تحت شعار "التنوع الأحيائي للغابات... كنز الأرض الحي" تحيي دول العالم اليوم العالمي للتنوع الأحيائي (البيولوجي) الذي يوافق 22 ايار (مايو) من كل عام وذلك تأكيدا لأهمية العناية بالموائل الطبيعية والحياة الفطرية في دول العالم وضرورة بذل المزيد من الجهد للحفاظ على هذا التنوع واستدامته.
وتشير التقديرات إلى أن ثلثي الأنواع الأرضية تعيش في الغابات أو يعتمد بقاؤها على الغابات، هناك حوالي 1,75 ملايين من أنواع النباتات والحيوانات والفطريات المعروفة علميا، غير أن التقديرات تشير إلى احتمال وجود ما يصل إلى 100 مليون نوع معظمها في الغابات المدارية المطيرة وان حوالي 100 نوع منها يندثر يوميا.
وبحسب "موقع اليوم العالمي للتنوع البيولوجي" تغطي الغابات حوالي 31 بالمئة من مساحة الكرة الأرضية، أي حوالي 4 مليارات هكتار، وتحتوي على أكثر من ثلثي الأنواع الأرضية في العالم. وتقع 53 بالمئة من غابات العالم في خمسة بلدان فقط، هي البرازيل والصين وكندا والاتحاد الروسي والولايات المتحدة الأميركية. وان أكثر من 1,6 مليارات نسمة يعتمدون على الغابات في معيشتهم، ويسكن الغابات حوالي 300 مليون نسمة حول العالم. ويعتمد 80 بالمئة من سكان البلدان النامية على الأدوية التقليدية، التي يأتي نصفها تقريبا من النباتات الموجودة أساسا في الغابات المدارية. وان التنزع البيولوجي للغابات يشكل الأساس لما يزيد على خمسة آلاف منتج تجاري، ويأتي ثلاثة أرباع كميات المياه العذبة المتوافرة في العالم من مستجمعات المياه في الغابات، وتنقي الغابات مياه الشرب لثلثي المدن الرئيسية في البلدان النامية. ويفقد العالم كل سنة حوالي 13 مليون هكتار من غاباته، اي حجم مساحة اليونان أو نيكاراغوا، وقد تكون الانبعاثات الناتجة عن إزالة الغابات وتدهورها قد ساهمت بأكثر من 15 بالمئة في انبعاثات غازات الاحترار العالمي السنوية.
ووجه الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون رسالة للمناسبة حذر فيها من ان الغابات عرضة للتلاشي بوتيرة مفزعة. واكد على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة في هذا الصدد، كما شدد على ما تتسم به الغابات من أهمية في التنمية المستدامة. مشيرا الى ان الحد من إزالة الغابات وتدهورها يمكن أن يؤدي دورا كبيرا في التصدي للخطر المركّب الذي يمثله تغير المناخ مقروناً بفقدان التنوع البيولوجي وتدهور التربة.
وكانت الجمعية العامة للامم المتحدة قد أعلنت في 20 كانون الأول (ديسمبر) 2000، يوم 22 أيار (مايو) يوما دوليا للتنوع البيولوجي لإحياء ذكرى اعتماد نص اتفاقية التنوع البيولوجي في 22 أيار (مايو) 1992 في مؤتمر نيروبي، وللتأكيد على ضرورة التزام دول العالم بحفظ التنوع البيولوجي، واستخدام عناصره على نحو مستدام.
الملف
ولهذه المناسبة، أعد موقع "غدي نيوز" ملفاً شاملاً حول الغابات في العالم، في مساهمة جادة تهدف إلى خلق حالة من الوعي الجماعي، خصوصاً عندما نعلم مدى أهمية الغابات في حياتنا ومستقبلنا على الكوكب.
التنوع البيولوجي للغابات
نبدأ من التنوع البيولوجي، وهو مصطلح يستعمل لوصف تنوع الحياة على ثلاثة مستويات مختلفة: الجينات والأنواع والنظم الإيكولوجية. ويرتكز مفهوم التنوع البيولوجي على التسليم بأن جميع الكائنات تتفاعل، مثل شبكة حياتية، مع كل عنصر آخر موجود في بيئتها المحلية. وعلى سبيل المثال، يصف مصطلح "غابة مطيرة" نوعا عريضا من النظام الإيكولوجي للغابات يمتاز بسقوط أمطار غزيرة وبتنوع واسع للأنواع. وهناك الكثير من أنواع النظم الإيكولوجية للغابات، يمتاز كل منها بتنوع مختلف الأنواع ووجود جينات مختلفة وظروف بيئية مختلفة.
والغابات غنية بالتنوع البيولوجي بصورة مثيرة للدهشة. وتشير التقديرات إلى أن ثلثي الأنواع الأرضية تعيش في الغابات أو يعتمد بقاؤها على الغابات. وفي الوقت الراهن، هناك حوالي 1,75 ملايين من أنواع النباتات والحيوانات والفطريات المعروفة علميا. غير أن التقديرات تشير إلى احتمال وجود ما يصل إلى 100 مليون نوع، معظمها في الغابات المدارية المطيرة.
ويدعم التنوع البيولوجي للغابات رفاهية البشر من خلال الكثير من خدمات النظام الإيكولوجي، مثل تنقية المياه، وتوفير الأكسجين، والمنافع الروحانية والثقافية. ويعد التنوع البيولوجي دعامة ضرورية لثقافة الكثير من المجتمعات الأصلية وهويتها.
الغابات المدارية
الغابات المدارية هي من بين أكثر النظم الإيكولوجية تنوعا على وجه الأرض. وغابة الأمازون المطيرة هي أكبر غابة مطيرة في العالم، إ ذ تزيد مساحتها على 800 مليون هكتار وتمتد عبر تسعة بلدان. ويدعم حوض الأمازون أغنى تنوع في العالم للطيور، وأسماك المياه العذبة والفراشات، وتشير التقدريات إلى أن ربع الأنواع التي تعيش على اليابسة توجد في هذا الحوض الذي يمثل على سبيل المثال، المؤئل لأنواع نادرة مثل النمر الأميركي الاستوائي المرقط، والنسر الخطاف والدلفين النهري الوردي.
وفي قلب القارة الأفريقية، تغطي الغابات المدارية في حوض الكونغو منطقة تزيد مساحتها على 400 مليون هكتار، وتحتوي على مجموعة متنوعة من النظم الإيكولوجية - تشمل الأنهار والغابات والمستنقعاات والغابات المغمورة - وهي جميعا تفيض بالحياة. ويعد غابات حوض الكونغو ملجأ لفيل الغابت والغوريلا وأنوع الحياة البرية الأخرى تحت ظلال الأشجار العتيقة الشاهقة. وتعد الغوريلا عابرة النهر الموجودة في غابات حوض الكونغو المطيرة على الحدود بين نيجيريا والكاميرون، واحدة من أكثر القرود المهددة بالانقراض في العالم، إذ لا يوجد فيها سوى 300 تعيش في البرية.
وتأوي جزيرتي بورنيو وسومطرة بعضا من الغابات المطيرة الأكثر تنوعا في العالم، وتشكلان آخر الغابات الأولية واسعة النطاق في جنوب شرق آسيا. وقد ساعد المناخ المداري للجزيرتين ونظمها الإيكولوجية بالغة التنوع لتكون موائل لطائفة واسعة من الكائنات. وتعتبر غابات بورنيو وسومطرة بعضا من الموائل الأكثر تنوعا من الجهة البيولوجية على وجه الأرض، إذ تحوز أعدادا هائلة من الأنواع النباتية والحيوانية. وقد وصف تشالز داروين غابات بورنيو مرة بأنها "واحدة من البيوت الدافئة الفاخرة العظيمة التي صنعتها الطبيعة لنفسها"، وهي تشكل موطنا لأكثر من 200 نوع من الثدييات، ومن بينها الفيل، والفهد المرقط، ووحيد القرن، وأكثر من 350 نوعا من الطيور، و150 نوعا من الزواحف والبرمائيات، وعدد مدهش من أنواع النباتات يبلغ عشرة آلاف نوع.
"الرأسمال الطبيعي" لكوكب الأرض
إن الحياة لها قيمة ومعنى يتجاوزان المقياس النقدي، وينطبق نفس الشيء على التنوع البيولوجي. وبينما لا يمكن في الواقع وضع رقم نقدي على قيمة الغابات، إلا أنه من المعترف به الآن على نطاق واسع أننا بحاجة إلى تحسين الطريقة التي تستخدمها مجتمعاتنا واقتصاداتنا لحساب قيمة خدمات النظم الإيكولوجية.
وغالبا ما نأخذ هذه الخدمات كقضية مسلم بها، مثل قدرة الغابات على رشح المياه أو إنتاج الأكسجين. وتعتمد رفاهية الإنسان على السلع والخدمات التي توفرها الطبيعية - أي على "الرأسمال الطبيعي" لكوكب الأرض. وقد أوجدت المبادرات الأخيرة، مثل الدراسة العالمية بشأن "اقتصاديات النظم الإيكولوجية والتنوع البيولوجي" فهما أفضل للقيمة الاقتصادية التي توفرها الغابات من النظم الإيكولوجية لمجتمعاتنا.
اتفاقية بشأن التنوع البيولوجي
إن اتفاقية التنوع البيولوجي معاهدة دولية ملزمة قانونا لها غايات ثلاثة: حفظ التنوع البيولوجي، الاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي والتقاسم العادل والمنصف للمنافع الناشئة عن استخدام الموارد الجينية. ويتمثل هدفها العام في تشجيع الأعمال التي تقود إلى مستقبل مستدام.
ويشكل حفظ التنوع البيولوجي شاغلا مشتركا للبشرية. وتغطي الاتفاقية التنوع البيولوجي على جميع المستويات: النظم الإيكولوجية، والأنواع والموارد الجينية. وتغطي أيضا التكنولوجيا الأحيائية بما في ذلك من خلال بروتوكول قرطاجنة للسلامة الإحيائية. والواقع أنها تغطي جميع المجالات المحتملة التي تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بالتنوع البيولوجي وبدوره في التنمية، وتتراوح بين العلم والسياسة والتعليم إلى الزراعة، وقطاع الأعمال والثقافة، وأكثر من ذلك بكثير.
تعريف التنوع البيولوجي
والهيئة الإدارية لاتفاقية التنوع البيولوجي هي مؤتمر الأطراف الذي يمثل السلطة العليا لجميع الحكومات (أو الأطراف) التي صدقت على المعاهدة، وهو ينعقد مرة كل سنتين لاستعراض التقدم المحرز، وتحديد الأولويات، والالتزام بخطط العمل.
ويقع مقر أمانة اتفاقية التنوع البيولوجي في مدينة مونتريال بكندا. ووظيفتها الرئيسية مساعدة الحكومات في تنفيذ اتفاقية التنوع البيولوجي وبرامج عملها، وتنظيم الاجتماعات، وإعداد الوثائق، والتنسيق مع المنظمات الدولية الأخرى، وجمع المعلومات ونشرها. ويرأس الأمانة الأمين التنفيذي.
نبذة تاريخية
الموارد البيولوجية للأرض حيوية في للتنمية البشرية الاقتصادية. ونتيجة لذلك، هناك اعتراف متزايد بأن التنوع البيولوجي هو أحد الأصول العالمية ذات قيمة كبيرة للأجيال الحاضرة والمقبلة. وفي الوقت نفسه، لم يكن تهديد الأنواع والنظم الإيكولوجية أكثر مما هو عليه اليوم. ويستمر انقراض الأنواع الذي تسببه الأنشطة البشرية بمعدل ينذر بالخطر.
فقد دعا برنامج الأمم المتحدة للبيئة، استجابة لذلك، الفريق العامل المخصص مفتوح العضوية بشأن التننوع البيولوجي في تشرين الثاني (نوفمبر) 1988 لاستكشاف الحاجة لاتفاقية دولية بشأن التنوع البيولوجي. وبعدها بفترة وجيزة، في أيار (مايو) 1989، أنشأت الفريق العامل المخصص مفتوح العضوية للخبراء القانونيين والتقنيين لإعداد صك قانوني دولي لحفظ التنوع البيولوجي واستخدامه استخداما مستداما. وكان على الخبراء الأخذ في الاعتبار الحاجة إلى تقاسم التكاليف والمنافع بين البلدان المتقدمة والنامية، فضلا عن سبل ووسائل لدعم ابتكار السكان المحليين.
بحلول شباط (فبراير) 1991، كان الفريق العامل قد بات يُعرف بـ "لجنة التفاوض الحكومية الدولية". وقد توجت أعمالها في 22 أيار (مايو) 1992 مع مؤتمر نيروبي لاعتماد النص المتفق عليه لاتفاقية التتنوع البيولوجي.
وافتتح باب التوقيع على الاتفاقية في 5 حزيران (يونيو) 1992 في مؤتمر الأمم المتنحدة المعني بالبيئة والتنمية (ريو"’قمة الأرض")، وظلت الاتفاقية مفتوحة للتوقيع حتى 4 حزيران (يونيو) 1993، حيث كان عدد التوقيعات عليها هو 168 توقيعا. ودخلت الاتفاقية حيز التنفيذ في 29 كانون الأول (ديسمبر) 1993.
وفي مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة الذي عقد في عام 2002، أخذت الدول على عاتقها التزاما بأن تتابع تنفيذ أهداف الاتفاقية الثلاثة بمزيد من الفعالية والاتساق وأن تخفض إلى حد كبير بحلول عام 2010 المعدل الراهن لفقد التنوع البيولوجي، على الصعد العالمي والإقليمي والوطني، مما يسهم في التخفيف من حدة الفقر ويعود بالنفع على الحياة بأكملها على الأرض (هدف التنوع البيولوجي لعام 2010)، وأشارت إلى أن ذلك يتطلب العمل على جميع الصعد، بما في ذلك تنفيذ استراتيجيات وخطط عمل وطنية للتنوع البيولوجي وتوفير موارد مالية وتقنية جديدة وإضافية للبلدان النامية.
وأكد مؤتمر القمة الذي عقد في عام 2005 مجددا على الالتزام بتحقيق هدف التنوع البيولوجي لعام 2010، وفي عام 2006 أدمج الهدف في الأهداف الإنمائية للألفية بوصفه جزءا من الهدف 7 المتعلق بالاستدامة البيئية.
رسالة بان كي مون في اليوم العالمي للتنوع البيولوجي
وفي ما يلي نص رسالة امين عام الامم المتحدة بان كي مون بمناسبة اليوم العالمي للتنوع البولوجي الصادرة في 22 أيار (مايو) 2011:
تنظَّم احتفالات اليوم الدولي للتنوع البيولوجي لهذا العام في سياق إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2011 سنةً دوليةً للغابات بغية تثقيف المجتمع العالمي بشأن قيمة الغابات والتكاليف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الباهظة التي تترتب على فقدانها.
فالغابات تزخر بمنافع لا تعد ولا تحصى. وعلاوة على تجميع المياه وتخزينها، فهي تثبّت التربة، وتؤوي أشكال التنوع البيولوجي، وتقدم إسهاما مهما في تنظيم المناخ وغازات الاحتباس الحراري التي تتسبب في تغير المناخ. وتدرّ الغابات أرباحا وفيرة للأعمال التجارية الدولية وتوفر الدخل والموارد الأساسية لمئات الملايين من أشد الناس فقراً في العالم. بيد أنه برغم ازدياد فهمنا وتعاظم تقديرنا لما نجنيه من الغابات من فوائد جمّة، لا تزال الغابات عرضة للتلاشي بوتيرة مفزعة، لذلك، فقد كُرس اليوم الدولي للتنوع البيولوجي لهذا العام لتسليط الضوء على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة في هذا الصدد.
وفي العام الماضي، وافقت الحكومات على خطة استراتيجية جديدة للتنوع البيولوجي، أثناء مؤتمر قمة ناغويا بشأن التنوع البيولوجي، المعقود في آيشي، باليابان. وتدعو أهداف خطة آيشي إلى إجراء خفض كبير لمعدل إتلاف الموائل الطبيعية، بما فيها الغابات، ووقف تدهورها وتجزيئها، بحلول عام 2020. ومن بين الأدوات المهمة التي وافق عليها المشاركون بروتوكول آيشي بشأن إفساح المجال للحصول على الموارد الجينية وتوخّي العدل والإنصاف في تقاسم المنافع الناجمة عن استخدامها. والغابات مخزونٌ ضخم للتنوع البيولوجي، لم يصنّف منه بعد إلا النزر اليسير. ومن شأن التصديق على هذا البروتوكول وتنفيذه بصورة مبكرة أن يدعم حماية الغابات واستخدام التنوع البيولوجي استخداما مستداما، الأمر الذي سيسهم بدوره في التخفيف من وطأة الفقر وتحقيق التنمية الوطنية المستدامة.
وتبيّن المفاوضات الجارية بشأن تغير المناخ ازدياد الوعي بأن الحد من إزالة الغابات وتدهورها يمكن أن يؤدي دورا كبيرا في التصدي للخطر المركّب الذي يمثله تغير المناخ مقروناً بفقدان التنوع البيولوجي وتدهور التربة. لذلك، فأنا أشيد بهذا التأكيد المتجدد على ما تتسم به الغابات من أهمية في التنمية المستدامة.
ولقد اعتمد قادة العالم منذ زهاء عقدين من الزمن مبادئ ريو المتعلقة بالغابات بوصفها أهم حصيلة لمؤتمر قمة الأرض، الذي شهد أيضا ميلاد اتفاقية التنوع البيولوجي. وستلتئم الحكومات من جديد في العام المقبل، في ريو، في إطار مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو 20). وفي أفق انعقاد هذا المؤتمر الهام، أحث جميع قطاعات المجتمع الدولي على تجديد التزامها بإدارة جميع أنواع الغابات وحفظها وتنميتها بشكل مستدام بما يضمن مستقبلنا المشترك.