بحث

الأكثر قراءةً

اخر الاخبار

العيناتي يدعي على شركتي ترابة

"خطر وبائي".. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود

حملة توعية لجمعية غدي للتعريف عن الملوثات العضوية الثابتة وأخطارها

دراسة تكشف أصول "القهوة الصباحية".. كم عمرها؟

الصحة العالمية تتخوف من تفشي إنفلونزا الطيور بين البشر.. "أخطر من كوفيد 19"

...ليعود لبنان جنة الشرق

Ghadi news

Monday, October 24, 2011

"انكم تبتهجون حين توقعون القوانين، ولكنكم تبتهجون اكثر حين تخرجون عليها، انكم كالصبيه يلعبون بالرمال على شاطىء البحر"
 

جبران خليل جبران


 

*المهندس محمود الاحمدية

بطريق الصدف، وفي احدى امسيات الاسبوع الماضي تفاجأت بعنوان على المرئي الفرنسي: "بيروت مزبلة البحر الابيض المتوسط"، والحديث الوثائقي يعلق بطريقة مزرية ومؤلمة عن تلويث لبنان بشكل عام وبيروت بشكل خاص للشاطىء الممتد على طول الساحل اللبناني، ويرتكز الوثائقي بشكل خاص ووحيد وبطريقة وصفية مرعبة على مصائب مكب صيدا ووصول خيراته الى مرسيليا مرورا بأغلبية الشواطىء الاوروبيه، وبدون المرور على كل انواع التلويث الاخرى التي تدمر بيئة الشاطىء اللبناني، مع العلم ان لبنان هو احد الموقعين الاساسيين على اتفاقية برشلونه، وسنحاول التركيز على ثلاثة مواضيع رئيسيه لها ابعادها ومؤثراتها :
1-اتفاقية برشلونهة.
2-الواقع الحالي لمكب صيدا.
3الاسباب المتعددة لتلويث الشاطىء اللبناني ومن ثم شواطىء البحر الابيض المتوسط

اتفاقية برشلونه

بتاريخ 28 شباط (فبراير) عام 1975 نظم برنامج الامم المتحده للبيئه اجتماعا دوليا حكوميا حول حماية البحر الابيض المتوسط شارك فيه ستة عشر بلداً متوسطياً، ومن ضمنهم لبنان، وقد تم اقرار البرنامج الذي يستند على اربع عناصر اساسية:
أ-عنصر تتقديري: برنامج متكامل للبحث والمتابعة المستمرة وتقييم التلوث وتبادل المعلومات.
ب-عنصر التصرف: التخطيط المندمج للتنمية والتصرف في موارد حوض البحر المتوسط.
ج-عنصر قانوني: اتفاقية برشلونة وبروتوكولاتها مع ملاحق تقنية لحماية الوسط البحري.
د-عنصر مؤسساتي ومالي: الوسائل المؤسساتية والمالية لتنفيذ خطة عمل المتوسط.
تمّ اعتماد اتفاقية برشلونه عام 1976 ثم وقع تعديلها عام 1995 وتبعا لهذه الاتفاقيه تقوم البلدان المتعاقده باتخاذ كل الاجراءات اللازمة لحماية وتحسين نوعية الوسط البحري، وتقليص وتجنب كل اسباب التلوث بمنطقة المتوسط وهي مؤلفة عبر اربعة اشكال: التلوث الناجم عن عمليات الالقاء بعرض البحر، التلوث الناجم عن السفن، التلوث الناجم عن استكشاف واستغلال الرصيف القاري وقاع البحر والتلوث الصادر عن الانشطة البرية.

واقع مكب صيدا الحالي

مساحته التقريبية حوالي 3500 م2، ارتفاعه يناهز الاربعين متراً... ولن ننسى ذلك المنظر في احد ايام شباط (فبراير) 2011 وكنا في الجنوب والعاصفه تضرب البحر والبر وكنا في طريقنا الى صور، ومررنا بجانب ذلك "المارد المرتفع" الذي حول البيئة في صيدا والشاطىء والبر الى جهنم حقيقيه... وعند العودة من صور وبعد هدوء العاصفه، هالنا ما شاهدنا، انهارت مئات الاطنان من نفايات مكب صيدا وراحت تقذفها الامواج العاتية على مستوى الشاطىء كله وصولاً الى الطريق الرئيسية والرصيف، في مشهد مقزز يثير كل انواع مشاعر القهر والالم من قضية مضت عليها سنوات وسنوات وماتت في ضمائر المسؤولين، وكل قضية في هذا البلد ناجمة عن معالجة النتيجة بعيدا من معالجة السبب، والرائحة النتنة التي تختزل اهتراء كاملاً لواقع الوطن، تحتل وبقهر حقيقي روائح عطر الليمون وزهر الليمون والايام الجميله للمدينة الجميلة... ومثل حكاية الكسارات وحكاية الحرائق الموسمية، فمع كل شتاء وكل عاصفة نشهد تدمير جزء من هذا المكب وسقوط مئات الاطنان من كل انواع النفايات وذهابها شمالاً وصولاً الى شواطىء اوروبا وقبرص مروراً بسوريا وتركيا، ويجب الا يتعجب القارىء الكريم، فالمصيبة كبيرة والتلوث كبير، والمصيبة الاكبر عندما نسمع عن تدمير سمعة لبنان وعلى القناة الفرنسية التي يشاهدها العالم اجمع.
لبنان الذي تغنى به الشعراء ومن بينهم الشاعر الفرنسي لامارتين الذي وصف وديانه وصفاء سمائه وجمال جباله ووهاده، انقلبت صورته، فها هو مكب صيدا يدمر سمعة بيروت العاصمه وليس صيدا فحسب، ويظهر للعالم اجمع منظراً يختصر العجز الرسمي عن المعالجة، فعلى مستوى كل دول البحر المتوسط التي وقعت على اتفاقية برشلونه، لا تسمح مطلق اي دولة لهكذا منظر يستمر عشر سنوات، مع اطنان من النفايات تجوب شواطىء المتوسط، هذا عدا عن غاز الميثان الذي يشتعل ليل نهار في قلب هذا المكب.

الاسباب الاخرى المتعددة لتلويث الشاطىء اللبناني

التلفزيون الفرنسي لم يتحدث عن 930000 م3 من المياه الملوثه التي تصب على طول الشاطىء اللبناني كل يوم وعلى مدار السنة، لتجعل من بحرنا مياه آسنه ملوثه حتى جعلت منظمة "غرين بيس" تطرح الصوت عاليا عبر تقرير يقول: "ان عملية تدمير الموائل في لبنان تعرض حرفة صيد الاسماك التي توفر 6500 وظيفة حسب منظمة الامم المتحده للاغذيه والزراعه (الفاو) لخطر الانهيار ما لم يتم اعتماد اجزاء من المياه اللبنانية مناطق محمية في المستقبل القريب، ودعت المنظمه الى خلق 18 حضانة بحرية محمية على طول الساحل اللبناني لزيادة عدد الاسماك المعرضه للانقراض والتي ظلت تنخفض على مدى العقود الثلاثه المنصرمة.
اين هي تلك الايام الخوالي عندما زار الدكتور الاسترالي ادوار هيت لبنان في الستينيات وتطلع من الهضاب الخضر الى الجسر اللازوردي قائلا: "انك حين تقف ناظراً متأملاً وسط مكان جميل تشعر بأن الجمال ينتقل اليك لا بل تشعر انك جميل ايضاً... لقد شاركت هذا المكان بعض جماله".
التلفزيون الفرنسي يتوجه بابشع صورة حقيقية للشاطىء اللبناني الملوث، والحقيقة ان المسؤولين هم آخر ما يفكرون بما حمل الوثائقي الفرنسي من وقائع، لكن نسي الفرنسيون انه لا زال في لبنان رجال اكفاء اختاروا النضال والعمل في قلب الجرح ايماناً بهذا الوطن وبجمالات هذا الوطن، وهم قادرون على تصويب الخلل ليعود لبنان جنة الشرق: بيئة وجمالاً.

*رئيس "جمعية طبيعة بلا حدود"

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن