الحمى نموذج عربي للحوكمة البيئية يتألّق في مؤتمر الاتحاد الدولي لصون الطبيعة في أبوظبي أسعد سرحال: الحمى ليست ماضياً بيئياً بل مستقبلٌ للسلام والحوكمة المجتمعية المستدامة

"غدي نيوز"

برز نهج الحمى التقليدي كأحد أبرز النماذج البيئية الملهمة خلال المؤتمر العالمي للاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) الذي انعقد هذا الأسبوع في أبوظبي – دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث احتفى المشاركون بهذا النهج كإرث ثقافي عربي أصيل يجسّد نموذجاً متكاملاً لإدارة الموارد الطبيعية على نحوٍ مستدام، ويقدّم في الوقت نفسه إطاراً عملياً لبناء السلام وحل النزاعات وتعزيز صون التنوع البيولوجي .

الحمى، التي تُمارَس في العالم العربي منذ أكثر من 1500 عام، أُعيد إحياؤها وتطويرها منذ عام 2004 بجهود جمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL) بقيادة مؤسسها ومديرها العام الدكتور أسعد سرحال ، الذي كان له الدور المحوري في إعادة إدماج هذا المفهوم التراثي ضمن السياسات البيئية الحديثة وفي صلب عمل الاتحاد الدولي لصون الطبيعة.

وقد تحوّل نهج الحمى من ممارسة تقليدية إلى نظام حيّ وفعّال للحوكمة البيئية، متجذّر في الثقافة المحلية ويقوده المجتمع نفسه، حيث يقوم على مبدأ المشاركة والمسؤولية المشتركة في إدارة المراعي والمياه والموارد الطبيعية، بما يعزز المرونة المجتمعية والاعتماد على الذات في مواجهة التحديات البيئية والمناخية.

وخلال المؤتمر، خُصِّصت جلسة رفيعة المستوى بعنوان "الحمى من أجل السلام" (Hima for Peace)، شارك فيها عدد من الخبراء والقيادات البيئية الإقليمية والدولية، سلطت الضوء على القيمة الثقافية والاجتماعية والبيئية للحمى كنموذج محليّ الجذور للتأهيل البيئي وبناء المرونة في المجتمعات المتأثرة بالنزاعات وتغير المناخ.

اللقاء الذي استقطب اهتمام المشاركين، تناول إمكانات توسيع نطاق تطبيق نموذج الحمى في غرب آسيا ومناطق أخرى من العالم، وركّز على أهمية تأمين التمويل الدولي للمبادرات القائمة على المجتمعات المحلية، ودعم المشاريع التي تدمج بين الحوكمة التقليدية والتكيّف المناخي والإدارة التشاركية للموارد.

وخلال الجلسة، عُرض الفيلم الوثائقي الجديد الذي أنتجته جمعية SPNL بعنوان "إرث عريق نقي" (A Pure Ancient Legacy)، والذي يروي مسيرة الحمى من جذورها التاريخية إلى دورها المعاصر في تمكين المجتمعات وصون الطبيعة. وقد شكّل الفيلم نقطة انطلاق لنقاش واسع حول كيفية استعادة القيم التقليدية في إدارة الأراضي وتحويلها إلى أدوات فعالة للحوكمة المحلية.

وفي مداخلته خلال الجلسة، أكّد الدكتور أسعد سرحال أنّ “إحياء الحمى ليس مجرّد عودة إلى الماضي، بل هو إعادة اكتشاف لقيم أصيلة قادرة على بناء مستقبل أكثر استدامة وإنصافاً”، مضيفاً أن “الحوكمة التقليدية التي تقوم على الشفافية والمشاركة تمكّن المجتمعات المحلية من إدارة مواردها بنفسها، وتعزز الخدمات البيئية وتدعم السلام الاجتماعي”.

وأظهرت دراسات حالة من لبنان ومنطقة غرب آسيا عرضتها SPNL خلال المؤتمر، كيف يمكن لنظام الحمى أن يشكّل أداة بلدية ومجتمعية ناجعة لإدارة الموارد الطبيعية، خصوصاً في المناطق المتأثرة بالنزاعات أو الضغوط الاقتصادية، إذ يوفّر إطاراً عادلاً ومرناً للتعاون بين السكان المحليين والسلطات الرسمية.

وقد نال عرض جمعية حماية الطبيعة في لبنان تقديراً واسعاً من الوفود المشاركة، باعتباره نموذجاً عملياً يمكن تطويره واعتماده على نطاق أوسع ضمن برامج الاتحاد الدولي لصون الطبيعة في المنطقة والعالم، ليكون الحمى العربي أحد النماذج الرائدة عالمياً في الحوكمة المجتمعية وصون البيئة من أجل السلام.