أين استراتيجية لبنان من استهلاك الطاقة العالمي؟

Ghadi news

Sunday, June 12, 2011

حبيب معلوف*

تطرح قضية تبني مجلس الورزاء تقنية التفكيك الحراري لمعالجة النفايات وإنتاج الطاقة الكهربائية المزيد من الأسئلة حول الاستراتيجية البيئية التي تبناها لبنان وتلك المتعلقة بالطاقة ايضا. ويصبح السؤال أكثر إلحاحاً، عندما نسمع بين فينة وأخرى، تصاريح من وزارء في الحكومة المستقيلة والمرجح بقاؤهم مع اية حكومة آتية، على ما يبدو، لاعتماد مروحة كبيرة من الخيارات لإنتاج الطاقة من دون الإعلان عن أية استراتيجية. وتمتد هذه المروحة من شراء الطاقة من بواخر في البحر الى البدء بالتنقيب عن النفط، الى الاستمرار في الاستيراد والاستجرار للطاقة من الخارج، او اعتماد طاقة مياه بعض السدود المائية او الاعتماد على التفكيك الحراري للنفايات والطاقات المتجددة... الخ.
كل ذلك من دون الإعلان عن أية استراتيجية متكاملة، تطرح للنقاش الوطني.
فما هي الأسس والمعايير التي يفترض الاعتماد عليها لوضع استراتيجية للطاقة في لبنان؟


نسارع الى القول انه من الأفضل في بلد صغير مثل لبنان، ان يتم وضع استراتيجية بيئية شاملة، تأتي استراتيجية الطاقة من ضمنها. فالطاقة لا تتعلق فقط في خيارات وطرق الإنتاج، بل في طرق الاستهلاك ايضا. وهي لا تتعلق بالمصادر فقط، بل بالاستعمالات ايضا. واذ تستخدم الطاقة في المنازل والصناعة والزراعة والنقل والترفيه وكل ما يسمى القضايا التنموية... يفترض البحث في إمكانية التوفير في كل هذه القطاعات.
واذ يفترض في اية استراتيجية ان تأخذ بالاعتبار المعطيات الطبيعية اولا، المتوفرة في الطبيعة اللبنانية من دون عناء كالهواء والشمس وقوة المياه الطبيعية وأمواج البحر والطاقة الجوفية...الخ يفترض أيضاً الأخذ بالاعتبار المعطيات العالمية، من سوق الطاقة وتقنياتها الى التغيرات المناخية ومتطلبات الحد منها عبر الالتزام بالمعاهدات الدولية.
كما يفترض ان تأخذ بالاعتبار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسكنية للسكان اللبنانيين. بالاضافة الى الاوضاع الادارية والنظامية والامنية والتشريعية، والتجارب في مدى تطبيق القوانين واحترامها، وكيفية الاشراف على عمل القطاع الخاص اذا ما تم تلزيم الإنتاج الى هذا القطاع... الخ.
ولعل اهم مبدأ، يفترض الانطلاق منه هو في كيفية تأمين الاكتفاء الذاتي او التحكم الذاتي بإنتاج واستهلاك الطاقة.
كما يفترض ان يأخذ بالاعتبار تطورات واتجاهات سياسات الطاقة في العالم والتطور التقني الحاصل في هذا المجال والاتفاقيات الدولية ذات الصلة... والمخاطر المترتبة على كل خيار.
الا ان جوهر اية استراتيجية، يجب ان يبدأ، كما نكرر دائما، من كيفية وضع استراتيجيات وسياسات وإجراءات للتخفيف من استهلاك الطاقة في كل القطاعات، والترشيد والتوفير وكفاءة الاستخدام للأدوات...الخ.


فدولة صناعية متقدمة مثل ألمانيا، التي اتخذت حكومتها قرارا تاريخيا واستراتيجيا الأسبوع الماضي للتخلي عن الطاقة النووية عام 2022 ، (بعد قرار مماثل كانت قد اتخذته عام 2002 ) والتي تشكل الآن 22 بالمئة من الطاقة في المانيا، وهي نسبة غير قليلة اذا ما تم اتخاذ قرار بتعويضها من مصادر متجددة فقط... وضعت استراتيجية للتخفيف من استهلاك الطاقة بنسبة 10 بالمئة بحلول عام 2022 ايضا، ولم يبق لها سوى 12 بالمئة، عليها تأمينها من مصادر متجددة بدل تلك النووية.
في العودة الى سؤال: ما هي اتجاهات الطاقة العالمية التي يفترض الانطلاق منها في لبنان؟ يمكن الإشارة أولا إلى أن إنتاج الطاقة المستهلكة عالميا يأتي من مصادر موجودة في الطبيعة، منها طاقات اولية مخزنة تحت القشرة الارضية وتم سحبها كالطاقة الاحفورية، ومنها ما منحتنا اياها الطبيعة مجانا فوق الارض والمسماة متجددة كالشمس والهواء والماء.
حسب دراسة الوكالة الدولية للطاقة عام 2008، بلغ الاستهلاك العالمي للطاقة الاولية 12،2 مليار طن بترول مكافأ، منها 87 بالمئة من مصادر اولية مخزنة (33 بالمئة بترول، 27 بالمئة فحم حجري، 21 بالمئة غاز طبيعي، 6 بالمئة يورانيوم) و13 بالمئة طاقة متجددة (10 بالمئة طاقة حيوية، 3 بالمئة مائية وشمسية وهوائية وحرارة جوفية).
بالرغم من ان الطاقة المنتجة والمستهلكة عالميا هي في غالبيتها من مصادر احفورية (بنسبة 87 بالمئة)، الا ان اي استراتيجية مستقبلية، يفترض ان تراهن على الاقل انتاجا وطلبا، أي تلك المتجددة. وذلك كون الاحفورية غير متجددة وناضبة حتما. بحسب نسب الاستهلاك الحالية، فإن مخزون الفحم ممكن ان ينضب في قرنين او ثلاثة والبترول يمكن ان ينضب بعد عشرات السنين، والغاز بعد أكثر من نصف قرن بقليل، وبعض عشرات السنوات بالنسبة الى اليورانيوم... بالمقارنة مع الشمس التي لا تنضب!
وكون الاتجاهات العالمية هي لدعم الطاقات المتجددة، فقد وضعت معظم دول العالم المتقدمة والنامية برامج لعام 2020 لقلب المعادلات، وقد توقعت آخر التقارير العالمية الصادرة عن "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ" الشهر الماضي، بأن يصبح الاعتماد على الطاقات المتجددة بنسبة 80 بالمئة منتصف هذا القرن اذا ما توفرت سياسات الدعم المطلوبة. ناهيك عن مخاطر الاعتماد على الطاقة الاحفورية، ان لناحية التنقيب او التكرير او النقل والاستهلاك وحوادث التسرب وتلويث التربة والمياه والبحار وانبعاثات الكربون واستغلال الشركات والمافيات وتخريب الاقتصاد الحقيقي...الخ بالاضافة الى التفاوت في الاستهلاك بين الدول بالنسبة الى عدد السكان الذي يترك آثارا كارثية ويحول دون الوصول الى اتفاقيات لمعالجة تغير المناخ منذ عام 1992. ففي حين ان الولايات المتحدة الاميركية تستهلك وحدها 7،5 مليارات طن والاتحاد الاوروبي 3،5 مليارات، تستهلك الصين 1،6 مليار طن والهند 0،5! مما يعني ان الدول الصناعية المتقدمة التي يسكنها 13 بالمئة من سكان العالم تستهلك 40 بالمئة من الطاقة العالمية، بمعدل 5،3 أطنان للفرد!
واذا كان طموح العالم النامي (المشروع) ان يصل الى نفس النسبة تطبيقا لمبدأ المساواة في الفرص والتنمية (بالمفهوم الغربي)، فنحن بحاجة الى 48 مليار طن (مقارنة مع 12 مليار حاليا) عندما يصبح عدد سكان العالم 9 مليارات كما هو متوقع قريبا (مع نسبة 5،3 أطنان للفرد)... وسنكون عندئذ امام تحد خطير إن لناحية سرعة نضوب الموارد او لناحية كثافة الانبعاثات التي تحتاج الى اربع كواكب كالأرض لكي تستطيع اعادة امتصاصها.
من هنا لا بد للدول المتقدمة ان تتراجع اولا عن نموذجها الحضاري المدمر وأن تساعد البلدان النامية على عدم الوقوع في نفس التجربة الخطرة والتعويض عليها عبر نقل التكنولوجيا الخضراء لها من دون مقابل، والتركيز على ترشيد استهلاك الطاقة اولا في الترفيه والنقل والانتاج، والتركيز على الطلب بدل العرض والبحث عن بدائل سريعة. كما يفترض وضع استراتيجيات وسياسات تغير في انظمة البناء والسكن وتطوير وسائل النقل الجماعية وتعديل الاجهزة لتصبح اكثر كفاءة للطاقة وتشجيع انتاج الطاقة المتجددة...الخ
وعلى لبنان ان يعرف كيف يستفيد من هذا التحول، عبر وضع الاستراتيجيات والسياسات وفي المفاوضات الدولية ذات الصلة.
اما السؤال عن كيفية احتساب الطاقة المتولدة عن التفكيك الحراري للنفايات، وعن مدى تصنيفها ضمن قطاع الطاقة المتجددة، فموضوع نعالجه لاحقاً.

*رئيس حزب البيئة اللبناني
جريدة "السفير" اللبنانية
 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن