هواء أوروبا... ظاهره النقاء وفي باطنه سم

wowslider.com by WOWSlider.com v8.6

Monday, April 15, 2013

تراجع جودته التي تسبب قصر العمر
هواء أوروبا... ظاهره النقاء وفي باطنه سم

"غدي نيوز"

لم يعد الأوروبيون يعانون من نفس كم التلوث الذي أودى بحياة الآلاف من سكان لندن في حادثة الضباب الدخاني (الضبخان) الكبير عام 1952، غير أن الهواء الذي يستنشقونه لا يزال يحمل أخطارا غير مرئية،ولا تقل في شدتها أو صعوبة السيطرة عليها عن تلك الحادثة.
وفيما ينصب الاهتمام على الحد من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري فثمة مواد أخرى لها ضرر مباشر أكبر على صحة الإنسان - خاصة أكاسيد النيتروجين - تقذفها محركات الديزل ومحطات الكهرباء الأوروبية العاملة بالفحم الذي يتراجع سعره في الوقت الذي يستغل فيه الأميركيون احتياطات غاز جديدة.
ويقول النشطاء الداعون إلى التغيير إن نتيجة ذلك تظهر في تراجع جودة الهواء التي تسبب قصر العمر. ورغم ذلك تعترض بعض شركات صناعة السيارات على الخطوة التي تتخذها المفوضية الأوروبية لتشديد القواعد الخاصة بانبعاثات العوادم.
وفي الوقت الذي تفتقر فيه الشركات والحكومات بشدة إلى الأموال اللازمة لسن تشريعات جديدة أو تبني تقنيات جديدة، يمكن توقع معارضة تشريع جديد واسع النطاق بشأن جودة الهواء عندما تقترحه الذراع التنفيذية للاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء وقد يكون ذلك في العام الحالي.
ونشرت المفوضية بيانات أظهرت ضخامة التكاليف الناجمة عن التلوث والتأييد الشعبي الكبير والمتزايد لإجراء عملية تنقية للهواء يمكن أن تعود بالنفع على الشركات التي تقدم تقنيات نظيفة.
غير أن هناك مشكلة يواجهها النشطاء الذين يحاولون جذب المزيد من الاهتمام بشأن قضية يشبهونها بالتدخين في خطورتها لتأتي في مصاف الأولويات.
فيقول سايمون مور من مؤسسة "بوليسي اكستشينج" للأبحاث في لندن "من الصعوبات التي تعرقل معالجة هذه المشكلة كونها غير مرئية، على عكس ما كانت عليه أدخنة لندن في خمسينيات القرن العشرين."
وأضاف أن "هذا نوع من الحالات التي يصعب فيها على العقل إدراك ما لا تراه العين."
وقعت حادثة (الضبخان) الكبير في كانون الأول (ديسمبر)عام 1952 ونجمت عن الهواء البارد والضباب الذي كان يعلو نهر التايمز ودخان الفحم المنبعث من مليون منزل ومصنع. وفي بعض المناطق عجز المتجولون في الشوارع عن رؤية أقدامهم، ووردت تقارير بإصابة بعض الماشية بالاختناق في سوق سميثفيلد، بينما توفي أربعة آلاف شخص أو يزيد جراء هذا الحادث.
ويمثل عدد المتوفين في ذلك الشهر بالعاصمة البريطانية ضعفي عددهم في شهر كانون الاول(ديسمبر) عام 1951.
تلك الحادثة وغيرها من الحوادث الأقل خطورة في أنحاء أوروبا دفعت إلى سن قوانين بشأن الهواء النظيف منذ خمسينيات القرن الماضي، والتي أفضت إلى التخلص من الأدخنة المرئية. ولكن رغم استعمال المحفزات في تحويل المواد السامة إلى مواد أخرى أقل ضررا وغيرها من الطرق المستخدمة في تقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، زادت خطورة الملوثات غير المرئية خاصة تلك الصادرة من عوادم السيارات.
وتقول وكالة البيئة الأوروبية، وهي منظمة رسمية تابعة للاتحاد الأوروبي إن ما يقرب من نصف مليون شخص بين مواطني الاتحاد الأوروبي البالغ عددهم نصف مليار نسمة يتوفون في سن مبكرة كل عام من جراء الهواء الذي يستنشقونه.
وفي مواجهة المخاوف من تكلفة التشريعات حددت الوكالة نفقات الاتحاد على الرعاية الصحية والاجازات المرضية والتأثيرات الواسعة الواقعة على البيئة بما يقرب من تريليون يورو (1.3 تريليون دولار).
وتواجه لندن كبرى مدن القارة واحدة من أكبر المشكلات المتعلقة بالهواء، إذ تعاني من أعلى مستويات ثاني أوكسيد النيتروجين بين العواصم الأوروبية، وهو غاز لا لون له ولا رائحة ينبعث من حرق الوقود ويمكن أن يؤثر على التنفس.
ومن خلال مجموعة من التفاعلات الكميائية المعقدة تولد أكاسيد النيتروجين ما يعرف باسم الأوزون الأرضي الذي أدى إلى تصدر مشكلة الهواء في العاصمة البريطانية لعناوين الصحف من جديد عندما زاد تركيزه بنسبة 80 بالمئة عن المستوى الذي حددته منظمة الصحة العالمية، عشية دورة الألعاب الأولمبية لعام 2012 مما أثار المخاوف على اللاعبين.
ويشكو بعض المدافعين عن البيئة من أن الحكومات المتعاقبة لم تبذل جهدا يذكر لمكافحة الهواء السام الذي يقولون إنه أكبر مسببات الوفاة في بريطانيا بعد التدخين.
وتقول لجنة الآثار الطبية لملوثات الهواء التي تقدم المشورة للحكومة إن الهواء السام يسبب 29 ألف حالة وفاة في سن مبكرة سنويا.
وقال مور أن "تلوث الهواء يشكل خطرا كبيرا على البيئة والصحة العامة تغفل عنه بريطانيا."
وأضاف "إذا قورن تلوث الهواء بالمشكلات الصحية الأخرى في المملكة المتحدة فإنه يأتي بعد التدخين، فيما يتعلق بالتكاليف المالية وقصر الأعمار."
ورغم ذلك يبدو أن هذه القضية ستحظى باهتمام سياسي أكبر على الأرجح. وقد أظهر استطلاع للرأي شارك فيه 25 ألف أوروبي، ونشرت المفوضية الأوروبية نتائجه في كانون الثاني (يناير)في بروكسل أن 56 بالمئة يعتقدون أن جودة الهواء ساءت في الأعوام العشر الماضية، بينما يرى 72 بالمئة أن السلطات لا تتخذ إجراءات كافية من أجل معالجة هذه المشكلة.
وتوقعت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية العام الماضي أن يصير تلوث الهواء في المناطق الحضرية على رأس العوامل البيئية المسببة للوفاة في العالم بحلول عام 2050.
وقالت المنظمة إن عدد حالات الوفاة في سن مبكرة الناجمة عن استنشاق الجسيمات الدقيقة الملوثة للهواء التي تصيب الإنسان بخلل في التنفس، قد يرتفع إلى مثلي مستواه الحالي البالغ 3.6 مليون شخص سنويا.
وبينما تتمثل مشكلة لندن الخاصة في ثاني أوكسيد النيتروجين الذي ينبعث معظمه من عوادم السيارات، تعاني أوروبا بشكل عام من ظاهرة أوسع تتمثل في الأوزون الأرضي والجسيمات الدقيقة التي يمكنها التسلل الى أنسجة الرئة.
ويقول بعض الباحثين إن المركبات التي تعمل بالديزل ومحطات الكهرباء العاملة بالفحم بصورة خاصة تشكل خطرا على القارة.
وقالت منظمة الصحة العالمية العام الماضي إن أدخنة عوادم الديزل يمكن أن تسبب السرطان، وتنتمي إلى نفس فئة المواد القاتلة التي تضم الاسبستوس (الحرير الصخري) والزرنيخ وغاز الخردل.
ورغم الجهود العالمية الرامية إلى مكافحة تغير المناخ لا يزال توليد الكهرباء من الفحم يصيب الأوروبيين بالأمراض. علاوة على ذلك دفع إنتاج جديد للغاز الطيني في الولايات المتحدة الأوروبيين إلى استيراد الفحم الأميركي الرخيص لاستعماله في محطات الكهرباء، بينما انخفضت قيمة الحوافز المالية الرسمية على استخدام الوقود النظيف.


 

اخترنا لكم

قرّاء غدي نيوز يتصفّحون الآن