أية كلفة لتصريف الأعمال؟

Ghadi news

Saturday, May 21, 2011



في ظل حكومة تصريف الاعمال، البيئة هي الخاسر الاكبر من اي شيء آخر. فحالة تصريف الأعمال، بالنسبة إلى البيئة، هي كحالة الحرب والفوضى وحالات الطوارئ والاستثناء والمؤقت والمؤجل والمعجل... اذ يتم فيها حل كل المواضيع المطروحة والملحة، على حساب البيئة. فتسيير الأعمال بالمفرق وبالتي هي أسوأ وعدم ربط القضايا ببعضها من ضمن سياسات عامة وغياب العمل الاستراتيجي وتسوية المخالفات... تكون عادة على حساب الدولة والشأن العام والبيئة. مع العلم ان الموضوع البيئي ليس ترفا في لبنان. فمعظم النشاطات والاستثمارات بحاجة الى البيئة، وكلفة معالجة باقي القضايا على حساب البيئة او كلفة عدم معالجة قضايا البيئة وتأجيلها ... عالية جدا، لا بل مدمرة للاقتصاد الوطني.
ليس صحيحا أن الدولة تستطيع ان تستمر مع حكومة تصريف الاعمال. فالحكم في ظل وجود ما كان يسمى "حكومات الوحدة الوطنية"، لم يكن منتظما ولا نافعا، فكيف يمكن ان تسير الامور مع حكومة تصريف الاعمال، لا سيما اذا طالت الحالة وتعقدت أكثر واكثر؟!


ان تصريف الاعمال في بلد مثل لبنان، تعني القضاء على امكانيات حل اية مشكلة، مهما كانت صغيرة. كما انها تعني دفع اكلاف مضاعفة على اية قضية، مهما كانت صغيرة.
ان معظم القضايا والمشاكل الاساسية في لبنان من قضايا الطاقة والكهرباء والنقل والامن على انواعه الشخصي والاجتماعي والاقتصادي والصحي والبيئي... تحتاج الى حكومة متعاونة متضامنة وذات رؤية إستراتيجية معلنة مسبقا، لا الى حكومة وحدة وطنية كاذبة ولا إلى حكومة تصريف أعمال بالطبع. إنها تحتاج إلى حكومة أكثر من متعاونة، حكومة الجسم الواحد، لناحية تحمل المسؤوليات والخضوع لمحاسبة حقيقية ودائمة، لا إلى حكومة "كل وزير يصرّف شؤون وزارته".
فحل قضية الطاقة لا تنفصل عن حل قضايا قطاع النقل. ففي ظل تصريف الأعمال، او غياب الدولة، يمكن ان تطرح اسوأ الخيارات لحل قضية الكهرباء كمثل استئجار بواخر لتوليد الطاقة ونقلها بدل الاعتماد على استراتيجيات متكاملة لضبط الاستهلاك اولا والتفتيش عن مصادر متجددة ولامركزية ثانيا وتحسين وضع معامل الانتاج الحالية ثالثا...الخ مع ما يتطلبه ذلك من اطار تشريعي جديد وتعاون بين الوزارات ... لم يكن متوفرا في "حكومات الوحدة الوطنية"، ولن يتوفر بالتأكيد مع "تصريف الاعمال".
كما ان قضية ارتفاع اسعار المحروقات وانعكاسها على قطاع النقل، الاكثر سخونة هذه الايام، لا تنفصل عن استخدامات الطاقة عامة في لبنان، ولا تنفصل عن سياسات التنمية البيئية المفقودة في لبنان. فرفع الضريبة عن أسعار المحروقات هو أسوأ الخيارات في بلد مثل لبنان، غير منتج للنفط وغير مصنع لآليات النقل، كان عليه ان يعتمد سياسات تدعم وتشجع وتنظم النقل العام وتطوره، بدل تشجيع استخدام السيارات الخاصة المستنزفة للاقتصاد الوطني والأسري ولنظافة هواء المدن والمتسببة بأمراض خطيرة.
مع الاستمرار في مفهوم "تصريف الأعمال" سيتم الاستمرار في تصريف النفايات الى المكبات العشوائية وتراكمها لتتحول جبالا وقنابل موقوتة لا بد اما ان تنفجر في يوم من الايام على كارثة، او ان تدفع اكلافا عالية جدا ومضاعفة على تفكيكها واعادة فرزها، كما كان يفترض ان يحصل، لو كان هناك خطط وطنية سليمة ودولة. فاذا كانت معالجة مكب النورمندي قد كلفت أكثر من مئة مليون دولار (ولم تنجز الأعمال بسلام)، فكم ستبلغ اكلاف معالجة مئات المكبات المتراكمة ولاسيما تلك الساحلية منها كبرج حمود وصيدا وطرابلس؟! بالإضافة طبعا الى كلفة معالجة تلوث التربة والمياه (مياه البحر وتلك العذبة) والهواء... التي يصعب تقديرها!
ان تصريف الأعمال يعني تمديد حالة الفوضى في عمل المقالع والكسارت والمرامل، واستمرار تحقيق الأرباح غير الطبيعية عند المتنفذين في المناطق، على حساب البيئة والخزينة. كما يعني استمرار انحسار المساحات الخضراء والقضاء على التنوع البيولوجي الذي لا يعوض، بسبب فوضى العمران وسوء التخطيط الاستراتيجي والمحسوبيات واستغلال الطوائف والاستقواء على الدولة... بالإضافة الى الحرائق السنوية التي لا حل لها من دون خطط تقوم على تعاون أكثر من وزارة وطرف.
لم يكن مستغربا ان يحصل خلاف وشد حبال حول وزارة الداخلية. الا ان المستغرب ان البعض لا يزال يعتقد ان دور وزارة الداخلية هو دور امني محض، وقد انحصر البحث في اسماء وشخصيات امنية!
فلوزارة الداخلية، حسب القوانين المرعية الاجراء، ادوار لا تعد ولا تحصى، وعلى من يتولى حقيبتها، ان يكون ملما في ادوار واستراتيجيات وسياسات معظم الوزارات في لبنان، وان يتشارك معها لحسن تنفيذ السياسات.
فتنظيم القطاعات كافة وتطبيق القوانين وقمع المخالفات على أنواعها... تحتاج الى الداخلية.
فهل المطلوب تخصيص الامن في لبنان؟ هل المطلوب بان يكون لكل وزارة او ادارة امنها الخاص، فيصبح للبيئة وللسياحة شرطيوها وللأشغال وللصناعة والزراعة والشؤون الاجتماعية والمال... أمنها الخاص أيضا؟ وامن خاص للاملاك العامة واخر للاملاك الخاصة والحدود والجمارك ...الخ
إن اخطر ما يواجه لبنان حاليا، هو تفكيك الدولة وأمنها بدل توحيدها، كون "التصريف"، في بلد مثل لبنان، لا يعني سوى التفكيك والتفتيت، كلما طال أمده.
مع الإشارة الى ان عدم معالجة القضايا بعمقها وفي أوانها، ومراكمة المشاكل، ولا سيما البيئية منها، قد تدخل في خانة "ما لا يعوض"، وخانة "ما يستحيل معالجته"، كمثل انقراض الأنواع وتلوث المياه الجوفية والتربة، والبناء في الأماكن المميزة وفوق مصادر المياه الجوفية...الخ.

*رئيس حزب البيئة اللبناني

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن