والاستهلاك أدّت، أيضاً، على سبيل المثال، الى سرعة تناول الطعام، أو الطعام السريع، بغض النظر عن تداعيات هذه الزيادة على استهلاك اللحوم وتربية المواشي وأثرها على الغابات والموارد (شريحة الهمبرغر تحتاج إلى كمية من الحبوب والمياه تكفي الفرد لمدة سنة!).
رغم إصراره على فكرة الرفاهية كقيمة، لم يتطرق التقرير الى كلفة هذه الرفاهية على الاقتصاد والبيئة في كل جوانب الحياة، وكيفية تبنّي نموذج حضاري بديل، يمكن أن يسهم في انقاذ الكوكب، تمهيداً للمصالحة المطلوبة!
من الرسائل الرئیسیة التي يمكن استخلاصها من التقرير أن أزمات تغیّر المناخ وفقدان التنوع البیولوجي والتلوث، أزمات ذاتیة التأثیر، مترابطة بشكل وثیق، و«تعرّض رفاهیة الأجیال الحالیة والمستقبلیة لخطر غیر مقبول»، مشدداً على ضرورة التنسيق بين الحكومات والشركات والشعوب لمنع أسوأ آثار التدهور البیئي من خلال التحول السريع للنظم الرئیسیة، بما في ذلك الطاقة والمیاه والغذاء، حتى يصبح استخدامنا للأراضي والمحیطات مستداماً.
ومع أن تحقيق الاستدامة ووقف التدهور الخطير في البيئة يتطلبان تغييراً في الأنظمة الاجتماعیة والاقتصادية لـ«تحسین علاقتنا مع الطبیعة» وفهم قیمتها ووضع هذه القیمة في صمیم عملیة صنع قراراتنا، لم يتوسّع معدّو التقرير في الحديث عن الانظمة، ولم يتخلوا عن استخدام مفاهيم أسهمت في تدهور علاقتنا مع الطبيعة، كـ«الرفاهية»، تتجاوز في مفاعيلها شروط الحفاظ على ديمومة الأنظمة الايكولوجية وحياة الانواع… رغم الإقرار بأن التنمیة غیر المستدامة تؤدي إلى تدهور سريع في قدرة الأرض على الحفاظ على رفاهیة الإنسان! فكما هو معلوم، تعتمد «رفاهية» الفرد على الاستخدام غير المحدود لفضاء كوكبي محدود وعلى موارد غير متجددة في معظمها، او على تلويث موارد متجددة، من دون احتساب كلفة ضياع هذه الموارد وحقوق الاجيال المقبلة فيها وكلفة معالجة النفايات المتولدة من حياة الرفاهية!
يشير التقرير الى أن الاقتصاد العالمي نما خمسة أضعاف تقريباً في السنوات الخمسين الماضية. لكن النظم الاجتماعیة والاقتصادية والمالیة الحالیة فشلت في توفیر الحوافز لإدارة النظم البیئیة ورأس المال الطبیعي بحكمة. ويعود ذلك الى زيادة استخراج الموارد الطبیعیة والطاقة ثلاثة أضعاف، مع زيادة الإنتاج والاستهلاك. وفي الفترة نفسها أيضاً، زاد عدد سكان العالم ضعفین، إلى 8.7 ملیارات شخص... إلا أن نحو 1,3 ملیار شخص لا يزالون يعانون من الفقر، ونحو 700 ملیون يعانون من الجوع، ما يؤشر الى الاختلال الذي خلّفه نظام السوق القائم على المنافسة في الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية لسكان الأرض. وهذا ما لم يلحظه هذا التقرير ولا التقارير السابقة ذات الصلة، منذ تأسيس برنامج الامم المتحدة للبيئة (أعلى سلطة بيئية في العالم) بداية السبعينيات.

يلفت التقرير إلى أن الإجراءات غیر المنسقة لمواجهة تغیر المناخ وفقدان التنوع البیولوجي والتلوث أقل بدرجة كبیرة من المطلوب لمنع التدهور البیئي، ما يهدّد مستقبل البشرية ويجعل أهداف التنمیة المستدامة بعيدة المنال.
ففي تغير المناخ، يلفت الى أن العالم يسير على مسار الاحترار العالمي بما لا يقل عن 3 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل العصر الصناعي بحلول عام 2100. وهذا يعني عدم تحقیق هدف اتفاق باريس المتمثل في الحفاظ على الاحترار أقل بكثیر من درجتین مئويتین، ومحاولة الحد من الزيادة لكي لا تتجاوز 1.5 درجة مئوية، لتجنّب السيناريوات الكارثية، كذوبان الجليد وارتفاع منسوب البحار والفيضانات وانزياح الفصول وزيادة الجفاف وظهور فيروسات وأمراض جديدة...
كذلك، يقرّ بفشل تحقیق أي من الأهداف العالمیة لحماية الحیاة على الأرض ووقف تدهور الأراضي والمحیطات، وباستمرار تناقص الغابات والصید الجائر، وتعرض ملیون نوع (من أصل 8 ملايين) من النباتات والحیوانات لخطر الانقراض.
الأمر الوحيد الايجابي بداية استعادة طبقة الأوزون الواقیة للأرض، بسبب تحقيق بعض النجاح في استبدال بعض الغازات المؤثرة، في مقابل الزيادة المستمرة والخطيرة في تلوث الهواء والماء، وعدم إدارة المواد الكیمیائیة وتقلیل النفايات وإدارتها بأمان.
في الاهداف والحلول، يدعو التقرير الى التزامات مناخية وطنية أكثر طموحاً لتحقیق أهداف اتفاق باريس، من خلال خفض درجة الاحترار، وتقلیل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وجعل التكیف مع تغیر المناخ أسهل وأرخص كلفة... وذلك من خلال تحولات سريعة في مجالات تشمل أنظمة الطاقة، واستخدام الأراضي، والزراعة، وحماية الغابات، والتنمیة الحضرية، والبنیة التحتیة وأنماط الحیاة. إلا أنه لا يتطرق الى التزامات الدول، ولا سيما الغنية منها، التي كان عليها، بحسب اتفاقية باريس، أن تؤمن تمويل هذه العملية بمئة مليار دولار سنوياً، بدءاً من العام الماضي. وهو ما لم يحصل.
ويلفت التقرير الى إمكان وقف فقدان التنوع البیولوجي وعكس مساره من خلال توسیع نطاق المناطق المحمیة وتوفیر مساحة للطبیعة مع معالجة دوافع التدهور، مثل تغییر استخدام الأراضي والبحر، والاستغلال المفرط للموارد، وتغیّر المناخ، والتلوث والأنواع الغريبة الغازية… إلا أنه لم يقيّم جدوى حماية مناطق صغيرة حول العالم لا تمثل سوى 2 أو 3% من مساحات اليابسة والمحيطات، فيما تُستباح المساحات الباقية، علماً بأن هذه المحميات لا يمكن حمايتها من انعكاسات تغير المناخ!
واذ يؤكد إمكان التقلیل من الآثار الضارة للمواد الكیمیائیة والنفايات على البیئة وصحة الإنسان من خلال تنفیذ الاتفاقیات الدولیة، لا يذكر الاسباب الحقيقية التي تحول دون الالتزام بتطبيق هذه الاتفاقيات، ولا سيما سيطرة التجار والمهربين على الحكومات أو على حدود الدول البحرية والبرية.
كما يراهن التقرير على «المعرفة البشرية والإبداع والتكنولوجیا»، وعلى «التعاون» لتأمین مستقبل مستدام. إلا أنه لا يتطرق الى إشكاليات تتعلق بهوية من ينتج المعرفة ومن يملك التكنولوجيا ومن يتحكم في الاسواق… وأن طبيعة الاسواق نفسها القائمة على المنافسة، لا يمكنها أن تقتنع بفكرة التعاون المناقضة لطبيعتها!
وتجدر الإشارة الى أن التعويل على تغييرات جوهرية في طبيعة التكنولوجيا، كالانتقال الى ما يسمى «التكنولوجيا الخضراء» في إنتاج الطاقة المتجددة، لا يغيّر شيئاً في المشهد العام الانحداري؛ إذ إن دولة كالصين، وهي الأولى في إنتاج التكنولوجيا النظيفة من مراوح هواء وألواح شمسية وغيرها، لا تزال الاولى أيضاً في إنتاج الطاقة من الفحم الحجري، والأولى في التجارة العالمية. وهذا ما يؤكد أن التحول المطلوب يتعلق بجوهر الحضارة وجوهر القيم وليس في قشورها.

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن