نحو "العودة" إلى "الأقل"

Ghadi news

Tuesday, October 4, 2011

تسود العالم هجمة غير مسبوقة على الطاقات المتجددة، لم يسلم منها لبنان. فقد انعقد في بيروت في أسبوع واحد (الأسبوع الماضي) الكثير من الندوات والمؤتمرات والمعارض حول موضوع الطاقة المتجددة، لتشجيعها والتبشير بها، كأنها كلمة السر للمرحلة المقبلة، وخشبة الخلاص للاقتصاد العالمي ولمناخ الأرض معا. بغض النظر عن حسن النية حول هذا المطلب - الخيار، لا يبدو العالم، بمفاهيمه التقليدية حول الاقتصاد والتنمية والرفاهية والحرية والسوق... مستعدا للتنازل عن اي من مكتسبات الحضارة المسيطرة، للولوج الى ما يسمى "الاقتصاد البديل"، الذي هو بمعنى او بآخر، العودة الى المفهوم الاصلي للاقتصاد الذي عرفه اجدادنا والذي يحمل معنى الادخار والحفاظ على الموارد اكثر مما يحمل معنى زيادة الانتاجية.
فمفاهيم مثل التقدم والتحضر والتنمية والرفاهية... تحتاج الى المزيد من الإنتاجية، التي تحتاج بدورها الى المزيد من الطاقة. اما هذه الاخيرة التي تعتبر الركيزة الأساسية للاقتصاد (بالمعنى المسيطر)، فمعيارها، حتى إشعار آخر، بان تكون الأرخص والأكثر توفرا أولا. ولا تزال الطاقة الاحفورية، حتى إشعار آخر أيضا، هي الأرخص والأكثر توفرا، في الـ 25 سنة المقبلة على الاقل. فاي مستقبل منظور للطاقة المتجددة اذاً؟
لعل اهم تحد إضافي يمكن ان يواجه الطاقات المتجددة، هو انها طاقات غير جديدة هي نفسها! هي طاقات متأخرة وبطيئة وليست متقدمة، قياسا الى الطاقات الاحفورية والنووية. فاعتماد طاقات الشمس والهواء والماء والطاقة الحيوية، يعني العودة الى الوراء وليس التقدم الى الأمام. يعني العودة الى الطاقات الأساسية التي عرفتها البشرية.
في لبنان والوطن العربي، لا تعتبر الطاقات المتجددة التي يضج فيها العالم اليوم جديدة. لطالما تم استخدام اشعة الشمس لتسخين المياه وللطبخ، فكل تراثنا حول الفواكه والخضار والحبوب المجففة كان يعتمد على أشعة الشمس، وقد استخدم اجدادنا "السخان الشمسي" منذ آلاف السنين. كما استخدموا طاقة الرياح في بذر البذور وتنقيتها في المجتمعات الزراعية، وفي سحب مياه البحار الى الملاحات على الشاطئ ومن ثم تجفيفها في اشعة الشمس واستخراج الملح الطبيعي. وكان آخر مروحة هواء تم مشاهدتها على الشاطئ اللبناني في منطقة ملاحات انفة، شمال لبنان.
كما لا تزال معالم الكثير من الطواحين التي كانت تعتمد على قوة المياه لطحن الغلال، لا سيما القمح، موجودة في اكثر من منطقة لبنانية، بالاضافة الى استخدام قوة دفع المياه ايضا لتشغيل معاصر الزيتون وصناعة الزيوت: هاتين المادتين الاساسيتين في النظام الغذائي المتوسطي.
المطلوب اذاً العودة الى الوراء، وليس التقدم الى الأمام لإنقاذ مستقبل البشرية. العودة الى الخلف، الى ما كان يحسب حتى الأمس القريب "تخلفا"، لإنقاذ الحضارة وفكرة التقدم نفسها.
ثم، لمزيد من الوضوح، لا تستطيع الطاقة المتجددة ان تكون بديلا، الا اذا اقتنع العالم، باقتصاده اولا، وبشركاته ثانيا وبمستهلكيه ثالثا، بالطلب اقل على الطاقة، اي بالعيش بطاقة اقل. فعلى معدي سياسات الطاقة ان لا يحدثونا بعد الآن عن توقعاتهم لزيادة الطلب على الطاقة، وعن كيفية تأمين هذه الزيادة. فهذه المقولة يجب ان تسقط من لوائح وبرامج وخطط سياسات الطاقة العالمية والوطنية. فالطاقات المتجددة تعني طاقة اقل بكل المعايير. وعلى الإنسان الآتي أن يتأقلم مع هذه الفكرة. وبما ان التقدم العالمي وما يسمى الثورة الصناعية حصلت في الغرب، فعلى البلدان الصناعية ان تبدأ اولا.
على البلدان المتقدمة ان تتراجع اولا عن نماذجها التنموية المدمرة. عليها ان تقتنع أولا، بأنه لإنقاذ الكوكب، وتطبيقا لفكرة العدالة الاجتماعية والمساواة والديموقراطية (بين الشعوب والأجيال) التي لا تنفك تطالب بها كل يوم وتتشاوف فيها على بقية أنحاء المعمورة... عليها ان تعيد النظر برفاهيتها وطرق عيشها واستهلاكها للطاقة والسلع والأغذية (لا سيما السريعة منها) وطرق التنقل والسكن والتعلم والتدفئة والانارة...الخ. عليها ان تعيد النظر بهذا النموذج الحضاري المسيطر كله، لان مستقبل النوع البشري واسس الحياة على هذا الكوكب تطلب طاقة اقل واستهلاك اقل... وعدد سكان اقل بالطبع.

*رئيس "حزب البيئة اللبناني"
 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن