ليحمنا الله من حمير تمشي على "قائمتين"!

Ghadi news

Saturday, October 21, 2017

ليحمنا الله من حمير تمشي على "قائمتين"!

"غدي نيوز" - أنور عقل ضو

 

ما يزال الحمار، هذا الحيوان الصبور، حاجة في بعض المجتمعات الزراعية في لبنان، فهو الأقدر على سلوك الممرات الوعرة في الأحراج، ونقل الإنتاج إلى أقرب الطرق المعبدة، وهو رفيق الفلاح في كروم التين والعنب والزيتون البعيدة، لا يتقاضى أجرا، يكتفي بقليل من حشائش طرية أو يابسة، وبعض ما يؤمن له صاحبه في الليالي العاصفة ومواسم الثلوج، وهو إلى ذلك يعتبر وسيلة نقل صديقة للبيئة.

تراجعت أعداد الحمير، بعد أن صادرت دورها الجرارات الحديثة مع شق الطرق الزراعية، ولن يمضي وقت طويل حتى تنتفي الحاجة إلى الحمار، ما يؤكد أنه في طور الإنقراض، كما أننا نادرا ما نشاهد الآن حمارا في قرانا وبلداتنا النائية.

مشكلة الإنسان عموما أنه لا يحفظ الجميل لمن أسدى له خدمات على مر العصور، فالحمار كائن مطواع، لا يحتاج إلى عمليات ترويض صعبة حتى ينصاع لقدره، خادما لبني البشر، والحمار كتوم لا يفشي سرا، وصبور في تحمل المشقات، لا يتأفف ويتذمر، لا يلوث الهواء كما هو الحال مع عوادم الجرارات والآليات، وروثه يسمِّد الأرض بعيدا من ملوثات كيميائية، لا يمارس النميمة، دافىء القلب واللسان، لا يتعاطى بأمور لا تعنيه من قريب أو بعيد، هو فاعل خير، يكفي الحمار بعض خيرات الأرض ليتقوّت، والقليل من ماء ساقية، وسقفا يقيه برد الشتاء وخيمة تحجب عنه أشعة الشمس.

لن نتحدث عن مآثره "العلمية"، فهذا أمر بات معروفا، كونه "مهندس الطرقات" رسم طرق الأجداد، ومن المأثورات أنه "حيث يسلك الحافر تسلك القدم"، وهذا القول يعني الحمار تحديدا، في قدرته على تجنب صعوبة ارتقاء المرتفعات بشكل مباشر، ويسير في ممرات يشق على الإنسان تقديرها، وإنما نتحدث عن الحمار وما لحق به من أذى معنوي، كأن يطلق الناس على قليلي الذكاء الآدمي، صفة "حمار" كشتيمة يتقصدون منها الإهانة، علما أن هذا الكائن لا يتسم بصفات غبية، ويتمتع بذاكرة وقدرة على حفظ الطرقات.

"يا حمار" شتيمة مردودة لصاحبها، وإذا ما أخذنا المعنى المجازي لهذه الشتيمة، نجد أنها أكثر ما تنطبق على بني البشر، فثمة "حمير" آدميون تعطلت عقولهم لصالح غرائزهم، وهؤلاء قد يقتلون، وينشرون الفساد ويشعلون الحروب، ويبيدون الغابات ويقتلعون الأشجار، ويقضمون الجبال والتلال، وكم من حاملي السلاح المتفلت، لا يتمتعون بذرة عقل وتدبير، فيما الحمار لا يقع في حفرة مرتين، ولا يدمن الانصياع كــ "نقيصة"، إذ أنه محكوم بوظيفة ودور أحسن الإنسان استغلالهما، وأقصى ما يقوم به الحمار، ودفاعا عن النفس لا يتعدى الرفس.

سينقرض الحمار غداً، وسنخسر كائنا بيئيا بامتياز، وسيظل حاضرا في موروثنا الثقافي فحسب، وبالطبع نتحدث هنا فقط عن ذي القوائم الأربع، وليجرنا الله وليحمنا من حمير تمشي على "قائمتين"!

 

 

 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن